ما هو علم البيئة ؟
نقوم في كثير من الأحيان بنزهات داخل الغابات والمناطق الطبيعية، أو نقوم برحلات طويلة، ترافقنا فيها الغابات طوال الطريق، ومن المؤكد أننا لاحظنا الكثير من التنوع والكائنات الحية الموجودة التي تعيش سويةً، مثل السراخس (Ferns)، والأشجار، والفطر الكبير، وغيرها. إذا كنتم أيضًا ممن قام بهذه النشاطات، فأنتم من الأشخاص الذين تعرفوا على علم البيئة بشكل كلاسيكي مميز. فهو أحد فروع (علم الأحياء – Biology)، الذي يختص في كيفية تفاعل الكائنات الحية مع بعضها البعض ومع محيطها الفيزيائي أو المادي الطبيعي (Physical Environment).
لا يعني علم البيئة مجرد غابات غنية بالأنواع، أو برية بكر، أو طبيعة بدائية (Pristine Wilderness) أو مناظر طبيعية خلابة، فلدينا على سبيل المثال: الصراصير تحت السرير، أو العفن في الحمام، أو الفطريات بين أصابع القدمين) هي أيضًا أمثلة فاعلة لعلم البيئة على أرض الواقع.
في الصورة مشاهد مميزة للطبيعة، أعلى اليسار، صورة للغابة، و أعلى اليمين، محمية كونزا برايري (Konza Prairie)، أما في أسفل اليسار، سهول سانت رافائيل (San Raphael Grasslands) وفي أسفل اليمين، صرصور.
العوامل الحيوية وغير الحيوية
من الأهداف الرئيسة أيضًا لعلم البيئة، هو فهم توزع ووفرة الكائنات الحية المتنوعة الموجودة في البيئة المادية المحيطة، على سبيل المثال: (ربما تحتوي حديقة منزلنا، أو موقف ومتنزه الحي الذي نقطن فيه، على مجموعات متنوعة ومختلفة من الكائنات والنظم الحيوية، بعكس مناطق أخرى من الكوكب).
إن ما يحرك هذه الأنماط ويكسبها تميزها عن غيرها من الأماكن، هي التفاعلات بين الكائنات الحية وبيئتها الطبيعية، أو حتى تفاعل الكائنات فيما بينها.
مثلًا، لنأخذ (عفن الحمام – Shower Mold) ، من المرجح أن يظهر العفن في الحمام أكثر من درج الجوارب، أو أي مكان آخر، لكن لماذا؟ من المحتمل أن العفن يحتاج وجود الماء لينمو، وفي هذه الحالة، الحمام هو الاحتمال الأكثر واقعية لنمو هذا العفن، هنا، يلعب الماء دورًا غير حيوي (abiotic)، أو غير حي (nonliving) (أي ليس من قبل كائن حي) ولكنه يؤثر على توزيع الكائنات الحية ضمن بيئة مادية محددة.
ومن المحتمل أن العفن يتغذى على بقايا الجلد الميت الموجودة في الحمام، وغير الموجودة في درج الملابس مثلًا، فيظهر هنا دور الكائنات الحية في تأمين الغذاء لأنماط مختلفة من الكائنات، ويمكن أن يؤثر ذلك على توزيعها وانتشارها.
علم البيئة في دراسة حالة: (الباندا الحمراء – Ailuridae)
دعونا نطبق فكرة العوامل الحيوية وغير الحيوية على نوع مختلف من الكائنات الحية، الباندا الأحمر: أحد أهم الكائنات التي يدرسها عالم البيئة. الباندا الحمراء كائنات جميلة، تقضي معظم وقتها على أغصان الأشجار، وتتغذى على أوراقها، وتتبع نظامًا غذائيًا نباتيًا متميزًا، تعتبر من القريبات البعيدة للراكون، وتتواجد فقط في الجانب الشرقي من جبال الهيمالايا، وفي السنوات الأخيرة، انخفض عددها بشكل كبير، الأمر الذي استدعى مجموعات حماية الحيوان والحفاظ على البيئة، لتصنيفها على أنها عرضة للخطر، أو مهددة بالانقراض.
صورة مميزة للباندا الأحمر
ما العوامل الرئيسية التي تسبب هذا التناقص في أعدادها؟
وجد علماء البيئة عددًا من الأسباب الحيوية، مثل قطع الأشجار، وانتشار الأمراض عن طريق الكلاب المنزلية، والتي تعتبر سببًا رئيسيًا لذلك، وتلعب العوامل غير الحيوية دورًا، فمن الممكن أن يتسبب ارتفاع درجات الحرارة بفقدان للبيئة الطبيعية، أو الموطن الطبيعي مستقبلًا. من هنا، تظهر أهمية فهم علماء البيئة للعوامل البيئية المؤثرة، كي يتمكنوا مستقبلًا من وضع خطط لحماية الأنواع والحفاظ عليها.
