أدلة تثبت تقلب ظاهرة (إل نينو) بشدة في العصر الصناعي
يشهد العصر الصناعي تفاقم ظواهر مثل العواصف والجفاف وابيضاض المرجان، وتصبح هذه الظواهر أكثف في سنوات إل نينو El Nino years. وجدت دراسة جديدة في المحيط الهادي دليلًا دامغًا على أن ظاهرة إل نينو القوية هي جزء من نمط مناخي جديد غريب.
صور الأقمار الصناعية توضح ظاهرة إل نينو سنة 1997 وسنة 2015، وهما حدثان متطرفان من ظاهرة إل نينو التي تنبئ بوجود نمط مناخي جديد غريب
لأول مرة تُجمع أدلة مادية كافية تسمح للباحثين بالقول القاطع: أصبحت ظاهرتا إل نينو El nino ولا نينا La nina أكثر تطرفًا في ظل التغير المناخي الذي يُحدثه الإنسان.
قالت كيم كوبKim Cobb الباحثة الرئيسية والأستاذ في معهد جورجيا للتكنولوجيا: «ما رصدناه على مدار 50 عامًا الماضية هو أمر أكبر من التقلبات الطبيعية، بل يصل إلى درجة الطفرة، والحقيقة أن هذه التغيرات امتدت طوال فترة العصر الصناعي. لقد رصدنا 3 أحداث قوية جدًّا لظاهرتي إل نينو ولا نينا في غضون 50 عامًا الأخيرة، لكنها لم تكن مجرد أحداث متفرقة، لقد تحول الأمر إلى نمط كامل».
قارنت بام جروث Pam Grotheالرواسب الكيميائية المعتمدة على درجة الحرارة من المرجان الحالي مع ذلك الموجود في السجلات المرجانية القديمة المرتبطة بتغير درجات حرارة البحر على مدار 7000 سنة، بمساعدة معاونين من معهد جورجيا للتكنولوجيا ومؤسسات بحثية شريكة.
حددت جروث أنماطًا من تقلبات إل نينو الجنوبية ENSO، وتقلبات الحرارة والبرودة لمياه المحيط الهادي الاستوائية، التي تحفز إل نينو ولا نينا كل بضع سنوات على التوالي، وجد الفريق أن تقلبات إل نينو الجنوبية في العصر الصناعي أقوى بنسبة 25% مما سُجل سابقًا. ونُشرَت النتائج في مجلة Geophsical Research Letters في أكتوبر 2019.
أدلة نائمة
استقرت الأدلة في مياه المحيط الهادي الضحلة وما حولها، حيث تنشأ تقلبات إل نينو الجنوبية، وظاهرة إل نينو عمومًا. استخدمت كوب وفريقها أدوات الحفر المجوفة لاستخراج عينات من مستعمرات المرجان الحية ورواسب المرجان الأحفوري، وعلى مدار أكثر من 20 عامًا من الرحلات الميدانية، جمعوا أنويةً تحتوي مئات السجلات.
إن العينات المرجانية شديدة الدقة في تسجيل درجة حرارة سطح البحر، وقد وُجد أن درجات الحرارة المستنتجة من العينات المرجانية في فترة 1981 – 2015 تتطابق بدرجة مدهشة مع قياسات الأقمار الصناعية في نفس الفترة، لدرجة أن السجلات المرجانية غطت تسجيلات الأقمار الصناعية وحجبتها عن النظر، في الشكل البياني الموضح لنوعي القياس.
قالت جروث: «عندما عرضنا هذا المخطط البياني تساءل الناس: أين قياسات درجة الحرارة؟ كان علينا أن نوضح إنها موجودة لكنها بسبب تطابق القياسات اختفت ولا يمكن رؤيتها».
