،،،،
《 تصميمات مستقبلية تحمل رواد الفضاء بين الكواكب》
اليوم «السابع والعشرين من مايو/أيار»، ما لم يتأجل الأمر لظروف الطقس، ستطلق شركة SpaceX صاروخها Falcon9 حاملاً المركبة الفضائية Crew Dragon والتي تحمل هي الأخرى رائدي الفضاء الأميركيين دوج هيرلي وبوب بنكن، معلنةً بهذا بداية حقبة جديدة من الانطلاق نحو الفضاء على متن الصواريخ التجارية غير التابع للهيئات الحكومية. ولعل أبرز ما يلفت النظر هو الشكل العصري لبدل الفضاء التي طورتها شركة SpaceX لرواد الفضاء أثناء رحلتي الانطلاق نحو الفضاء والعودة إلى الأرض.
صورة توضح رائدي الفضاء دوج هيرلي وبوب بنكن في بدلة شركة SpaceX
يفصلنا ما يقرب من ستين عاماً على انطلاق يوري جاجارين نحو الفضاء، فيها أُجريت العديد من التعديلات على بدل الفضاء تلاشياً لأخطاء سابقة وملائمةً للوجهات الجديدة التي يطمح الإنسان لاستكشافها. فكيف كانت رحلة تطور بذلات، نتناول الاختلافات التي طرأت على صناعة بدل رواد الفضاء، وما ميزات التصميمات الجديدة التي طرحتها شركات القطاع الخاص؟
■فئات مختلفة
لم أُعجب كثيراً بفيلم Gravity لساندرا بولوك، ولكنه مثال ممتاز للمخاطر غير المتوقعة (وغير الواقعية) التي تحف إرسال البشر نحو الفضاء منذ لحظة الانطلاق حتى الوصول للوجهة المرغوبة، ولهذا يوجد فئتان من بدل الفضاء لكل منها بضع خصائص لتحمي رواد الفضاء أولاً، ولتساعدهم على القيام بمهامهم ثانياً، كما لا يمكن الاستغناء عن إحداهما على حساب الأخرى.
الأولى هي الـ Launch Reentry Suit أو LES اختصاراً، ويمكن ترجمتها لبدلة الانطلاق وإعادة الدخول، تم تقديمها لأول مرة عام 1988، وهي البدلة التي يرتديها رواد الفضاء داخل المركبة الفضائية عند الانطلاق من الأرض وعند العودة إليها، وتتميز بلونها البرتقالي اليقطيني.
صورة توضح بدلة الانطلاق وإعادة الدخول
خُصصت هذه البدلة لتكون بمثابة الملجأ الأخير لرواد الفضاء في حالات الطوارئ، فتحتوي على عدة طبقات، منها طبقة عازلة حرارياً ضد درجات الحرارة المنخفضة في حال لجأ رواد الفضاء للهبوط الاضطراري في المحيط، ومنها طبقة مضادة لتأثير قوى الجاذبية لتحمي رواد الفضاء من الإغماء أثناء التعرض لدرجات مختلفة من الجاذبية بين كوكب الأرض والفضاء، كما تتمتع البدلة بكونها مضغوطة جزئياً لتحمي رواد الفضاء من فرق الضغط بين الأرض والفضاء.
تم القيام لاحقاً ببعض التعديلات على بدل الـLES؛ فظهرت بدل جديدة مثل بدل الـACES وغيرها، ولكن يُستخدم جميعها لنفس الغرض وهو حماية رواد الفضاء أثناء الانطلاق وإعادة الدخول إلى كوكب الأرض وفي حالات الطوارئ، ولا تصلح للمشي الفضائي.
الفئة الثانية من البدل، هي ما يُسمى بدل المشي الفضائي؛ Spacewalk suit، ويُطلق عليها بشكل أعم اسم Extravehecular Activity Suit أو EVA Suit اختصاراً، وهي البدلة التي يرتديها رواد الفضاء عند القيام بالمهام المختلفة خارج المركبة الفضائية مثل تصليح المعدات على متن محطة الفضاء الدولية أو الخروج من مكوك الفضاء لتركيب أو إصلاح قمر اصطناعي. وتحت نفس الفئة، تقع بدل المشي على القمر التي يُطلق عليها اسم Extravehicular Mobility Unit أو EMU اختصاراً.
