الكهف المسحور
أعرفكم بنفسي أنا موجة البحر ، هل أخبرتكم عن مغامراتي في السحاب وعلى الأرض ، وكيف ضاعت مني أجزاء كبيرة من جسمي ، وكيف اتفقت معها على أن نلتقي جميعا في المدينة الفضية ، كل منا بحسب ظروفه ، وكنت أنا أول من وصل إلى المدينة الفضية ، وحكيت لهم كل ما حدث لي من مغامرات وفجأة ، حدثت ضجة كيرة وصياح شديد وزغاريد وجاءت سمكة تونة كبيرة وهي تقول : افرحي يا موجة البحر العزيزة لقد عاد جزء من ماء جسمك ، فقفزت مكاني وأسرعت لأقابل العزيز الغائب الذي عاد وألقى الماء العائد نفسه بين ذراعي .
وشعرت الموجه بأنها أصبحت أكبر وأقوى وأن حجمها قد زاد فتمطت بقوة ، وقالت الحمد لله أدعوا الله أن يجمع شملنا كلنا من جديد ، وأن يوفق باقي جسمي إلى أن يعود لعاداته ، فقاطعتها سمكة التونة قائلة : ونحن في شوق لسماع ما حدث للماء العائد من مغامرات وأخطار ، كلنا آذان صاغية ونحن في الأنتظار.
وصمتت سمكة التونة ، ونظر كل السمك ومخلوقات البحر إلى الماء الذي عاد منذ قليل ، وتلفت الماء حوله ، فوجد العيون كلها تنظر إليه وتحاصرة من كل مكان ، من اليمين ومن الشمال ومن الخلف ومن الأمام ، فعرف أنه لابد له من الكلام فقال : الحق أني لم أجرب الكلام قبل الآن ، ولا أعرف كيف أحكي قصص ، لأنني لست إلا بعض الماء في موجة في بحر ، ولم أذهب إلى المدرسة ، ولم أتعلم في كتاب ، ولكنني سأستعين بالله الوهاب وأقول ما حدث :
- عندما كنا في السحاب وسقطت أمنا مع المطر والثلج والبرد ، حملتني الرياح بعيدا إلى أعلى واعلى أسفل مرات ومرات ، حتى شعرت بالدوار ويظهر أنه أغمى على بعض الوقت ، لأني عندما أفقت وشعرت بما حولي وجدت نفسي أتدحرج على سفح جبل صخري ، ووجدت نفسي في نهر كبير ، يجري بسرعة هائلة والماء فيه يتدافع بقوة ، وفجأة وجدت ماء النهر كله يسقط إلى أسفل ثم يصطدم بالأرض صدمة هائلة رهيبة في دوى شديد والرذاذ المتطاير يملأ الجو ، ثم بدأ ماء النهر يجري للأماما مرة أخرى وسكت ماء الموجة قليلا ليلتقط أنفاسه ، فتمتت سمكة التونة بصوت منخفض قائلة ، وكأنها تحدث نفسها هذا شلال شلال كبير يا ماء .
وسمع الماء الموجة ما قالته تونة فقال تقولين هذا شلال يا تونة ولكنني كنت لا اعرف ما هو وكنت حزين لانى لم اذهب للمدرسة ولم اقرا في كتاب ، على كل حال لقد استمر النهر الذي كنت فيه يجري بعنف وينحت الصخور التى نمر فوقها ، ويجعلنا نحمل منها ذرات رفيعة لونها بني جعلت لوننا مثلها .
وعلى الرغم من هذا قد عكر ماءنا ، وجعلا نفقد الشفافية التي كان لنا في أول الأمر ، فإن هذا اللون الأسمر في الحقيقية قد أعجبني كثيرا ، لست أدري وسرنا مسافات طويلة طولة طويلة ، وبدأت مسيرتنا تهدأ رويدا رويدا ، حتى وصلنا إلى مساحات واسعة من الأرض ، أخذنا نسرى فوقها ببطء شديد ورأيت ناسا يعيشون في بيوت ، واخذت الذرات الرفيعة التي نحملها والتي نحتناها من الصخر تترسب على هذه المساحات الواسعة من الأرض ، وتكون طبقات من الطين ، وحسبت أن الناس سيتضايقون من هذا الطين ، الذي غطينا به الأرض الواسعة حول بيوتهم ، ولكنني دهشت كثيرا عندما سمعتهم يتكلمون ، وعرفت أنهم سعداء بهذا الطين او الطمي أو الغرين ، لأنه يجعل أرضهم خصبه ، وزرعهم قويا كثير الخير والثمار .
