سياح المغامرة لا يتوبون عن التزلج والتسلق
فايروس كورونا يصيب المرشدين السياحيين في مورد رزقهم.
إدمان ممتع
عاصفة فايروس كورونا أتت على قطاع السياحة بمختلف أنواعه فأغلقت الفنادق أبوابها، ثم فتح بعضها بعد أن تحولت إلى مآوي للحجر الصحي، كذلك مسالك التسلق والتزلج أغلقت في وجه عشاق المغامرة وأحالت المرشدين العاملين فيها على البطالة، الطريف أن بعض السياح ظلوا في القرى التي يقضون فيها عطلتهم في انتظار أن يعود النشاط السياحي.
باريس - لم يتفاجأ محبو التزلج في مرتفعات النمسا وسويسرا وفرنسا والصين، ومتسلقو الجبال من النيبال إلى الأرجنتين من انتشار فايروس كورونا، فالمخاطر هي التي ترفع لديهم منسوب الأدرينالين وتكسر الروتين لديهم، خاصة وأنهم كانوا يحسبون في رحلاتهم ألف حساب للنزاعات والزلازل والفيضانات.
في المقابل أزعج انتشار الوباء العاملين في هذا القطاع من السياحة وأحالهم على البطالة، وأصبح الجوع يهدد عائلاتهم في غياب المدخرات التي تحميهم من غوائل الدهر، كما يقول مرشدو السياحة في جبال النيبال، لكنهم على يقين من أن المغامرين لا يتوقفون عن زيارة مناطقهم الصعبة.
بعد غلق الحدود بين الدول وتعليق السفر بين البلدان قرر بعض المغامرين اختصار رحلاتهم، في حين اختار البعض الآخر مواصلتها بعيدا عن موطنهم بانتظار تراجع حدّة الفايروس المستجد.
قرارات وقائية ضرورية خاصة وأن هناك من دفع ثمن التمتع برحلة سياحية شيقة فأصيب بالفايروس، كما هو الحال مع الدنماركي هنريك ليرفيلدت البالغ من العمر 56 سنة الذي قضى وقتا ممتعا في مطعم شهير في مقاطعة تيرول النمساوية احتفالا بانتهاء رحلة التزلج، لكنه عاد مصابا بكورونا المستجد، فلقد جاء اختباره إيجابيا، كما حصل مع أحد أصدقائه الذين سافروا معه.
ويمثّل التزلج لهؤلاء وغيرهم كسرا للروتين وتجديدا للحياة اليومية، فحين قررت الحكومة السويسرية وقف الحركة وتعطيل الرياضات التي تجمع الناس في مكان واحد في منتصف مارس الماضي، رفضت بعض منتجعات التزلج الالتزام بالقرار في بداية الأمر.
PreviousNext
ولم يمنع كورونا الشاب الإسباني فيليب كلاوس هيريرو (28 سنة) الذي ألغيت رحلته إلى فرنسا من التزلج، فصوّر المهندس نفسه في فيديو بكاميرا معلّقة بالسقف وهو يتزلج في شقته، ومع المونتاج ظهر وكأنه في رحلة تزلج حقيقية، إنه الشغف الذي جعل الفيديو ينتشر بشكل هائل على وسائل التواصل الاجتماعي.
الشغف بالمغامرة جعل البعض من هواة السفر يتخذون قرار مواصلة الرحلة عندما أغلقت الحدود الدولية، حين بدأ الفايروس بالانتشار. كان الأستراليان لي وستيفاني ديرل في كوريا الجنوبية، يخططان للتوجه إلى اليابان فتمكّنا من الدخول إليها قبل إغلاق الحدود.
وقال الشابان الشغوفان بالتسلق والنزهات الجبلية، إنهما سيواصلان التجول في اليابان حتى في زمن الحجر، يقول لي، “بقية العالم متوقف لكننا محظوظان ونبقى بعيدين عن المدن، في وسط الطبيعة لنستمتع بوقتنا كثيرا. منذ سنتين ونصف السنة، نتنقل من موقع تسلق إلى آخر”، مضيفا “لن نتوقف عن ذلك”.
المغامران الأستراليان معتادان على تغيير “خارطة طريق” رحلاتهما، فهما يخططان لزيارة نيوزيلندا ومن ثم القارة الأميركية بعد أن يتسلقا جبل فوجي، ويستمتعا بالريف الياباني لفترة طويلة، أي بعد أن يعود الوضع إلى طبيعته، كما يقول الشابان.
وفي جبال الأنديس الأرجنتينية قرر زوجان فرنسيان مع ابنتيهما استئجار منزل والاستقرار في بلدة بوتريريوس مع صدور قرار العزل في هذا البلد والعالم.
