ما سبب زيادة نسب الانتحار بين المراهقين ؟
مع أن الموسم الأول من المسلسل13 reasons why عُرض منذ عدة سنوات، ما زال عرضه المثير للجدل لانتحار مراهقة يطرح العديد من الأسئلة لدى الجماعات المهتمة بالحد من الانتحار. يبدو المسلسل للوهلة الأولى أنه قد يشجع على الانتحار بالفعل، فهو يعرض قصة فتاة تعاني رغبةً في الهروب من حياتها، ثم تنتحر في النهاية، ما يُعَد انتهاكًا لقمواعد المشاهدة الآمنة، التي هي موجودة بالتأكيد لسبب ما، فقد يزيد العرض غير المسؤول لقضايا الانتحار والميول الانتحارية من عدوى الانتحار.
ما زال تأثير المسلسل على ازدياد نسب الانتحار مثار جدل، إذ وجدت دراسة تحليلية ازديادًا ملحوظًا في حالات الانتحار لدى المراهقين بعمر 10-17 سنة عقب عرض المسلسل، وأشارت دراسة أخرى نُشرت في مايو 2019 إلى النتيجة ذاتها.
لكن إعادة تحليل معطيات تلك الدراسات أظهرت عدم وجود ارتباط واضح. إذن أين الحقيقة؟ وهل المسلسل مسؤول -ولو جزئيًّا- عن تلك الحالات؟ ولو لم يكن ذلك صحيحًا فما السبب الحقيقي؟ وهل نفهم ما الذي يحدث حقًا؟ وما سبب هذه النتائج المتباينة، وغياب الإجماع على السبب الحقيقي لارتفاع نسب الانتحار؟
إن البحث الذي أشار إلى مسؤولية المسلسل عن ارتفاع نسب الانتحار لم يأخذ بعين الاعتبار الظواهر العالمية الرائجة، أي أن معدلات انتحار المراهقين الأمريكيين تزايدت بالفعل في تلك الفترة، لكن ذلك لم يكن مرتبطًا بالمسلسل. تُصعب تلك الظاهرة تحديد التأثيرات إحصائيًّا في مسائل الصحة العامة، إذ تتابع الدراسات عادةً أعداد كبيرة من الناس لفترات طويلة من الزمن، لكن دون تحديد كون الظواهر التي نراها تعود إلى سبب محدد أم أنها ظهرت دون ارتباط بذلك السبب.
يشبه الأمر عدم تحديد العامل المشترك عند بحث حالة معينة في الصحة العامة، أي أننا يجب أن نسعى إلى فهم خلفية المشكلة أولًا قبل أن نحاول دراستها.
ليس الأمر سهلًا كما يبدو، فأسهل طريقة للفصل بين المظاهر الرائجة والتأثيرات الناتجة عن السبب المحدد المدروس هي التجارب الموجهة العشوائية، وهذا ليس ممكنًا دائمًا في البحوث المتعلقة بالصحة العامة.
لكن يظل السؤال عن سبب ارتفاع نسب الانتحار قائمًا. يلوم البعض التكنولوجيا، خاصةً وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية. لكن تزامُن استعمال المراهقين للتكنولوجيا الجديدة مع ارتفاع نسب الانتحار لا يعني بالضرورة أن الأمرين مرتبطان. ترتبط وسائل التواصل الاجتماعي بالقلق والاكتئاب بالفعل، لكن ذلك لا يرتبط بالضرورة بالانتحار، لأن أكثر المصابين بالقلق والاكتئاب غالبًا لا ينتحرون.
يلقي آخرون اللوم على الأحوال الاقتصادية، وهو ادعاء يتسم بالشرعية بعض الشيء. ومع ذلك لاحظ الخبراء أن الظواهر الرائجة لا تتوافق دومًا مع الأحوال الاقتصادية والأحداث المأساوية، كحالات إطلاق النار في المدراس، إضافةً إلى وجود نقص في متخصصي الصحة النفسية، ووجود مشاكل بنيوية كعدم إمكانية توفير الرعاية، ما زاد الوضع سوءًا.
في الواقع ما زلنا نجهل الكثير من الأمور. المسألة معقدة ولا يوجد فهم جيد لسبب لانتحار لدى أي مجموعة سكانية، لأنه أمر نادر، وأفضل ما يمكننا عمله هو دراسة الظواهر الرائجة المترافقة مع الظاهرة المدروسة لمعرفة سبب هذا التغيير المتذبذب، ويجب بالطبع تصحيح أخطائنا إذا ما ثبت أن ما توصلنا إليه من استنتاجات ليست صحيحة.