ووجدت فسي انا وبعض الماء الاخر ، محشورين في مكان ضيق إلى جوار أحد البيوت ، ووأخذت ألف وأدور حول نفسي والمياة التي معي تلف وتدور حول نفسها ، ورأينا مياه النهر تتحرك بعيدا عنا ، ونحن ا نستطيع أن نخرج من هذا المكان ، وابتعدت مياه النهر وابتعدت حتى لم نعد نراها ، وشعرت كأني أريد أن أبكي ماذا سنفعل في هذا المكان وحدنا ، وشعرت بإحساس غريب بالوحدة والضياع في هذا الكون الواسع الكبير ، وشعرت بالحنين إلى وطني وإلى بيتي في البحر وإلى أمي الموجة الحنون ، وافقت من هذه الأفكار لأجد المياه التي كانت معي قد اختفت ، وشعرت أني أنا أيضا أقترب من الأرض وأقترب حتى التصقت بالطين يا للعجب ، لقد بدأت أغوص في الطين إلى أسفل وإلى أسفل ، حتى لم اعد أرى السماء ورأيت نفسي في ظلام دامس ، واحسست أني اتسرب وأسري ببطء إلى أسفل في مسام رفيعة في الأرض ببطء شديد ، ولكن باستمرار وظللت اتسرب إلى أسفل إلى أسفل ووجدت نفسي أصل إلى مكان أوسع ، كان أوسع قليلا ولكنه كان شديد الظلام وألتقيت في هذا المكان ببعض الماء فانضممت إليه وأخذنا نسري تحت الأرض .
وبدأت أحس أننا نهر صغير ، نجري تحت الأرض ، مجرد احساس لأن الظلام كان شديد جعلني لا ارى شيئا مما حولي ، ثم أحسست أننا نصل إلى مكان واسع كأنه بحيرة تحت الأرض ، وأخيرا جاء الفرج ورأيت من بعيد ضوء النهار ، ثم وصلت إلى مكان عجيب فيه مناظر غريبة كالشباح المسحورة ، تنزل من فوق وتصعد من تحت وضوء يلمع كالبرق ثم يختفي ، وأصوات تتحدث وزاد الضوء فوجدت أني في كهف كبير ، كأنه كهف مسحور .
واستندت على جدار الكهف وحاولت أن أفهم ما حولي ، وسمعت الأصوات تتحدث وفهمت أن هذا الكهف عجيب ، يزوره السياح لمناظره العجيبة ، ويلتقطون فيه صورا تذكارية غلأى جوار تكوينات صخرية بديعة ، بعضها يتدلى من السقف ، وبعضها يخرج منه أرض الكهف وتنزل عليها من السقف نقط ماء أشار إليها واحد من السياح وهو يقول : هذذة النقط التي تنزل من السقف ببطء فيها أملاح معدية ، وصخور ذائة في الماء ، وعندما تجف تبقى الأملاح المعدنية والصخور التي كانت ذائبة ، ويتراكم بعضها فوق بعض على مر الأيام والسنين ، وتتشكل منها هذة التكوينات الصخرية العجيبة .
تعجبت كثيرا لما سمعت هذا الكلام ، وقلت لنفسي سبحان الله الخلاق العظيم ، الصخر يذوب في الماء ، نحن قطرات الماء الصغيرة الضئيله ، نذيب الصخر ، ونصنع منه تكوينات وأشكالا بديعة ، حقا إن هذا لشيء عجيب .
وبدأ السائح يتكلم مرة أخرى ، ولكنني وجت المياة التي ورائي تدفعني برفق وتقول : حن لسنا من السياح وليس عندنا وقت للوقوف والمشاهدة ، فالطريق أمامنا طويل ورأيت المياه تدفعني معها وننحشر كلنا في مجرى جديد لنهر يجرى تحت الأرض ، وسرنا لمسافات طويلة جدا ، وعلى حين غفلة أحسست بأشياء غريبة تحدث ، وفجأة وجدت نفسي أنطلق إلى أعلى بقوة هائلة نحو السماء ومعي كثير من الماء ، وأغمضت عيني من شدة ضوء الشمس المفاجىء بعد هذا الظلام الدامس ، الطويل الذي كنا فيه وبعد قليل استطعت أن أفتح عيني رويدا رويدا لأرى ما حولي ، فوجدت أننا نحن المياه نخرج من باطن الأرض ، على شكل نافورة جميلة وحولنا حقول واسعة فيها زرع وأشجار وبيت صغير من بعيد .
