العراق بلاد ما بين النهرين بين نارين وأكثر
إنّها أرض الحضارات الممتدة على مدى 8000 سنة والتي شمل إشعاعها بلاد فارس وسوريا وجنوب شرق الأناضول، وتواصلت مع الحضارات القديمة في مصر والهند. إنّها بلاد الرافدين والجنائن المعلّقة وشريعة حمورابي. وهي في زمننا بلاد تطوّقها المصالح والحروب، التي قد لا تكفي مياه النهرين لإطفائها.
الموقع
تقع جمهورية العراق في جنوب غرب قارة آسيا، ضمن ما يعرف بمنطقة الشرق الأوسط، وتشكّل القسم الشمالي الشرقي من الوطن العربي. تحدّها تركيا من الشمال، وإيران من الشرق، وسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية من الغرب، والكويت والمملكة العربية السعودية من الجنــوب. وتمتد بين خطي عرض 29° و38° شــمال خــط الإســتواء، وبين خطــي طــول 39° و49° شــرقي خــط غرينتــش.
إنّ معظم المنطقة التي تسمّى بالعراق حاليًا كانت تسمى بلاد ما بين النهرين، وهي أول المراكز الحضارية في العالم والتي كانت تشمل المساحة الواقعة ما بين نهري دجلة والفرات. وقد امتدت حدود هذه الحضارة إلى سوريا وفارس وإلى منطقة جنوب شرق الأناضول (تركيا حاليًا)، كما وجدت آثار سومرية في دولة الكويت الحالية والبحرين والأهواز في إيران. وقد كان لبلاد الرافدين كما تدعى أيضًا، اتصال وانفتاح على الحضارات القديمة في مصر والهند.
يخترق نهرا دجلة والفرات العراق من الشمال إلى الجنوب، وهذان النهران كانا الأساس في نشأة أول المراكز الحضارية في العالم، والتي قامت في العراق على امتداد 8000 سنة، على يد السومريين والأكاديين والآشوريين والبابليين. ومن بين ما قدّمته حضارة بلاد ما بين النهرين، اختراع السومريين أنظمة الري والحرف، وسن أول القوانين المكتوبـة في تاريخ البشــرية، المعروفة بـ«شــريعة حمورابي»، في القــرن الثامن عشـر قبل الميلاد.
الاسم
سمّيت المنطقة التي تشكّل معظم أنحاء العراق وصولًا إلى منابع دجلة والفرات خلال عصور ما قبل الميلاد بـ«بلاد النهرين» باللغة الأكادية «أرض الأنهار»، ومنها اشتقت التسمية الإغريقية: «ميزوبوتاميا» (Μεσοποταμία) والتي تعني «ما بين الأنهار». كما عرفت المنطقة خلال القرون الوسطى باسم «عراق العرب» وذلك تمييزًا لها عن منطقة عراق العجم والتي تقع غرب إيران حاليًا. وشملت هذه التسمية الأخيرة وادي دجلة والفرات الجنوبي ولم تشمل شمال العراق ومنطقة الجزيرة الفراتية.
أما تسمية العراق فتعود إلى القرن السادس الميلادي، ويعتقد أن أصلها يعود إلى تعريب اسم مدينة أوروك (الوركاء) الســومرية، بينما يعتقــد باحثون آخــرون أن التســمية مشــتقة من الفارســية الوســطى «عيراق» والتي تعني «الأراضــي المنخفضة».
المساحة والحدود
تبلغ مساحة العراق نحو 438.317 كم2، وتشكّل المياه ما نسبته 0.29% منها.
يبلغ طول الحدود العراقية نحو 3809 كلم، موزعة كما يأتي: إيران 1599 كلم، الأردن 179 كلم، الكويت 254 كلم، المملكة العربية السعودية 811 كلم، سوريا 599 كلم، تركيا 367 كلم. اما طول حدود العراق على الخليج العربي فتبلغ 58 كلم فقط.
السكان والديانة واللغة
قدّر بعض المصادر عدد سكان العراق في تموز العام 2014 بنحو 32.5 مليون نفس.
