مؤرخ عراقي يسلط أضواء جديدة على خفايا ثورة العشرين
كتاب من 860 صفحة ينتصر لدور السيد نور الياسري في مواجهة البريطانيين وتحرير بلاده من استعمارهم.
الجيش البريطاني في العراق على أبواب ثورة العشرين
أحيانا ما تغيب الدقة عن كتب التاريخ في حقب معينة، فتكتسب إعادة كتابة التاريخ -استنادا إلى معطيات جديدة- قيمةً كبرى، خصوصا عندما تفصح المعطيات المستجدة عما يخالف المكتوب، وبالتالي عما يضيء زوايا معتمة، ويكشف عن حقائق غيبت عن قصد أو غير قصد. ومما يؤسف له أن صفحات كاملة من تاريخ العرب الحديث تحتاج إلى أضواء جديدة تكشف الخفايا، وتنتصر للحقيقة.
صدر حديثا في بيروت عن “الدار العربية للعلوم-ناشرون” كتاب “جهاد السيد نور السيد عزيز الياسري في ثورة العراق التحررية 1920 وصناعة الوطنية ” من تأليف المؤرخ العراقي عادل الياسري. يقع الكتاب في 860 صفحة ويتألف من 32 فصلا، ويضم ملاحق وصورا ووثائق تاريخية لم يسبق نشرها.
يشير إلى أنه استغرق في إعداد الكتاب أكثر من عشر سنوات طاف خلالها مدنا وعواصم عديدة لجمع وثائق وتفاصيل عرضت لأول مرة في متن الكتاب وفصوله تمنح القارئ فرصة الاطلاع على معلومات حول ثورة العشرين ومجاهد من قادتها هو السيد نور الياسري ودوره في مواجهة الاحتلال البريطاني وتعزيز الوحدة الوطنية العراقية.
ويعرض المؤلف تفاصيل غابت عن اهتمام المؤرخين من خلال بحثه في وثائق كانت سرية حتى سنوات قليلة ماضية. ومن بين أهم ما عرضه الكتاب الأسباب الحقيقية والجهات التي كانت وراء إفشال ترشيح السيد نور الياسري ملكا على العراق. وتمكن المؤلف من تصحيح الكثير من المعلومات التي ذكرها مؤرخون كتبوا عن ثورة العشرين وأسبابها والمشاركين فيها وقادتها.
ويقدم المؤلف تفاصيل دور السيد نور الياسري في مقاومة الاحتلال البريطاني في معركة الشعيبة في 12 أبريل 1915.
تحت عنوان “الثقافة الملائية وكتابة التاريخ” يقول المؤلف “وربما الثقافة الملائية أو الروزخونية هي الطاغية على تفكير الآخرين، وأن إحدى خواصها لا ترغب في تخليد شخصية قومية عربية دينية مقدسة في تاريخ العراق، لأسباب كثيرة وربما السائدة في حركة الكتابة والتأليف دون أن يدركها المثقفون”. ثم يشير إلى نموذج من “ثقافة الحذف” حيث تم حذف اسم السيد نور السيد عزيز الياسري من أهم وثيقة لثورة العشرين ضد قدوم السير بيرسي كوكس.
ويشير المؤلف إلى ظاهرة استجدت في المجتمع العراقي بعد الاحتلال البريطاني للعراق وبعد ثورة العشرين وهي ظاهرة “إفساد شيخ العشيرة من قبل الإنكليز في العراق حتى صار معظم شيوخ العشائر غارقين بالمفاسد والملذات”. كما يشير المؤلف إلى ظاهرة أسماها “فوضى الألقاب” برزت بعد الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق، حيث ظهرت ألقاب جديدة عددها لا يحصى وبالذات في مدينة بغداد وبالأخص في الأطراف الشرقية. ويعرض المؤلف أسماء ومعلومات عن متصرفي لواء الديوانية والشخصيات التي خدمت فيها منذ عام 1873 حتى الاحتلال البريطاني.