صورة توضح البدلة التي ارتداها رائد الفضاء باز ألدرين عند المشي على القمر
بدل المشي الفضائي تحمي رواد الفضاء من الإشعاع الشمسي الذي يتعرضون له خارج المركبة الفضائية، كما تحتوى على نظام تبريد يُغطي الجسم بأكمله ما عدا الرأس والكفين والقدمين، يمكن لرواد الفضاء التحكم بهذا النظام بما يتناسب مع درجات الحرارة خارج المركبة الفضائية التي يمكن أن تتراوح بين 127 درجة سيليزية إلى سالب 173 درجة سيليزية على سطح القمر على سبيل المثال.
يُمثل نظام التبريد أول ثلاث طبقات من أصل الستة عشر التي تتكون منها بدلة الفضاء، وهي أولى الطبقات التي يرتديها رواد الفضاء من البدلة. باقي الطبقات تحتوي على نظام للضغط وللتنفس، والطبقة الخارجية البيضاء هي مضادة للتمزق لكي تحمي رواد الفضاء من الصخور الصغيرة التي تحوم في الفضاء، كما أنها مضادة للماء والحرائق.
قد تلاحظون حمولة كبيرة في ظهر بدلة المشي الفضائي، هذه الحمولة بمثابة شنطة الظهر لرواد الفضاء وتُسمى Portable Life Support System أو PLSS اختصاراً، ويمكن ترجمتها إلى «نظام دعم الحياة المحمول» وتحتوي هذه الشنطة على أجهزة التحكم في جميع أنظمة البدلة، والأكسجين الذي يتنفسه رواد الفضاء، وبها نظام التخلص من ثاني أكسيد الكربون أيضاً. كما تضم النظام الراديوي الذي يستخدمه رواد الفضاء للتواصل مع زملائهم ومع الأرض.
صورة توضح شنطة الظهر التي ارتداها رائد الفضاء باز ألدرين
أما خوذة رواد الفضاء، فتمدهم بالأكسجين اللازم، وتعمل على حمايتهم من أشعة الشمس الضارة عن طريق القناع الشمسي المدعم بطبقة من الذهب.
■بدلات جديدة لتحديات جديدة
في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أعلنت ناسا لأول مرة عن بدلات الفضاء الجديدة التي ستكون متاحة لـجيل أرتميس من رواد الفضاء المقرر لهم الهبوط على القمر عام 2024 واستكشاف كوكب المريخ في ثلاثينيات القرن الحالي.
نشرت ناسا التصميم والشكل الجديدين للفئتين المختلفتين من بدل الفضاء؛ فبدلة الانطلاق وإعادة الدخول أُطلق عليها اسم بدلة Orion Crew Survival System أو OCSS اختصاراً، وبها بعض الفروقات التي تميزها عن بدلة جيل أبولو، فالطبقة البرتقالية أصبحت مضادة للحرائق والقفازات أصبحت أكثر متانة مع ملاءمتها لاستخدام شاشات اللمس، كما أن الخوذة أصبحت متوفرة في عدة مقاسات وأقل وزناً وأكثر متانة. بالإضافة إلى هذا، تحتوي البدلة على عدة إنقاذ الحياة لحالات الطوارئ.
صورة توضح داستن جوميرت مدير برنامج بدلة الانطلاق وإعادة الدخول يستعرض بدلة الانطلاق وإعادة الدخول الخاصة بجيل أرتميس
وبدلة المشي الفضائي أُطلق عليها اسم Exploration Extravehicular Mobility Unit أو xEMU اختصاراً، ونلاحظ اختلافها عن بدل جيل أبولو أيضاً؛ فهي توفر مرونة أكثر في حركة الذراعين وفي جزء البدلة السفلي، مدى أوسع للحركة عند الخصرين، وانحناء الركبة مما يسمح لرواد الفضاء المستقبلين بالحركة بحرية على سطح القمر بدلاً من القفز الذي اضطر إليه جيل أبولو، والذي أدى إلى تعثرهم أحياناً.