ويتألف الشعب العراقي من: العرب (80%)، الأكراد (15%)، توركمان واشوريين وغيرهم (5%).
يدين 99% من الشعب العراقي بالإسلام، منهم نحو 65% على المذهب الشيعي الجعفري، ونحو 30% على المذاهب السنية، وهناك أقليات من المسيحيين، واليهود والأزيديين، والبوذيين والهندوس وغيرهم.
يتكلّم الشعب العراقي اللغة العربية بنسبة كبيرة وشبه مطلقة، وهي اللغة الرسمية في البلاد، وقد اصبحت اللغة الكردية لغة رسمية ثانية وبخاصة في اقليم كردستان بعد اعلان الحكم الذاتي في الإقليم. وهناك التوركمانية والأشورية الكلدانية (الآرامية الجديدة)، وهي لهجات محلية يتكلمها ابناء هذه الأقليات.
الثروة النفطية
العراق عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبيك (OPEC). وقد بلغ انتاجه في العام 2013 نحو 2.979 مليون برميل يوميًا، وفق تقديرات «كتاب حقائق العالم»، واحتل العراق بذلك المركز الثامن في العالم من حيث الإنتاج الذي كان يصدّر منه نحو 2.4 مليون برميل يوميًا في ذلك العام (المركز الرابع في العالم في كمية التصدير).
كما بلغ احتياطي النفط العراقي المؤكد وفق الكتاب ذاته، نحو 141.4 مليار برميل (تقديرات مطلع العام 2013)، مما يجعله خامس أكبر احتياط نفطي معروف في العالم.
ويتوقع البعض أن يفوق الاحتياطي في العراق نظيره في دول الخليج، بعد إكمال البحث والتنقيب في الأراضي العراقية التي لم تعرف بعد مسحًا جيولوجيًّا كاملًا، وذلك بسبب دخول العراق في حروب متتابعة منذ ثمانينيات القرن العشرين، ما حال دون استخدام التقنيات الحديثة في التنقيب عن النفط، وعلى رأسها البحث الجيولوجي بالمجسات الثلاثية الأبعاد D seismic 3، والتي حلّت محل الأساليب القديمة المستخدمة منذ الثمانينيات.
يتركز الجزء الأعظم من الاحتياطي النفطي العراقي في الجنوب، أي في محافظة البصرة حيث يوجد 15 حقلًا، منها عشرة حقول منتجة وخمسة ما زالت تنتظر التطوير والإنتاج. وتحتوي هذه الحقول احتياطًا نفطيًا يقدّر بأكثر من 65 مليار برميل، أي ما نسبته 45% تقريبًا من إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي. ويقدّر الاحتياطي النفطي لمحافظات البصرة وميسان وذي قار مجتمعة بـثمانين مليار برميل، أي ما نسبته 60% تقريبًا من مجموع الاحتياطي العراقي. أما بالنسبة الى وسط البلاد وشمالها، فيقدّر الاحتياطي النفطي الموجود في كركوك بنحو 13 مليار برميل، أي نحو 10% من إجمالي الاحتياطي العراقي.
كذلك يمتلك العراق احتياطًا من الغاز الطبيعي قدّر وفق المرجع ذاته بنحو 3.158 تريليون م3 للعام 2013، وبذلك يحتل العراق المركز 11 على مستوى العالم في احتياطي الغاز.
الاقتصاد العراقي
بلغ الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013 نحو 250 مليار دولار.
وقد توزع الدخل على القطاعات الرئيسة للإنتاج كما يأتي:
• الزراعة: تشكل 3.3% من الدخل القومي، ويعمل فيها نحو 21.6% من القوة العاملة. ويعتمد هذا القطاع على انتاج القمح والشعير والأرز والتمور والخضار وتربية الماشية والدواجن.
• الصناعة: تشكل 64.6% من الدخل، ويعمل فيها نحو 18.6% من القوة العاملة. وتعتمد على انتاج المواد البترولية والكيميائية، وصناعة النسيج، وتصنيعها والجلود ومواد البناء، والمواد الغذائية التحويلية والأسمدة، وكذلك الصناعات المعدنية التجميعية.
