تقنية جديدة تقربنا خطوة أخرى من الحواسيب الكمومية
مع تطور الحواسيب الكمومية في حجمها وتعقيدهاـ تبرز مشكلة جديدة، فزيادة المكونات تعني ارتفاع درجة الحرارة، ولا شيء يضر الكيوبت -وحدة المعالجة الرئيسية في الحواسيب الكمومية- مثل الحرارة.
ورغم وجود عدة حلول مقترحة، يجب أن يكون أي منها صغيرًا في الحجم ومتوافقًا مع تقنية السيليكون المتوفرة حاليًّا. أكدت ورقتان علميتان نُشرتا حديثًا أن جهازًا جديدًا -طوره مهندسو جامعة نيو ساوث ويلز بأستراليا- قد يمثل حلًا مناسبًا لتلك المشكلة.
في أواخر العام الماضي -2019- أعلن الباحثون مبدئيًّا عن مواد شبه موصلة -تُسمى النقاط الكمومية- يمكن عزلها، وأن تبقى مع ذلك قابلة للاستخدام في تنفيذ العمليات الكمومية المطلوبة في الجيل الجديد من الحوسبة، وذلك في درجة حرارة منخفضة جدًا (-271 درجة سيليزيوس).
قال الباحث أندرو دزوراك من جامعة نيو ساوث ويلز: «يمكن الوصول لهذه الدرجة من البرودة باستخدام مبرد لا تزيد تكلفته عن بضعة آلاف من الدولارات، بدلًا من تقنية التبريد التي تكلف ملايين الدولارات».
لم ينل البحث الجديد استحسان المراجعين فحسب، بل أكده بحث آخر منفصل أجراه فريق من جامعة ديلفت للتكنولوجيا بهولندا. وبتأكيد تحقق النتائج النظرية المرجوة من النسخة الأولية للجهاز، أصبحنا واثقين من أن هذه التقنية أو ما يشبهها ستتيح تحسين الحواسيب الكمومية إلى أحجام مناسبة.
في حين تستخدم الحواسيب التقليدية النظام الثنائي من البتات لإجراء العمليات المنطقية، تستعمل الحواسيب الكمومية الطبيعة الاحتمالية للحالات الكمومية لإجراء الحسابات، ويمكن تمثيل تلك الحالات في خصائص الجسيمات دون الذرية، وإحدى تلك الخصائص هي خاصية التراكب الكمومي، وهي خاصية يمكن عبرها وصف حالة الجسيم رياضيًا.
تساعد الرياضيات التي تصف حالة هذه الجسيمات المسماة الكيوبت -أي حالة التراكب الكمومي التي يملك فيها الجسيم غير المرصود أكثر من حالة أو خاصية في نفس الوقت- اختصار الخوارزميات التي تستغرق وقتًا طويلًا جدًّا في الحواسيب التقليدية، على الأقل نظريًّا.
لكن للحصول على أفضل النتائج الممكنة، يجب أن تعمل عشرات الكيوبتات وتتشابك معًا بطرق معقدة جدًا. تزعم بعض الشركات التقنية تمكنها من الوصول لتلك النقطة بالفعل، وأن خطوتهم التالية هي توصيل مئات بل ملايين الكيوبتات معًا، ما يبرز مشكلات هندسية جديدة.
يقول دزوراك: «تسبب إضافة زوجين من الكيوبتات زيادة الحرارة المتولدة».
قد تسبب الحرارة إفساد حالة التراكب الكمي والتأثير في كفاءة النظام، لهذا السبب تركز التصميمات الحالية كثيرًا على تقنية التبريد التي تُبقي الجسيمات في حالة الثبات، أما إضافة المزيد من ماصات الحرارة فسيزيد مشكلة كفاءة استخدام المساحة، لهذا عمل دزوراك وفريقه على إيجاد وسائل لاستضافة كيوبت يستطيع تحمل مشكلة الحرارة المتزايدة.
يتمثل الحل في عزل الإلكترونات عن محيطها على زوجين من الجزر المصنوعة من السيليكون المؤكسد بحجم النانومتر، تُسمى النقاط الكمومية، ويمكن بهذا تحديد الحالات الكمومية للإلكترونات وقياسها عبر النفق الكمومي، إذ تسمح حالة عدم اليقين الكمي لموضع كل إلكترون بالانتقال بين النقاط الكمومية. يعطي ذلك النفق مستوى من الحماية لحالات الإلكترون الحساسة من الحرارة المرتفعة، ويسمح للنظام في الوقت نفسه بالتواصل مع الحواسيب الإلكترونية التقليدية.
يقول دزوراك: «تمهد نتائجنا الطريق للانطلاق من الأجهزة التجريبية إلى تصنيع حواسيب كمومية عملية ومناسبة للشركات والتطبيقات الحكومية».
تعمل التقنية بكفاءة في النسخة التجريبية، لكننا ما زلنا في حاجة إلى الإجابة عن الكثير من الأسئلة قبل أن نرى تفاعلًا عمليًّا بين هذا البحث وتقنيات الحواسيب الكمومية.
ومع أن النموذج التجريبي يعمل بكفاءة في درجات حرارة أعلى من المعتاد بـ15 ضعفًا، يجب أن نرى كيف يمكن ترجمة ذلك إلى مجموعات متشابكة، وما إذا كانت طرق تصحيح الأخطاء ستعمل في هذه الكيوبتات.
لا شك أن تركيز الباحثين سينصب على تلك الإشكاليات في التجارب المستقبلية، ما يقربنا أكثر من الحواسيب الكمومية القادرة على حل العديد من الألغاز التي نواجهها.