الحَجْرُ” بسُكون الجيمِ من زاويَةِ المُثَلَّثاتِ اللّغويّةِ
لعلَّ كلمة “الحجْر” المُشتقة من مادَّةِ “ح.ج.ر” تَدخلُ في مُعجَم المُثلَّثاتِ اللّغويّةِ، التي لها ثلاثُ صيغٍ تختلفُ باختلاف حَرَكَة فاء الكلمة التي هي الحاء (الحَجْرُ والحِجْرُ والحُجْرُ)، والمُثلَّثاتُ اللغويّةُ هي الألفاظُ المُثَلَّثةُ النُّطقِ ذاتُ المَعاني المُختلفَة أو المُتقاربَة، أو ما ثُلِّثَ لَفظُه واختلَفَ مَعْناه أو تَقاربَ. وأوَّلُ مَن كتبَ في المُثلَّثاتِ اللّغويّةُ قُطرُبُ بنُ المُستنيرالبصريّ النّحويّ (ت.206ه) تلميذُ سيبويه، ألَّف كتاباً ضمَّ ما يُقاربُ ثلاثينَ لفظاً من ألفاظِ المُثلَّثاتِ المتفقة الحروف المختلفة الحركات والدلالات، ثُمّ تَوالى التأليفُ في المُثلَّثاتِ بعدَ قُطربٍ مُولِياً العنايةَ لما اتفقَ لفظُه واختلفَت مَعانيه. فكَتَبَ فيه القَزّازُ القيروانيُّ (.412ه) شارح مُثلّث قُطرُب، وابنُ السِّيدِ البَطَلْيَوسيُّ (ت.521ه) وجمالُ الدّينِ ابنُ مالكٍ الجيانيّ (ت.672ه) صاحبُ “إكمال الإعلام بمُثلَّث الكَلامِ” وهي منظومَةٌ طويلةٌ جاوزت ألفَ بيتٍ وغيرُهُم (1).
وأمّا مُثلّثُ قُطرُب فقَد نُظمَ في أرجازٍ ، ومن الناظمين لَها أبو القاسم الورّاقُ البهنسيّ الشافعيّ (ت.685ه) في أربعة وستين بيتاً(2)، ومنها قولُه:
مَلَتْ دُموعي حَجْري /// وقَلَّ فيه حِجْري
لَوْ كنتُ كابنِ حُجْري /// لَضاعَ فيهِ أَدبي
وقد اقتَصَر فيه على مَعانٍ ثَلاثةٍ هي الحَجْرُ وهو مُقدَّمُ القَميصِ، والحِجْرُ وهو العَقلُ والحِجى، والحُجْرُ وهو اسم لامرئ القيس من غير تعريف بالألف واللام
ونَظَمَ عزُّ الدّينِ أبو محمّد الدّيرينيّ (ت.694ه) مُثلَّثَ قُطربٍ، أيضاً، ومما قال في “حجر”:
ومُقدَّمُ الثَّوبِ فذاكَ حَجْرٌ /// والعقلُ للإنسانِ فهو حِجْرٌ
ووالدُ امرئِ القَيْسِ فهو حُجْرٌ /// أعني بذاكَ آكلَ المَرَارِ
غيرَ أنّ المعاني التي يدلُّ عليها “الحجرُ ” بفتح الحاء وضمها وكسرها لم تُستَوْفَ جَميعاً، في منثور المُثلثاتِ ومنظومها، وممّا يُمكن استقراؤُه من المَعاجم اللغويّة ما يَلي:
1- الحَجْرُ “مَصدرٌ ” للفعلِ(حَجَرَه يَحجُرُه حَجْراً): مَعْناه المَنْعُ، وهو ما حَجَرْتَ عليه أَي مَنَعْتَه من أَن يوصَلَ إِليه وكل ما مَنَعْتَ منه فقد حَجَرْتَ عليه، نحو حَجْر القاضي على الصغير والسفيه إِذا مَنَعَهُما من التصرف في مالهما.
2- الحِجْرُ “اسمٌ”: يُطلَقُ على العَقلِ، والقَرابة، والفَرَس الأُنثى، وبَعض الأمكنة كحِجْرِ الكعبة، وهو الحَطِيمُ، والحِجْرُ ديارُ ثمودَ، وفي التنزيل العَزيز: «ولقد كَذَّبَ أَصحابُ الحِجْرِ المرسَلين»، والحِجْرُ أَيضاً موضعٌ سوى ذلكَ. والحِجْرُ الحِصْنُ، ومنه قولُه تعالى: «ويَقولونَ حِجْراً مَحْجوراً» فهو اسمٌ مَوصوف بصفة من لفظه، مُشتقٌّ من مادّتِه للدّلالةِ عَلى تَمكُّن المَعنى المشتق منه كما قالوا: ليلٌ ألْيَلُ، وذَيلٌ ذائلٌ، وشِعْرٌ شاعرٌ.
والحِجْرُ “اسمٌ” للمُحَجَّر المَمْنوع، مثل الذِّبْح للمَذبوح، كما في قوله تعالى: «وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ» . وقَد يَدلُّ الحِجْرُ على المصدر أيضاً، فيكون بمَعْنى الحَجْر أي المَنْع.
3- الحُجْرُ: بمَعنى اسم المَفعول وهو المَحجورُ عليه، أي الشيءُ المَمنوعُ منه، فكُلُّ ما حَجَرْتَ عليه فقَد مَنَعْتَه مِن أَن يوصَلَ إِليه .
والحَجْرُ الصّحّيّ أو الحَجْرُ المَنزليّ، صحيح يُرادُ به المنعُ من الخُروج، ودلالة المصدر فيه واضحة، ويجوزُ الحُجْرُ الصحيّ أو الحُجْرُ المنزليّ وهو قَليلٌ.
م