• الخدمات: تؤمن 32.1% من الدخل، ويعمل في هذا القطاع نحو 59.8% من القوة العاملة العراقية.
بلغت القوة العاملة في العراق في العام 2010 نحو 9 ملايين فرد. وبلغت نسبة البطالة في العام 2012 نحو 16%، كما اعتبر 25% من السكان تحت خط الفقر في العام 2008.
توزّعت صادرات العراق من البترول والمنتجات البترولية في العام 2012 وفق الآتي: الولايات المتحدة 21%، الهند 20%، الصين 13.6%، كوريا الجنوبية 11%، كندا وايطاليا 9%. كما استورد العراق المواد الغذائية والأدوية والمنتوجات الصناعية، وكان في طليعة الدول التي استورد منها: تركيا بنسبة 27.5% من قيمة الاستيراد الإجمالية، سوريا 16.5%، الصين 12.5%، الولايات المتحدة الأميركية 5.2%، كوريا الجنوبية 5% (تقديرات العام 2012).
تاريخ العراق
يتميز تاريخ العراق بكونه كتاب تاريخ أمم المنطقة وشعوبها ومتحف آثارها وتقاطع مكوناتها البشرية وثقافاتها وتجسيد حضاراتها. إنه نتاج تفاعل الانسان مع الانسان، ومن ثم انعكاس هذا التفاعل مع الآخر المختلف القريب منه والبعيد، ودوره في تشكيل ماضي هذه المنطقة وحاضرها ومستقبلها.
• التاريخ القديم:
كانت الحاجة إلى الدفاع الذاتي وتحصين المنطقة الخصبة بين الرافدين من المخاطر الخارجية، وتطوير وسائل الري على نهري دجلة والفرات، من الدوافع الرئيسة التي ساعدت في بناء الحضارة الأولى في بلاد الرافدين على أيدي السكان، فقاموا بتسوير مدنهم ومد القنوات. وبعد سنة 6000 ق.م. ظهرت المستوطنات التي أصبحت مدنًا في الألفية الرابعة ق.م. وأقدم هذه المستوطنات البشرية إريدو وأوروك (وركاء) في الجنوب حيث أقيمت فيها معابد من الطوب الطيني، وكانت مزينة بمشغولات معدنية وأحجار، وفي هذه المنطقة اخترعت الكتابة المسمارية. وكان السومريون هم أصحاب الثقافة الأولى هناك، والتي انتشرت شمالًا حتى أعالي الفرات. وأهم المدن السومرية التي نشأت، كيش ولارسا، وأور، وأداب.
في العام 2350 ق.م. استولى الأكاديون على هذه المنطقة، وهم من أقدم المجموعات السامية الآرامية التي استقرت فيها نحو 4000 ق.م.، وقد وفدوا على شكل قبائل رحل، ثم هاجروا إلى العراق وعاشوا مع السومريين إلى أن آلت إليهم السلطة (2350 ق.م) بقيادة زعيمهم سرجون الأول. واستطاع سرجون احتلال بلاد سومر وفرض سيادته على جميع مدن العراق وجعل من مدينة أكد عاصمة لمملكته، ثم بسط نفوذه على بلاد بابل وشمال بلاد ما بين النهرين وعيلام وسوريا وفلسطين وأجزاء من الأناضول، وامتدت دولته إلى الخليج العربي والأحواز، حتى دانت له كل المنطقة. وبذلك أسس أول إمبراطورية معروفة في التاريخ بعد الطوفان الكبير كما تذكر بعض المصادر التاريخية.
وقد شهد هذا العصر في العراق انتعاشًا اقتصاديًا كبيرًا بسبب توسع العلاقات التجاريـة خصوصًا مع منطقة الخليج العربي. كما انتظمت طرق القوافل وكان أهمها طريق مدينة أكد العاصمة في وسط العراق، والذي يصلها بمناجم النحاس في بلاد الأناضول، حيث كان للنحاس أهمية في صناعة الأدوات والمعدات الحربية، وحلت اللغة الأكادية محل السومرية.