بدلة ناسا الجديدة
اختلاف آخر، هو عدم اضطرار رواد الفضاء لارتداء غطاء للرأس مخصوص أسفل الخوذة للحديث أو سماع زملائهم، فلقد تم تطوير مكبرات للصوت وميكروفونات صغيرة مدمجة في خوذة رواد الفضاء لهذا الغرض، كما تم تطوير قناع مخصوص للخوذة كي يحمي رواد الفضاء من الأتربة على سطح القمر.
أكدت ناسا أنه يمكن تطوير التصميم الجديد من البدل لتلائم أكثر من وجهة وليس القمر فحسب، مثل محطة الفضاء الدولية، أو المريخ، أو البوابة Gateway التي ستكون في مدار حول القمر، مما يجعل البدل مستدامة أكثر من سابقتها، وهي السمة الأكثر وضوحاً في برنامج ناسا للعودة إلى القمر. كما تتوفر البدل لتناسب مقاسات رواد الفضاء خصيصاً على حسب أبعادهم الجسدية باستخدام علم الميكانيكيا الحيوية وعلم قياسات الجسم، على خلاف بدل جيل أبولو التي توافقت أكثر مع المقاسات الجسدية للرجال.
■أناقة بدل الفضاء من شركات القطاع الخاص
سعياً من ناسا لجعل الانطلاق إلى الفضاء أكثر شيوعًا في المستقبل، أطلقت برنامج Commercial Crew، الذي تعاقدت فيه مع شركتي Boeing و SpaceX الأميركيتين لتطوير صواريخهم الخاصة اللازمة لنقل رواد الفضاء الأميركيين إلى محطة الفضاء الدولية من على الأراضي الأميركية بدلاً من روسيا. لتحقيق هذا الغرض، تحتاج هذه الشركات أيضاً لتصميم بدل الانطلاق وإعادة الدخول الخاصة برواد الفضاء على متن المركبات الفضائية.
لننظر إلى بدلة شركة Boeing التي أُطلق عليها اسم Starliner والتي أسهم في تطويرها رائد الفضاء الأميركي كريس فيرجسون، فهي أخف وزناً وتتميز بشكل مختلف للخوذة فأصبحت ذات حجم أقل وبها سحاب بدلاً من القفل في البدلة التقليدية، والقفازات ملائمة لاستخدام شاشات اللمس أيضاً. كما صُممت الخوذة لتوفر الراحة لرواد الفضاء داخل المركبة الفضائية؛ فنجد سحابات عند منطقة البطن لتُعطي مرونة أكثر عند الجلوس أو الحركة، ونظام تبريد للبدلة باستخدام بخار الماء.
صورة توضح رائدة الفضاء سونيتا ويليامز أثناء تجربة بدلة شركة Boeing
عند النظر إلى بدلة الانطلاق وإعادة الدخول الخاصة بشركة SpaceX قد تبدو أكثر ملاءمة للبرنامج التلفزيوني Power Rangers، ولكن دعونا نركز على المضمون! أول ما يميز البدلة أنها غير مجزئة؛ من الخوذة إلى الحذاء ومروراً بالقفازات قطعة واحدة يرتديها رواد الفضاء، كما أنها مضادة للحرائق وتتميز بخوذة بلاستيكية مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد وقفازات ملائمة لاستخدام شاشات اللمس، بالإضافة إلى احتوائها على نظام لحماية الأذن من الضوضاء أثناء عمليات الانطلاق وإعادة الدخول.
صورة توضح رائدي الفضاء دوج هيرلي وبوب بنكن أثناء اختبار بدلة شركة SpaceX
إن كنتم وصلتم إلى نهاية المقال، وأصابكم الإحباط لعدم إيجاد الإجابة على مدى صحة احتواء بدل رواد الفضاء على حفاضات. فالإجابة هي نعم، بدل رواد الفضاء تحتوي على حفاضات!
،،،،