أساليب البحث العلمي عبارة عن طرق ووسائل تُساعد الباحث في سبيل تصميم وتفصيل دراسة علمية، والأسلوب العلمي نظام، ومنهج، وفنٌّ، ويختلف ذلك على حسب شخصية الباحث العلمي، وما يمتلكه من قُدرات أكاديمية، وعقلية، وداعمه في ذلك المنطق؛ حتى يستطيع أن يبني ما نتطلَّع إليه، نعم، فنحن نُعوِّل كثيرًا على باحثينا العلميين في بلداننا، التي تخلَّت عن السَّبق طوعًا، ونحن إذا نقول ذلك لا نبغي كبح الزِّمام، ولكن نودُّ أن تصل كلماتنا إلى قلب كل باحث علمي؛ ليعلم أن لديه كثيرًا، ومن ثم شحذ الهمم، وتقديم القيمة العلمية والمُجتمعية، فالبحث العلمي هو الحل الأكيد لجميع المشاكل التي نُعاني منها على مختلف المستويات، والبحث العلمي هو طوق النجاة وسط الأمواج العاتية، وهو المصباح المُنير في غيابات الظلام، وسوف نُقدِّم في هذا المقال معلومات متنوعة تدور رحاها حول أساليب البحث العلمي.
نبذة تاريخية عن أساليب البحث العلمي:
أساليب البحث العلمي لدى الإنسان الأول:
إن أساليب البحث العلمي وُجدت منذ وجود البشر على سطح الأرض، وفطرة الإنسان هي التي أصَّلت لذلك؛ فنجد الفضول هو الدَّافع الرئيسي، وما يشمله ذلك من رغبة في التَّعرُّف على ما يُحيط به من بيئة، سواء أكانت طبيعية، أو اجتماعية، غير أساليب البحث العلمي لم يكن لها قواعد ونُظُم ومنهجية معينة، وكان يتم ذلك بشكل ارتجالي، ومن ثم توارُث المعارف من جيل لآخر دون تدقيق.
أساليب البحث العلمي لدى الحضارات القديمة:
أساليب البحث العلمي استُخدمت من جانب بعض الأمم في فترات زمنية سحيقة مثل الدولة الفرعونية؛ حيث يُطالعنا العالم "أدوين سميث" بوجود بعض البرديات الفرعونية، التي تعود إلى أكثر من 1500 قبل الميلاد، وتشمل تلك البرديات قيام المصريين القُدامى بمُعالجة المرضى من خلال عملية فحص للمريض، وبعد ذلك تشخيص الحالة، وفي مرحلة تالية وصف العلاج، وتمثل تلك المراحل السابقة "المنهج التجريبي"، والذي يُعتمد عليه في الوقت الحالي كأسلوب منهجي مُنضبط، وبالإضافة إلى ما سبق كان يعتمد الاعتماد في الصين والهند على "المنهج الفلسفي"، ويظهر ذلك في تعاليم الديانة البوذية.
يُعتبر المنهج الاستقرائي من أقدم طرق البحث، وبدأ ظهوره في اليونان القديمة، ومن أشهر من أصلوا له "أرسطو"، والذي تتلمذ على يد الفيلسوف الشهير "أفلاطون"، والاثنان برعا في كثير من المجالات مثل: الموسيقى، والفيزياء، والمنطق، والسياسة، واللغويات، والأحياء، والاجتماع... إلخ، وتركوا تراثًا زخمًا، ولا يزال ذلك مرجعية في كثير من الميادين.
اعداد الأبحاث ونشرها
أساليب البحث العلمي الحديثة:
في مرحلة تالية ظهرت الحاجة إلى منهج علمي يستطيع عن طريقه العلماء دراسة العلوم الإنسانية، وخاصة في ظل تطور المعارف المتعلقة بالاجتماعيات، وذلك لعدم قُدرة الطرق الأخرى مثل المنهج التاريخي أو التجريبي على تفصيل ما يرتبط بالفلسفة والاجتماع والإدارة وعلم النفس؛ لذا ظهر المنهج الوصفي على يد "فيردينان دي سوير"، والذي قام بتفصيل كثير من الدراسات اللغوية والوصفية في المرحلة الزمنية الحديثة بدأ يظهر كثير من الأنماط المتعلقة بأساليب البحث العلمي، وذلك استكمالًا للمراحل السابقة، ومن أبرزها المنهج المُقارن، والمنهج المسحي، بالإضافة إلى تطوير الطرق القديمة.
ما دواعي الحاجة لأساليب البحث العلمي؟
الحاجة لتنظيم الأبحاث: يوجد كثير من تصنيفات الأبحاث، والتي تختلف في طبيعتها، ومن أهم التصنيفات كل من الأبحاث التطبيقية والأبحاث النظرية، ويندرج تحت كل صنف أكثر من شُعبة، ولا يُمكن تطبيق الطريقة ذاتها في جميع الأبحاث، لذا ظهرت أساليب البحث العلمي لتُلبِّي متطلبات الباحثين المُتباينة.