ظل حكم الأكاديين حتى أسقطه الجوتيون (2218 ق.م.) وهم قبائل من التلال الشرقية. وبعد فترة من الزمن ظهر العهد الثالث لمدينة أور، وعاد الحكم للسومريين مرة أخرى في معظم بلاد ما بين النهرين.
بعد ذلك جاء العيلاميون ودمروا أور (2000 ق.م)، وسيطروا على معظم المدن القديمة. ثم جاء الكلدانيون وأهم ملوكهم حمورابي البابلي (1792 – 1750 ق.م) الذي وسّع المملكة البابلية في بلاد الرافدين بعد أن كانت دويلات منقسمة تتنازع السلطة، فوحّدها مكونًا إمبراطورية ضمت كل العراق والمدن القريبة من بلاد الشام حتى سواحل البحر المتوسط وبلاد عيلام إلى الشرق، ومناطق أخرى.
تمكّن الحثيون القادمون من بلاد الأناضول من إسقاط الإمبراطورية البابلية ليعقبهم فورًا الكوشيون لمدة أربعة قرون. وبعدها استولى عليها الميتانيون، وهم شعب لاسامي يطلق عليهم غالبًا اسم «الحوريون» القادمون من القوقاز وظلوا في البلاد لعدة قرون، لكنهم بعد سنة 1700 ق.م. انتشروا بأعداد كبيرة عبر الشمال في بلاد الأناضول. ثم ظهرت دولة آشور في شمال بلاد ما بين النهرين وهزم الآشوريون الميتانيين واستولوا على مدينة بابل (1225 ق.م) ووصلوا إلى البحر الأبيض المتوسط، كما احتلوا بلاد الفرس منذ العام 1100 ق.م.
في القرن السادس قبل الميلاد استعادت الإمبراطورية البابلية مجددًا ازدهارها ومجدها وسيطرتها العدوانية على عهد الملك نبوخذ نصّر الثاني بصورة خاصة، بعد أن تمتعت بفترات من القوة والعظمة أعقبتها فترات من الانحطاط والانحلال. وكان هذا الملك قائدًا حربيًا ورجلًا عمرانيًا محبًّا للبناء. قاد حملة إلى مصر وانتصر على الفراعنة، واستولى على قسم من فلسطين، واحتل القدس نحو 586 ق. م.، وسبى اليهود البارزين وأرسلهم أسرى إلى بابل، وهو ما عرف في التاريخ بـ«السبي البابلي». وهكذا جعل نفسه أعظم الملوك في الشرق الأدنى في عصره. أعاد بناء بابل القديمة وحوّلها إلى آية في الجمال والفخامة، وسوّرها بسور يبلغ عدة كيلومترات طولًا بنى له 8 بوابات اهمها «بوابة عشتار». وفي الداخل أنشأ الحدائق المعلّقة التي اعتُبرت في ما بعد من عجائب الدنيا السبع.
بعد ذلك احتل الفرس بلاد ما بين النهرين نحو 200 عام (525 – 330 ق.م.) حتى جاء الاسكندر المقدوني وأسقط الامبراطورية الفارسية بعد معركة أربيلا (331 ق.م)، واحتل العراق وبابل واقام فيها. بعده اصبح العراق تحت حكم خلفاء الاسكندر (السلوقيون) لفترة من الوقت حتى عاد الفرس (الساسانيون) مرة اخرى لحكم بلاد ما بين النهرين مع مطلع القرن الثالث الميلادي عقب صراع مع السلوقيين ثم الرومان.
تكلّم سكان ما بين النهرين لغات عديدة لكن اهمها ثلاث لغات رئيسة تطورت إحداها عن الأخرى. بعد السومرية والتي كانت ولفترة وجيزة هي لغة الأكاديين والبابليين والآشوريين (استمرت حتى سنة 500 ق.م.)، حلّت اللغة الآرامية التي استمرت فترة، لتأتي السريانية (حتى 640 ب.م) عندما بدأت اللغة العربية تسود المنطقة مع الفتوحات الإسلامية.