كيف يقوم علم البيئة بطرح الأسئلة؟
يعتمد علماء البيئة على عدد من المجالات لفهم الطبيعة المحيطة، على سبيل المثال: عندما يسأل علماء البيئة: «ما سبب تناقص أعداد الباندا الحمراء؟»، يعتمد العلماء على مجالات بيولوجية، وتخصصات مرتبطة بالسؤال، وهي: (الكيمياء الحيوية – Biochemistry)، و(الفيزيولوجيا – Physiology) أو علم وظائف الأعضاء، و(التطور – Evolution) و(علم الأحياء السلوكي – Behavioral Biology)، و(البيولوجيا الجزيئية – Molecular Biology)، كما يعتمدون على الجيولوجيا، والكيمياء، والفيزياء.
يمكن القول أن المؤرخين الذين اهتموا بالطبيعة، هم أوائل علماء البيئة، والذي يعود تاريخهم إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو. لكن اليوم علماء البيئة صارمون، ودقيقون، و(باحثون كمّيون – Quantitative Scientists)، يديرون تجارب متحكم فيها، ومراقبة جيدًا، (١) (controlled experiments) ويستخدمون الإحصائيات للعثور على أنماط ضمن قواعد البيانات الكبيرة، وبناء نماذج رياضية للتغيرات والتفاعلات البيئية الموجودة.
البيئة في العديد من المعايير
في علم البيئة، يعمل الباحثون على خمسة مستويات واسعة، إما بشكل منفرد أو متداخل وهي:
الكائن الحي، والسكان أو تعداد السكان، والجماعات أو المجتمع، والنظام البيئي، والمحيط الحيوي. لنلقِ نظرةً على كل مستوى.
(الكائن الحي – Organism):
يدرس علماء البيئة العضوية التكيف والملامح المفيدة الناشئة عن الانتقاء الطبيعي، والتي تسمح للكائنات الحية بالعيش في بيئات أو مواطن طبيعية محددة. يمكن أن تكون التعديلات مورفولوجية (Morphological)، «وهو علم التشكل»، أو فيزيولوجية، أو سلوكية.
(السكان، أو التعداد السكاني – Population):
يدرس العلماء حجم السكان، وكثافتهم، وبنيتهم، وكيفية تغيرهم مع مرور الوقت، باعتبار أن السكان هم مجموعة من الكائنات الحية من نفس النوع، والتي تعيش في نفس المكان وفي نفس الوقت.
(المجتمع أو الجماعات – community):
يتكون المجتمع البيولوجي من جميع الأنواع وفئاتها المختلفة التي تعيش في منطقة محددة، هنا تأتي دراسة علماء البيئة على التفاعلات فيما بينها، وكيف تشكل هذه التفاعلات المجتمع.
(النظام البيئي – Ecosystem):
يتكون من: المجتمع، وجميع الكائنات الحية الموجودة في مكان ما، والعوامل غير الحيوية المؤثرة عليها، هنا يركز علماء البيئة على تدفق الطاقة (٢)، وإعادة التدوير للعناصر المغذية أو الغذائية.
(المحيط الحيوي – Biosphere):
هو كوكب الأرض، وينظر إليه على أنه نظام بيئي، وهنا يقوم علم البيئة بدراسة الأنماط العالمية، على سبيل المثال: التوزع المناخي، أو توزع الأنواع (species distribution)، والتفاعلات مع النظام البيئي، والظواهر التي تؤثر على العالم بأسره، مثل التغير المناخي.
في الصورة شرح مبسط للمستويات البيئية. في الأعلى، غابة، وهي بمثابة الكائنات الحية، والتعداد السكاني، والمجتمع معًا. بينما في الصورة المتوسطة، شاطئ طبيعي، وهو يمثل النظام البيئي الذي يضم الكائنات، والمحيط المادي، والغابات. في آخر صورة، الكرة الأرضية، والتي تمثل المحيط الحيوي الذي يضم النظم البيئية.
في الصورة أعلاه وشرحها، سلسلة مرتبة للمستويات البيئية الموجودة، لكل مستوىً من المنظومة خصائص ناشئة، تظهر بمجرد التفاعل بين المستويات.
وتقدم مستويات الدراسة البيئية رؤىً مختلفة حول كيفية تفاعل الكائنات الحية مع بعضها البعض، ومع البيئة، يمكن تشبيهها كنظارات مكبرة، ذات ميزات متنوعة، إذا كنت تريد حقًا معرفة ما يجري في نظام بيئي معين، فمن المحتمل أنك تريد استخدام أكثر من ميزة.