علم الكواكب الميتة: أغرب مجال في علم الفلك لم تسمع به من قبل
في عام 2015، وجد علماء الفلك شيئًا غريبًا، نجمًا قزمًا أبيض، يبعد عن الأرض 570 سنة ضوئية، بنمط تعتيم غير مألوف. خفتَ النجم عدة مرات ولأعماق متفاوتة، مع تكرار كل عمق على إطار زمني يتراوح بين 4.5 و5 ساعات، وكان الغلاف الجوي للنجم ملوثًا بعناصر نجدها عادة في الكواكب الصخرية خارج مجموعتنا الشمسية. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن يفهم العلماء هذه الظاهرة. كانت جاذبية النجم الميت في خضم عملية تمزيق الأجرام التي تدور حوله والتهامها، وهي عملية عنيفة تعرف باضطراب المد والجزر.
يُطلَق على النجم اسم WD 1145 + 017، وهو يُستخدم الآن دليلًا على مفهوم لمجال جديد في دراسة الكواكب وهو مجال إعادة تركيب جثث الكواكب الميتة لفهم ماهيتها وكيفية موتها.
يطلق الآن علماء الفلك من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على هذا المجال اسم علم الكواكب الميتة.
الصورة من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
قُبِل تحليل العلماء للنجم WD 1145 + 017 في مجلة الفيزياء الفلكية وهو متاح على موقع arXiv. يقول الباحثون إنه يمكن تطبيق هذا التحليل على الاكتشافات المستقبلية المشابهة لنظام القزم الأبيض وذلك لمعرفة كيفية موت الكواكب وهي تدور حول أنواع مختلفة من النجوم الميتة.
على الرغم من أن الأقزام البيضاء تقذف الكثير من المواد عند موتها في سلسلة من الانفجارات النووية العنيفة، فيمكن للكواكب حولها أن تنجو بطريقة ما من هذه العملية. لم نجد فقط كواكب مدارية حول الأقزام البيضاء، بل عثرنا أيضًا على عناصر في غلافها الجوي توجد عادة داخل الكواكب الصخرية خارج مجموعتنا الشمسية.
تعد جاذبية سطح الأقزام البيضاء شديدة لدرجة أن العناصر الأثقل ستترسب عليها بسرعة كبيرة، ما يشير إلى أنه لا بد أن النجم قد راكمَ هذه المواد حديثًا من جسمٍ نجا من احتضار النجم.
لمحاولة تحديد كيفية وصول WD 1145 + 017 إلى ما هو عليه، أجرى علماء الفلك من جامعة بولدر بكولورادو وجامعة ويسليان وجامعة وارويك في المملكة المتحدة سلسلة من عمليات المحاكاة لوضع قيود على الجسم المداري المضطرب، إذ عدلوا مكوناته الهيكلية، كحجم نواته وغلافه، وتركيبة هذا الغلاف: أهي صخرية أم جليدية؟، ووجود قشرة خارجية من عدمه. أدى هذا إلى محاكاة 36 جسمًا مختلفًا.
ثم جعلوا كلًا من هذه الأجسام الـ 36 تدور حول نجم مثل WD 1145 + 017، الذي يملك نحو 60 %من كتلة الشمس و2% من حجمها، فالأقزام البيضاء كثيفة جدًا.
استغرق هذا المدار 4.5 ساعات، أي بما يتوافق مع المادة التي تدور حول WD 1145 + 017، وشُغّلت كل محاكاة لـ 100 مدار. أخيرًا، قورنَت منحنيات الضوء الناتجة عن اضطراب المد والجزر لكل جسم مع منحنى الضوء الحقيقي الناتج عن WD 1145 + 017.
أظهرت هذه المحاكاة أن الأجسام التي من المرجح أن تنتج ما نلاحظه في WD 1145 + 017 لها نواة صغيرة، وغلاف منخفض الكثافة، وكتب الباحثون: «تشبه كويكبًا مع هيكل متباين جزئيًا وغلاف غني بالمواد المتطايرة مثل كويكب Vesta».
لهذه الأجسام كتل منخفضة، ولها أيضًا كثافة كبيرة وعالية بما يكفي للحفاظ على هيكلها لفترة من الزمن، ولكن هذه الكثافة بنفس الوقت منخفضة بالقدر الكافي لتعطيل غلاف الأجسام. تتوافق الخصائص التي ظهرت أيضًا مع نقص الجسيمات الصغيرة المُلاحَظ في النجم، إذ إن مثل هذه الجسيمات الصغيرة تتسامى بسرعة.
في الواقع، تقدم لنا هذه الأجسام بعض الدلالات فيما يتعلّق بنجوم غامضة أخرى أيضًا – مثل KIC 8462852 الشهير، المعروف أيضا بنجم تابي Tabby’s star، الذي يشكّل تعتيمه (خفتانه) غير المتناسق مصدرًا للغموض عند الفلكيين.
منذ اكتشاف سلوك KIC 8462852 الغريب لأول مرة، تبين أنه ليس النجم الوحيد الذي يبدي مثل هذا التعتيم المغاير، إذ أظهر مسح العام الماضي 21 نجمًا آخر مع نظام تعتيم غريب، قد يكون لها ديناميكيات مماثلة.
واكتُشفَت أقزام بيضاء أخرى تبتلع ما حولها من أجسام مدارية، مثل القزمين الأبيضين ZTF J0139+5245 وWD J0914 + 1914 اللذين اكتُشفا العام الماضي وهما يُخلّان دوران الكواكب بإحداث اضطرابات المد والجزر. يمكن محاكاة هذه النجوم باستخدام الطرق الجديدة التي ابتكرها الفريق أيضًا.
كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «تلك النجوم هي الأولى في أكبر فئة من الأنظمة الكوكبية المحتضرة التي يجب دراستها عبر الجمع بين الملاحظات الطيفية والضوئية مع محاكاة الاضطراب، إما اضطراب المد والجزر كما هو الحال في WD 1145 + 017 أو اضطراب الدوران كما يقترح البحث الذي أجراه فيراس وآخرون سنة 2020 للجسم ZTF J0139+5245».
«سيستخدم هذا النهج متعدد الجوانب موت تلك النظم الكوكبية في دراسة الخصائص الأساسية لأجسام الكواكب الموجودة خارج نظامنا الشمسي إذ يتعذر الوصول إليها بخلاف ذلك. هذا النهج هو الدراسة في علم الكواكب الميتة».