• التاريخ الوسيط:
أدى الفتح الإسلامي للعراق وبلاد فارس إلى القضاء على الامبراطورية الساسانية (651 م)، والتأسيس لبناء حضارة الإسلام في العراق، في عهد الخلفاء الراشدين، وقد انتقل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب إلى الكوفة عندما تولّى الخلافة كآخر الخلفاء الراشدين. بعده جاء حكم الدولة الأموية التي جعلت من دمشق عاصمة لها.
تمكّن العباسيون من التأسيس لخلافتهم بعد إسقاط حكم الأمويين، وأقاموا الدولة العباسية أو الخلافة العباسية وأنشأوا مدينة بغداد وجعلوها عاصمة جديدة لهم في القرن الثامن الميلادي (762 – 764)، وقد بناها الخليفة ابو جعفر المنصور. وأصبحت بغداد منذ تلك الفترة العاصمة الرائدة في العالم العربي والإسلامي واستمرت لمدة خمسة قرون. وبعض المؤرخين والمتخصصين في العمران يعتبرونها كأعظم مدن العالم في العصر الوسيط، كما أصبحت بغداد في العصر العباسي أكبر مدينة متداخلة الثقافات أو ما يمكن أن يصطلح عليه بالمدينة «الكوسموبوليتية» الأولى في التاريخ، وقد بلغت ذروتها حينما أصبحت مدينة مليونية ومركزًا للعلوم والفنون خلال العصر الذهبي الإسلامي. في القرن 13 الميلادي (أواخر عصر انحطاط الدولة العباسية) حاصر الغزو المغولي الذي استهدف دول الشرق الإسلامي بغداد التي دمّرت على يدي هولاكو في العام 1258.
يعتقد بعض المؤرخين أن الغزو المغولي قد دمّر البنية التحتية للنظام الزراعي، والذي ابقى على ازدهار بلاد الرافدين لآلاف السنين. إلا أن مؤرخين آخرين أشاروا إلى أن ملوحة التربة هي السبب الرئيس في تراجع القطاع الزراعي. كما يذكر المؤرخون أنه تم احراق مكتبة بيت الحكمة التي كانت تعتبر أعظم مكتبة علمية وأدبية وفنية في ذلك الوقت، حيث كانت تحوي عددًا لا يحصى من الكتب القيمة والوثائق الأثرية التي لا تقدر بثمن.
• التاريخ الحديث:
خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، حكم «الخرفان السود» التركمانيون أجزاء واسعة من العراق. وفي العام 1469، هزم «الخرفان البيض»، وهم أيضًا تركمانيون، الخرفان السود وحلّوا مكانهم.
في القرن السادس عشر، سيطرت الإمبراطورية العثمانية على العراق، الذي كانت أراضيه وفي معظم فترة حكمها (1533 – 1918) مسرحًا لصراع بين الإمبراطوريات المتنافسة والتحالفات القبلية. سيطر الصفويون من بلاد فارس على العراق اعتبارًا من العام 1508 ثم بدأوا بفقدانه تدريجًا منذ العام 1514 بعد خسارتهم معركة «جالديران»، إلى أن فقدوا مجمل أراضي العراق في العام 1533، ولكنهم عاودوا الاستيلاء عليها (من 1623 إلى 1638م).
بحلول القرن السابع عشر، استنزفت النزاعات المتكررة مع الصفويين قوة الدولة العثمانية وأضعفت سيطرتها على ولاياتها. وتضخم عدد السكان مع تدفق البدو الرحل من نجد، في شبه الجزيرة العربية. وأصبح من المستحيل كبح غارات البدو على المناطق المستقرة.
خلال الفترة الممتدة بين 1747 و1831 حكم العراق ضباط مماليك من أصل شركسي نجحوا في الحصول على حكم ذاتي من الباب العالي العثماني، وقد قمعوا الثورات القبلية، وحدوا من سلطة الإنكشارية واستعادوا النظام، وقدّموا برنامجًا لتحديث الاقتصاد والنظام العسكري. في العام 1831، نجح العثمانيون في الإطاحة بنظام الحكم المملوكي وفرضوا سيطرتهم المباشرة على العراق. وقد بلغ عدد سكان العراق أوائل القرن العشرين أقل من خمسة ملايين نسمة.