الشغف بالمغامرة جعل بعض السياح يتخذون قرار مواصلة الرحلة عندما أغلقت الحدود الدولية بسبب انتشار فايروس كورونا
قال ماتيو هيلتزر، إنه لو ألغى رحلة عائلته في أميركا الجنوبية، “لن نتمكن من زيارة بوليفيا والبيرو والإكوادور وكولومبيا، لكن عندما يسافر المرء لفترة طويلة يدرك أن هذا قد يحصل. نحن لسنا خائبي الظن كثيرا، فجولتنا قد شارفت على نهايتها”.
وعلى ارتفاع 1700 متر تستعيد هذه العائلة حياة الاستقرار بعيدا عن فرنسا بعد لقاءات رائعة في دول مثل إيران وأوزبكستان وبورما وماليزيا.
وقرّر مسافرون آخرون اختصار رحلتهم والعودة إلى أوطانهم، فقد كان هينينغ دورمان وهو مهندس ألماني مع صديقته صاحبة الجنسية البريطانية رونان جانغ في إيران عندما بدأ الفايروس بالانتشار.
انتقلا بسرعة إلى أذربيجان المجاورة، لكن عندما أمرت باكو بإغلاق الحدود استقلا رحلة إلى بريطانيا تاركين سيارتهما، لتتوقف بذلك رحلتهما بالسيارة بين ألمانيا واليابان.
في المقابل، تمكّن رودريك بولاك ومارلين لافيرمان، وهما هولنديان كانا في تايلاند من شحن سيارة إسعاف عسكرية قد حوّلاها إلى شاحنة صغيرة بحرا، قبل أن يعودا إلى أوتريخت في 13 أبريل الجاري مبدئيا.
وقال رودريك، “من المؤسف أن نوقف كل شيء، لكنه أمر لا مفر منه”. وقبل انتشار الفايروس كانا الشابان ينويان التوجه إلى الصين والعودة منها إلى أوروبا برا.
واختار الإيطالي توماس فيراري (40 عاما) الذي يجول العالم بدراجة نارية منذ سبع سنوات، أن يعزل نفسه في منزل صديق له في بالي، موضحا، “فكرت في العودة إلى إيطاليا، لكن لم يكن الأمر منطقيا، كان بإمكاني التوجه جوا إلى بلد آخر لكن لم أشأ الانفصال عن دراجتي”.
وفي هذا الوقت من السنة، تعج جبال الهمالايا عادة بالمتسلقين الساعين إلى الوصول إلى إيفرست، لكن مع إغلاق الجبال بسبب فايروس كورونا، خسر العاملون في سياحة التسلق مصدر رزقهم.
انتهت العطلة
على غرار الصين، منعت نيبال الوصول إلى قممها الشهيرة والمغطاة بالثلوج في خضم الموسم منذ 12 مارس الماضي، يقول المرشدون العاملون في هذه المرتفعات التي لا يعرفها أيّ أحد كما يعرفونها، إنهم يواجهون مشكلة توفير رزق لعائلاتهم.
وتزداد المخاوف من فشل الموسم السياحي في النيبال، ويشعر فوربا نيامغال شيربا الذي كان يتسلق جبل إيفرست والجبال الأخرى في كومجنغ في النيبال منذ كان في السابعة عشرة من العمر، بالقلق الشديد الآن بشأن مستقبله.
فموسم إيفرست الذي يمتد من أوائل أبريل إلى نهاية مايو يسمح له بإطعام عائلته طوال العام. ويكسب العمال السياحيون بين خمسة آلاف و10 آلاف دولار خلال الموسم.
وقال شيربا من منزله في كومجنغ حيث يعيش مع زوجته وابنه البالغ 6 سنوات “نحن لا نذهب إلى الجبال لأننا نريد ذلك، بل لأنه العمل الوحيد المتوفر أمامنا”.
ووصل شيربا (31 عاما) إلى قمة إيفرست ثماني مرات وساعد العشرات من المتسلقين في الوصول إليها، وقال “أظن أن الكلّ يعانون من المشكلة نفسها”.
وفي هذا الوقت من كل عام، يكون شيربا في المخيم الأساسي في إيفرست حيث يقيم المئات من الساعين إلى تسلق قمم أعلى الجبال في العالم، في انتظار حلول طقس جيد لبدء رحلتهم إلى القمة.
لكنه يتوجّه حاليا مع فريق من النيباليين متخصّص في إصلاح مسار التسلّق إلى قاعدة المخيم للبدء في إصلاح المسار.