الحاجة للوصول لنتائج وحلول منطقية: إن أساليب البحث العلمي تضمن خطوات منهجية مُرتَّبة، ويبدأ ذلك بالشعور بالمشكلة وما تمثله من أهمية بالنسبة للباحث، ويتبع ذلك إجراءات أخرى لدراسة الموضوع العلمي، وفي حالة اتباع الباحث العلمي لذلك وبكل دقَّة يصل إلى نتائج مُبرهنة، ومن ثم يضع الحلول بصورة واقعية.
ما أساليب البحث العلمي؟
في تلك الفقرة سوف نوضح نبذة مختصرة عن أشهر أساليب البحث العلمي كما يلي:
المنهج الكمي: يُعَدُّ المنهج الكمِّي من أساليب البحث العلمي الشهيرة، ويتضح من اسمه مدى ارتباطه بالمقاييس، ومن ثم التوصُّل لقرائن رقمية، ويستخدم ذلك المنهج في الغالب بالاقتران مع مناهج أخرى كداعم للبحث العلمي في سبيل تحديد توجُّه معين، ومن ثم اعتماد الفرضيات المُصاغة، أو لفظها.
المنهج الوصفي: ينال المنهج الوصفي شُهرة لا مثيل لها في إعداد كثير من أنماط البحث العلمي، فهو من أهم أساليب البحث العلمي، وعلى الرغم من شيوع استخدام ذلك المنهج في الأبحاث الاجتماعية والإنسانية، فإن كثيرًا من الأبحاث العملية أو التطبيقية تستخدم ذلك الأسلوب بالتزامن مع المنهج التجريبي، من أجل توصيف الظواهر الطبيعية في بعض الجوانب الخاصة بها.
المنهج التاريخي: ويهدف المنهج التاريخي كأحد أساليب البحث العلمي المُستخدمة بشكل مُوسَّع إلى دراسة ظاهرة أو مشكلة في فترات تاريخية سابقة، ويتم ذلك عن طريق البيانات والمعلومات المُؤرَّخة، ومن ثم الإحاطة بها بشكل كامل، ويلي ذلك التعرف على التوجهات الحالية، والتنبُّؤ بما هو كائن في المستقبل بصورة منطقية، وفي حالة وجود إشكالية اجتماعية يمكن السيطرة عليها، وحلها عبر ذلك المنهج.
المنهج التجريبي: وهو أحد أساليب البحث العلمي القديمة، ويعتمد على القيام بالتجارب العلمية والملاحظة، بما يساعد في الوصول للحقائق، ووضع المُسلَّمات، ومن ثم التطور الحضاري، ويبدأ ذلك المنهج بالتعرف على المتغير الأساسي للمشكلة، وما يؤثر فيه من متغيرات أخرى تُعرف بالمتغيرات التابعة، وتظهر أهمية المنهج التجريبي في الجوانب المتعلقة بالعلوم التطبيقية على وجه الخصوص.
المنهج الاستقرائي: يُعتبر المنهج الاستقرائي من أبرز أساليب البحث العلمي، وتُوجد تصنيفات متنوعة منه، من أبرزها الاستقراء الكامل، والذي يتم عن طريقه دراسة جميع مفردات المجتمع، والاستقراء الناقص، ويعتمد على دراسة جُزئيات من عينة الدراسية، وبعد ذلك يتم تعميم ما يتم التوصل إليها من استنتاجات على عموم مجتمع الدراسة.
المنهج المقارن: وعن طريق المنهج المقارن تتم دراسة ظاهرة معينة، سواء متعلقة بالعلوم الطبيعية، أو الاجتماعية في أكثر من مكان، ومن ثم تحديد أوجه الشبه والاختلاف، ويفيد ذلك في التعمق بصورة أكبر، وإيجاد حلول أوفر، وهو أحد أساليب البحث العلمي الحديثة.
المنهج الاستنباطي: والمنهج الاستنباطي مُعاكس للمنهج الاستقرائي من حيث الخطوات، فهو يعتمد على دراسة مجتمع المشكلة بأكمله، والوصول إلى العموميات، ومن ثم إمكانية التطبيق على الحالات المُماثلة، على سبيل المثال في حالة التوصل إلى طريقة ناجحة من أجل إدارة مصانع الألمونيوم؛ فيمكن استخدام ذات الطريقة في دولة أخرى، أو في مصانع أخرى تعمل في نفس النشاط داخل النطاق المحلي... وهكذا.
المنهج الفلسفي: المنهج الفلسفي أحد أساليب البحث العلمي، ويعتمد على التأمُّل والتحليل والاجتهاد العقلي، ويبدأ بالشك، وبعد ذلك مراحل متنوعة من تصحيح الأخطاء، وصولًا إلى مرحلة نهائية تُعرف باسم "مرحلة اليقين"، وينظر في قضايا عامة، ومن أمثلة ذلك الحرية والعدالة، والخير والشر، والحزن والسعادة.... إلخ.