استمر الحكم العثماني في العراق حتى الحرب العالمية الأولى عندما وقف العثمانيون إلى جانب ألمانيا ودول المحور. وبعد إعلان الحرب، نزلت قوات الحملة البريطانية في رأس الخليج العربي، ودخلت البصرة، ثم بغداد، لكن الموصل بقيت تحت سيطرة العثمانيين حتى توقيع اتفاقية «مودروس» لنزع السلاح (30 تشرين الأول 1918)، والتي وضعت نهاية للحرب.
بعد الحرب، منحت عصبة الأمم ولايات سوريا ولبنان لفرنسا وولايات بلاد الرافدين (وهي بغداد والبصرة والموصل) وفلسطين التي قسمت في ما بعد إلى منطقتين: فلسطين وشرق الأردن، للمملكة المتحدة. وفي 11 تشرين الثاني 1920، أصبح العراق تحت الانتداب البريطاني. قام الأمير فيصل الأول بن الشريف حسين الذي قاد الثورة العربية في العام 1916، بتأسيس حكومة عربية في دمشق ونصّب نفسه ملكًا على سوريا. في هذه الأثناء التقت مجموعة من العراقيين بفيصل لتنصيب الأمير عبد الله (الأخ الأكبر لفيصل) ملكًا على العراق. وتحت تأثير ثورة دير الزور (1919 و1920) والشعور الوطني في العراق، بدأت الثورة المعروفة بثورة العشرين في الرميثة في الفرات الأوسط. نالت تلك الثورة تأييدًا وطنيًا في مناطق العشائر في الفرات الأوسط وشمال العراق، وفي صيف 1920 انتشرت في معظم أنحاء البلاد ما عدا المدن الكبيرة مثل الموصل وبغداد والبصرة، حيث كانت تتمركز القطعات العسكرية البريطانية.
في تموز 1920 نشب خلاف بين فيصل والسلطات الفرنسية حول حكم سوريا، مما أدى إلى معركة ميسلون ومن ثم نفيه من سوريا. أخمد البريطانيون الثورة العراقية بالقوة، وبالرغم من ذلك تمت المصالحة وتسوية الخلافات بين الطرفين، علمًا أن الوطنيين ظلوا يطالبون بالاستقلال. وفي العام 1921 عرضت بريطانيا عرش العراق على فيصل مع تأسيس حكومة عربية تحت الوصاية والانتداب البريطاني. ولكن فيصل اقترح إبدال الانتداب بمعاهدة تحالف، قبلت بها الحكومة البريطانية، ووعد ونستون تشرتشل، الذي كان وقتئذ وزير المستعمرات، بتنفيذها. في 11 تموز من العام 1921 اصدرت هذه الحكومة قرارًا اعلنت فيه فيصل ملكًا على العراق، على أن تكون حكومته دستورية ديموقراطية ممثلة لكل أبناء الشعب. وقد أقر الاستفتاء هذا الإعلان، وتوّج فيصل رسميًا ملكًا في 23 آب 1921.
تأسيس العراق
تأسس العراق من ولايات بغداد والبصرة والموصل العثمانية السابقة. وفي العام 1926، تم التصويت في مناطق ولاية الموصل الشمالية، على البقاء ضمن العراق، التي كان الأتراك لا يكفّون عن مطالبتهم بها منذ العام 1918، وحتى عقد معاهدة لوزان حين اعترفت تركيا رسميًا بأن ولاية الموصل جزء من العراق وكفّت عن المطالبة بها.
عقدت معاهدات متوالية بين العراق والمملكة المتحدة وأقرت احداها (1930) «تأسيس تحالف قوي بين الطرفين يقضي بالتشاور التام والصريح بين الطرفين في جميع الأمور التي تخص السياسة الخارجية والتي قد تؤثر على مصالحهما المشتركة». لذا منحت المملكة المتحدة مواقع لقواعد عسكرية جوية لقواتها قرب البصرة وفي الحبانية قرب الفرات، على أن لا تشكّل «بأي حال من الأحوال قوة احتلال، وأي خرق للحقوق السيادية للعراق».