الأستاذ في معهد جورجيا للتكنولوجيا كيم كوب في معدات الغوص، تستخدم مثقابًا هوائيًّا لأخذ عينات من مرجان المحيط الهادي، لدراسة درجات حرارة سطح البحر قديمًا وحديثًا
الإنذار الأول
سنة2018 ، جُمعت تسجيلات مرجانية كافية لتمييز نشاط تقلبات إل نينو الجنوبية.
للتحقق من النتائج، احتفظت جروث بعينة لتتحقق من كون إشارة تقلبات إل نينو الجنوبية في عصر الصناعة ما زالت قائمة. استبعدت قياسات فترة 1997/1998 لظاهرتي إل نينو ولا نينا، ودرست قياسات العصر الصناعي بين 30 و100 عام.
وجدت جروث إن الإشارات موجودة في جميع الفترات، لكن البيانات في حاجة إلى أحداث سنتي 97/98 لتكون دقيقة إحصائيًّا، ما يعني أن أنشطة تقلبات إل نينو الجنوبية وصلت إلى درجة تجعلها قابلة للاكتشاف.
ما هي ظاهرة إل نينو ؟
تحدث ظاهرة إل نينو El Nino كل سنتين إلى سبع سنوات في الربيع، عندما يتضخم الطور الدافئ من التقلبات الجنوبية إلى بقعة حرارية ضخمة في المحيط الهادي المداري، عادةً يبلغ هذا التضخم ذروته في أول الشتاء. تظهر آثار هذا التضخم عبر المحيطات والهواء حول العالم، فتحدث تقلبات جوية من الرياح والحرارة والبرودة في أماكن غير متوقَعة.
بعد انتهاء إل نينو تحدث الظاهرة المعاكسة: لا نينا La Nina في الخريف التالي، إذ تدفع العواصف الجوية الماء الدافئ غربًا، وتجرف الماء البارد نحو المحيط الهادي الاستوائي، ما يؤدي إلى مجموعة متنوعة من الظروف الجوية المتطرفة.
يُسجل مرجان المحيط الهادي المداري تقلبات الحرارة والبرودة، إذ يمتص كميات أقل من نظير الأكسجينO18 في الأطوار الساخنة، ويمتص تدرجيًّا كميات أكبر في الأطوار الباردة. ومع نمو المرجان، تحتفظ الطبقات المتكونة بسجلات نظير الأكسجين مرتبطةً بتاريخ درجات الحرارة.
بام جروث وأليسا أتوود تنقبان في حفرية مرجانية عمرها 5000 عام في جزيرة Kiritimati بالمحيط الهادي
الحصول على العينات
إن استخراج عينات المرجان مغامرة: توجه الغواصة الباحثة الحفار الهوائي تحت المحيط، يتصل خرطوم الضغط الخاص بأداة الحفر مع المحرك على القارب، الذي يزود الأداة بالطاقة بعد أن تُوجَّه نحو المرجان. تُضبط الزوايا بعناية أسفل محور نمو المرجان، للحصول على أنوية مع طبقات يمكن عدها بدقة.
تقول جروث: «القيام بكل هذا تحت الماء يضيف مستوى من الصعوبة حتى إلى أبسط المهام. تمر شرائح الحفر عبر المرجان بسهولة، أما المرجان الأحفوري فيُحفر على الأرض، وترتفع درجات حرارة الأدوات بسبب عملية الحفر المستمرة».
التخلص من النماذج القديمة
أدت الأدلة المادية التي حُصل عليها من ثلاث جزر تقع في قلب منطقة تقلبات إل نينو الجنوبية إلى مفاجآت علمية، ما يمثل تحديًّا لنماذج الكمبيوتر الخاصة بتقلبات إل نينو وأسبابها، فقد أظهرت الدراسة أنه في فترة 3000 – 5000 سنة الماضية، كانت التقلبات خفيفة للغاية.
قالت كوب: «لا نملك تفسيرًا مقنعًا لهذا، ربما الأمر فقط يحدث. ربما بوسع ظاهرة إل نينو أن تبقى على وضعها مدة ألف عام».