وفي تناوله لحركات التجديد السياسي خصوصا في عام 1906، استبدل كلمة المشروطية بالديمقراطية والمستبدة بالاستبداد في حديثه عن “المشروطية والمستبدة”، وأشار إلى أن البعض سمى حركة المشروطية بالحركة الدستورية. وذكر المؤلف أن جمعية الاتحاد والترقي بعد تأسيسها وجهت الدعوة إلى السيد نور الياسري للانضمام إليها، لكنه رفض تلك الدعوة. ويجيب المؤلف في هذا الفصل عن تساؤل يطرحه: لماذا رفض السيد نور الانتماء إلى جمعية الاتحاد والترقي؟ ويجد القارئ إجابة تفصيلية عن ذلك التساؤل في الفصل ذاته.
المؤلف يتحدث عن اشتهار الياسري في المجتمع العراقي بأنه رجل سلم. وكان خياره الأول قبل الثورة هو المفاوضات السلمية وهو الذي اختارته الأمة للمفاوضات مع إدارة الاحتلال البريطاني في العراق، غير أن إدارة الاحتلال هي التي فرضت الخيار المسلح على زعماء الأمة المطالبين بالحقوق المشروعة للعراقيين
وحول دور السيد نور في مقاومة الاحتلال البريطاني في الشعيبة، يجيب فيه عن تساؤلات في مقدمتها كيف دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى وكان العراق جزءا منها؟ ولماذا احتلت بريطانيا العراق؟ وما دور الجماهير العراقية في التصدي للاحتلال؟
وينبه الكاتب إلى أن السيد نور وقف ضد التمرد والفوضى في الفرات الأوسط بعد الشعيبة، “كانت الحكومة العثمانية قبل دستور 1908 تعترف بأن المدن المقدسة تختلف اختلافا بينا عن سائر ممتلكاتها، لذلك فقد منحتها بعض الامتيازات والتي كان أهمها إعفاء سكانها من الخدمة العسكرية”. وبعد أن يعرض المؤلف تفاصيل عن أحداث شهدها الفرات الأوسط يؤكد أن نور الياسري وقف ضد التمرد على الأتراك بعد عودته من الشعيبة، وعاضد حركة المجاهدين ضد الاحتلال.
وفي ما يتصل بالموقف من احتلال بغداد يتحدث المؤلف عن المواقف المختلفة للياسري التي تميزت بمقاومة الاحتلال البريطاني لبغداد. ويشير إلى مواقفه الرافضة لانتساب بعض الشباب العراقي إلى قوة الشبانة.
وفي ما يتصل بانتفاضة النجف مارس 1918 يتحدث المؤلف عن تفاصيل مقتل الكابتن مارشال الضابط السياسي البريطاني المساعد صباح يوم 19 مارس 1918 ومعه حارسه وجرح ضابط بريطاني آخر، مما تسبب في تعطل الحياة في النجف بسبب فرض سلطات الاحتلال البريطاني حصارا قاسيا وجائرا دام 42 يوما. ثم يتحدث المؤلف عن دوافع المشاركين في انتفاضة النجف وتفاصيل لم يتطرق إليها أحد من قبل.
عراقيون ساندوا تعيين كوكس
أما عن دور الياسري في الاستفتاء البريطاني في العراق سنة 1918 فإن المؤلف يورد تفاصيل مهمة ووثائق بريطانية تنشر للمرة الأولى وتعرض بوضوح تفاصيل الأحداث وبينها أدلة على مواقف وطنية عراقية ضد تعيين بيرسي كوكس ملكا على العراق، كما يتحدث المؤلف بشيء من التفصيل عن شخصيات عراقية ساندت حملة تعيين كوكس.
ويتناول الكاتب بالتفصيل مسألة أحقيّة العراقيين بالعرش ويطرح الأسئلة عن أسباب استبعاد الياسري من التتويج ملكا على عرش العراق بدلا من الأمير فيصل بن الشريف الحسين ملك الحجاز؟ وتحدث المؤلف عن أبرز الصفات التي كانت تؤهل السيد نور الياسري لعرش العراق. كما عرض الأسباب والجهات التي وقفت ضد ترشيحه.