منحت بريطانيا الاستقلال للعراق في العام 1932، بناء على إلحاح الملك فيصل، على الرغم من الإبقاء على القواعد العسكرية البريطانية وحقوق العبور لقواتها.
بعد وفاة الملك فيصل الأول في العام 1933، حكم الملك غازي، حتى وفاته في العام 1939. تولى الحكم بعد غازي ابنه القاصر فيصل الثاني، وأصبح عبد الإله وصيًا على فيصل الثاني.
في 1 نيسان 1941، قام رشيد عالي الكيلاني بانقلاب على حكومة ولي العهد عبد الإله، فقامت المملكة المتحدة بغزو العراق واستعادة الملكية خوفًا من أن تقوم حكومة الكيلاني بوقف إمدادات النفط إلى الدول الغربية بسبب صلاته بألمانيا النازية. بدأت الحرب في 2 أيار وانتهت بالتوقيع على الهدنة في 31 أيار، ثم اعيدت حكومة النظام الملكي الهاشمي السابقة، وبقي الاحتلال العسكري البريطاني حتى 26 تشرين الأول من العام 1947. وفي الخمسينيات من القرن الماضي اصبح العراق جزءًا من حلف بغداد الذي اقامته الولايات المتحدة على الحدود الجنوبية بوجه الاتحاد السوفياتي السابق.
استمر الحكم الملكي الهاشمي حتى العام 1958، عندما أطاح به انقلاب قام به الجيش العراقي، والمعروف باسم «ثورة 14 تموز» على يدي العميد عبد الكريم قاسم الذي أعلن انسحاب العراق من حلف بغداد، وأقام علاقات ودية مع الاتحاد السوفياتي. واستمرت حكومة قاسم حتى انقلاب شباط 1963، عندما أطاح به العقيد عبد السلام عارف. مات عبد السلام عارف في العام 1966 وتولى الرئاسة بعده شقيقه عبد الرحمن عارف، الذي أطاح به الفريق احمد حسن البكر بانقلاب عسكري في 17 تموز من العام 1968، وذلك بالتحالف مع حزب البعث العربي الاشتراكي.
في العام 1979، تولى صدام حسين السلطة واصبح رئيسًا للعراق بعد الإطاحة بصديقه المقرب وزعيم حزبه أحمد حسن البكر (حزب البعث)، وبعد قتل منافسيه أو اعتقالهم. تغيّر الوضع السياسي في العراق بشكل كبير، وبخاصة بعد نجاح الثورة الإيرانية بقيادة آية الله الخميني، والتي أدت إلى قيام دولة ثيوقراطية مسلمة شيعية. الأمر الذي اعتبرته الحكومة العراقية تغييرًا خطيرًا، فالعراق لديه أيضًا غالبية شيعية، وتحكمه حكومة صدام حسين التي كانت تعد من بين انظمة الدول العربية العلمانية، ولكنها كانت تضطهد المكون الشيعي «الأكبر بين مكونات المجتمع العراقي غير العلماني».
حرب الخليج الأولى
بعد نجاح الثورة الإيرانية انقسم الشارع الشيعي العراقي ما بين مؤيد للحكم ومعارض له. وفي العام 1980، ادعى صدام حسين أن القوات الإيرانية تحاول الاطاحة بحكومته، فعمد إلى شن الحرب على إيران نهاية ذلك العام.
استمرت الحرب سجالًا بين الطرفين حتى انتهت في العام 1988، وقد قتل خلالها ما بين نصف مليون و1.5 مليون شخص من الجانبين، اللذين خسرا مقدرات هائلة من الموارد.
حرب الخليج الثانية
استمرت من 17 كانون الثاني إلى 28 شباط 1991، وهي حرب شنتها قوات التحالف الدولية المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق بعد احتلاله الكويت، وقد سميت هذه الحرب أيضًا عملية «عاصفة الصحراء» أو «حرب تحرير الكويت».
