المقامة الأدبية
ذكرتُ الأدب، وما قرأت فيه من الكتب بدءاً بالمعريّ وليس انتهاء بالحريريّ، رأيت فيها مصارع العشاق كما رواها السراج، في كتابه الذي كان لي في ظلمة العشق كالسراج.
وازددت فيها أدباً مع أمالي اليزيديّ، فقرأت فيها كتابا ليس بالرديّ، عقرت فيها راحلةَ السأم، لما مررت بحائيةِ زياد الأعجم، ولم أنسَ العروج على أبي علي القالي، وكتاب أماليه الذي من العيب خالي، وإن استدركَ عليه قوم، فمن الذي يخلو من اللوم.
وفي رحلتي الطويلة مع كتب الأدب والشعر، والنظم والنثر، ما وجدت أصعب من المعريّ في سبك كلمه، ولا أوعر منه في صياغة نظمه، قرأت له رسالة الغفران، يوم استنشد شعراء أهل الجنان، إنسيهم والجان، وناظر نظراءهم من أهل النيران، كما تخيل مصيرهم شيخ معرة النعمان، فرأيت كتابا لو قرأه المهلهل، لكبر وهلّل، وقد جعله المعريّ من أهل الحجيم، قرينا لابليس الرجيم، أما الأعشى أبا بصير، فجعله من أهل الفوز الكبير، مع أنه رفض الإسلام، لمّا أغرته قريش بالأنعام.
ولم أر في جولتي،ودربِ صولتي، أجملَ ولا أبدعَ من مقامات الحريريّ، فهو بلآلئ اللفظ ثريّ، فجزاه الله عن العرب والمسلمين خير الجزاء وجنّبني وإياه في الآخرة الشقاء.
أما أعذب ما قرأتُ ألفاظا، وأغنجها ألحاظا، فنسيم الصبا لبدر الدين الحلبيّ ذاك الأديب العربيّ، الذي رصّع كتابه بجواهر الكلم، مما سهل في النظم، وسال على اللسان، كماء الغدران، فكان كتابه البديع، كزهر الربيع، وكأنه قصد نفسه عندما وصف حديث حسناء في كتابه بقوله :
(فحديثها السحر الحلال لو انه لم يجن قتل المسلم المتحرزِ
إن طال لم يملل وإن هي أقصرت ودّ المحدث أنّها لم توجز)
أحمد خالد المراد