سيرة حياة زعامة عراقية
صراع مع المرجعية الدينية
يتعرض الكاتب لما يسميه صراع الياسري مع المرجعية الدينية، ويذهب إلى أن مقتل زعيم المدرسة الإخبارية الشيخ محمد الإخباري في مدينة الكاظمية، كان النهاية لتقهقر المدرسة الشيعية الإخبارية في العراق وبداية هيمنة المدرسة الأصولية الشيعية بدعم الشاه علي القاجاري في إيران. ويعرض المؤلف معلومات وتقارير تنشر تفاصيلها لأول مرة، ويصف المؤلف بعض الشخصيات التي يذكر أسماء بعضها وينقل عن تقارير بريطانية تصفهم بأن “قلوبهم كانت متيمة بالبريطانيين ومجبولة ضد العثمانيين”. ويعرض المؤلف تفاصيل وخلفيات صراع بين الشخصيات العراقية بسبب قربها أو بعدها، دعمها أو مقاومتها لسلطات الاحتلال البريطاني.
تمويل ثورة العشرين
ويتحدث المؤلف عن اشتهار الياسري في المجتمع العراقي بأنه رجل سلم. وكان خياره الأول قبل الثورة هو المفاوضات السلمية وهو الذي اختارته الأمة للمفاوضات مع إدارة الاحتلال البريطاني في العراق، غير أن إدارة الاحتلال هي التي فرضت الخيار المسلح على زعماء الأمة المطالبين بالحقوق المشروعة للعراقيين. ويذكر المؤلف دور الياسري في دعم صحافة الثورة، وحماية حقوق الأسرى أثناء الثورة، وموقفه من تشكيل الحكومة المؤقتة ويعرض نص وثيقة تاريخية وجهت إلى الأمير عبدالله بن الحسين بتاريخ 12 فبراير 1921 وقعها كل من نور الياسري وعلي آل بازركان وجعفر أبوالتمن وهادي آل مكوطر الحسيني والسيد محسن أبوطبيخ.
ويورد المؤلف حكاية توغل الجيش البريطاني في المشخاب وإلقاء الطائرات البريطانية القنابل على قرية الياسري وداره وهدم داره بالديناميت وإحراق مكتبته التي كانت تحتوي على نفائس من المخطوطات الثمينة ثم إحراق قريته وهدم دوره في النجف (محلة البراق) وفي كربلاء (محلة السلالمة) وفي أبي صخير والكوفة وهدم خاناته في الكفل وكربلاء والكوفة، ومصادرة أراضيه وأملاكه.
وقد خصص فصلا من كتابه للحديث هن هجرة نور الياسري إلى الحجاز. وفيه يجيب عن تساؤلات كثيرة تتعلق بهجرة زعماء الثورة في الفرات الأوسط، ويعرض المؤلف لتفاصيل عن اللقاء التاريخي بين نور الياسري والملك حسين بن علي ملك الحجاز وتحدث عن إشادة الملك بالجهود الوطنية لزعماء الثورة والتضحيات التي قدموها.
ويعرض الكتاب لدفاع الياسري عن عروبة الموصل والمخاطر التي كانت تحيق بالمدينة، وعن موقفه من انفصال البصرة، وتمسكه بالوحدة الوطنية العراقية، واستعداده لإرسال المقاتلين المتطوعين إلى الموصل وتحمل نفقاتهم لمقاتلة الأتراك. ويشير المؤلف إلى دعم الياسري لموقف الملك فيصل الأول من قضية الموصل.
وفي حيز من الكتاب يتناول المؤلف حقيقة إغفال الحكومات التي أعقبت الإطاحة بالنظام الملكي أغلب قادة ثورة العشرين. وكان التركيز على بعضهم دون الآخرين وكان الشيخ ضاري مثالا حيث برز الاهتمام بدوره في فيلم “المسألة الكبرى” ولم يمنح نور الياسري حقه ودوره في الأحداث. ويضيف المؤلف قائلا “لن يغفر الشعب العراقي لكل من شوه التاريخ وللذين تطفلوا عليه أو سيسوه لأغراضهم الشخصية، ولن ترحم الأجيال الحرة والمؤرخون كل من أساء في كتابة التاريخ”. أخيراً، فإن مؤلف الكتاب هو حفيد نور الياسري.