غزو العراق
في 20 آذار 2003، غزت الولايات المتحدة بدعم من قوات التحالف الدولية العراق، وكان السبب المعلن فشل العراق في التخلي عن برنامجه لتطوير الأسلحة النووية والكيميائية، والذي يمثل انتهاكًا لقرار الأمم المتحدة الرقم 687. وقد بررت الولايات المتحدة المضي في الغزو من خلال الزعم بأن العراق كان يمتلك أو كان يطور أسلحة الدمار الشامل، وبالرغبة في التخلص من ديكتاتور ظالم في السلطة و«جلب الديمقراطية إلى العراق».
في أعقاب الغزو، أنشأت سلطة التحالف المؤقتة إدارة لحكم العراق برئاسة الحاكم المدني الأميركي (بول بريمر).
نقلت السلطة إلى الحكومة العراقية المؤقتة في حزيران 2004 ليكون غازي عجيل الياور أول رئيس للعراق بعد الاحتلال، ونصّب إياد علاوي رئيسًا للوزراء، ثم انتخبت حكومة دائمة في تشرين الأول 2005.
في المقابل، بدأ تنظيم القاعدة بترسيخ أقدامه في البلاد، مستفيدًا من النزعة الوطنية في مقاومة الاحتلال. وخلال العامين 2006 و2007، تمّ إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وكبار معاونيه، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
حدثت خلال هذه الفترة أعمال عنف طائفية أدت إلى عمليات تطهير عرقي ومذهبي متبادل سني - شيعي، كما وقع العديد من الهجمات على الأقليات العرقية مثل الأزيديين والمندائيين والآشوريين المسيحيين وغيرهم، ما دفع إلى زيادة عديد القوات الأميركية للتعامل مع ارتفاع درجة العنف وتحسين الوضع الأمني في أوائل 2007.
في 29 حزيران 2009، انسحبت القوات الأميركية رسميًا من شوارع بغداد، وفق اتفاق أمني وقّعه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش مع العراق والمعروف باسم اتفاقية وضع القوات. وتضمن الاتفاق، من بين أمور أخرى، انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية بحلول 30 حزيران 2009، وبمغادرة البلاد نهائيًا في 31 كانون الأول 2011.
النظام السياسي
عرّف الدستور الحالي العراق على أنه دولة اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ، نيابيٌ، برلماني، ديمقراطيٌ وأن الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع.
أقر الدستور الجديد في نهاية العام 2005 بغالبية 78٪، لكن نسب التأييد كانت متفاوتة بين المناطق في البلاد. فهو حظي بتأييد ساحق بين الشيعة والأكراد، ولكن غالبية العرب السنة، رفضته. وأجريت في البلاد انتخابات برلمانية جديدة وفق أحكام الدستور لانتخاب حكومة جديدة. صوتت الغالبية الساحقة من المجموعات العرقية والدينية الرئيسة الثلاث في العراق على أسس عرقية ومذهبية، ما مهّد الطريق لتقسيم البلاد وفق هذه الأسس.
يحتوي العراق على مزيج من الأقليات العرقية كالأكراد والآشوريين والمندائيين والتركمان العراقيين والشبك والغجر والأزيديين. وهذه المجموعات عانت من عدم تمتعها بوضع متساوٍ مع السكان من الغالبية العربية، على مرّ التاريخ العراقي. ومنذ إنشاء «مناطق حظر الطيران» في أعقاب حرب الخليج في 1990-1991، تغيّر وضع الأكراد واصبحت مناطقهم إقليمًا يتمتع بالاستقلال الذاتي. وكان هذا مصدرًا للتوتر وبخاصة مع الحكومة المركزية في بغداد، ومع تركيا.
التقسيمات الإدارية
يتكون العراق من 18 محافظة، من ضمنها إقليم واحد هو إقليم كردستان - العراق والذي يشمل محافظات أربيل، دهوك، السليمانية. وهو المنطقة الوحيدة المحددة قانونًا داخل العراق ولها حكومتها الخاصة وقواتها الخاصة الرسمية (البشمركة). وتتفاوت هذه المحافظات من حيث المساحة والموارد والسكان، علمًا أن الإحتلال الأميركي للعراق نتجت عنه احداث وعمليات فرز عرقي ومذهبي بين السكان.