ورأيت رجلا يظهر أنه صاحب هذا الحقل ومعه زوجته وبعض ابنائه وبناته ، وسمعت الرجل يقول بصوت تبدوا عليه علامات الفرح والسرور:
الحمد لله الحمد لله يا سلمى لقد كلل الله تعبنا بالنجاح ، وحفرنا البئر والحمد لله أكثر واكثر إنها بئر ماؤها كثير والماء سر الحياة لنا وللزرع والنبات والحيوان ، “وجعلنا من الماء كل شيء حي ”
فنظر بعض اولاده باستغراب وقال احدهم ، ما تلك البئر يا أبي ، قال الاب انها بئر ” ارتوازية ” أي انها بئر يأتي الماء من الأعماق وحدة ويندفع من الأعماق الى سطح الأرض لأن المنبع يكون بعيدا لهذا الماء اعلى ، من مستوى الارض التي نعيش فيها ، وهذا يوفر كثيرا من الجهد ، ولم يقدر لي ان اسعد كثيرا بضوء الشمس ، لاني وجدت نفسي مع بعض الماء ، نتبعثر حول البئر ، ثم ندخل في شق صغير في الارض ، ونغوص الى اسفل من جديد ، والعجيب أنى في هذه المرة لم اشعر بالضيق ، وإنما شعرت بالفخر والسعادة ،لاننا نحن الماء لنا اهمية كبيرة في تلك الدنيا ، والله سبحانه وتعالى جعل منا كل شيء حي .
إننا نتعب حقا ودائما نحن في حركة وعمل ، ولكنها حركة مباركة وعم لذيذ لان الله الله يبعث بنا الحياة في كل شيء ، الحمد لله ما أسعد الواحد في هذه الدنيا ، عندما يشعر أن له فائدة كبيرة وأنه استطاع أن يساعد الاخرين ، ويحل مشاكلهم وييسر امورهم ، ويبدوا ان الله عرف نيتي الطيبة وكافأني عليها ، لأني وجدت نفسي أخرج إلى النور مرة اخرى ، واختلط بمياة نهر كبير ، سار بنا إلى الأمام مسافات ، ثم أبطأ النهر في سيره وكأنه توقف ، ورأيت أننا قد تحولنا إلى بحيرة كبيرة من الماء العذب ، وتحركت لأعرف ما حدث فوجدت أمام النهر سدا يمنع سير المياه ، ويحولها إلى قناة جانبية ، فأتجهت إلى هذه القناة وسرت مع الماء فيها ، فدخلت في أنابيب ، وخرجت منها مع باقي المياه ، وأنا اصطدم بصفائح معدنية تعترض طريقنا ، فتدفعها بقوة فتتحرك وتدور وتأتي مكانها صفائح معدنية أخرى فندفعها فتدور ، وكأنها في ساقيه ثم غادرنا المكان في ماسوره واسعة ، ولمحت بطرف عيي مياها أخرى غيرنا تاتي لتدفع الصفائح فتستمر في الدوران .
وخرجنا من هذا المكان ، فوجدت نفسي على الجانب الاخر من السد ، وسرت مع النهر من جديد واا يشغل بالي سؤال واحد لم اعرف اجابته حتى الان :
لماذا يريدنا الانسان ان نحرك هذه الصفائح المعدنية ، وكاننا ندور في ساقية .، وسكت ماء الموجة قليلا ، فهمست سمكة التونة الذكية المثقفة قائلة :
لا تتحير يا ماء الموجة العزيز ، لقد قرأت عن هذا مرة في كتاب ، هذة محطة توليد اكهرباء ، وهذه الصفائح المعدنية عندما تتحرك وتدور تدير معها اله كبيرة ، أسمها ” المولد الكهربائي ” وهو الذي يولد الكهرباء ، ثم تنتقل هذة الكهرباء في أسلاك خاصة إلى البيو والمصانع والشوارع ، وإلى كل مكان يحتاج إلى كهرباء .
قال ماء الموجة بسعادة واضحة ، اشكرك ايتها الصديقة المثقفة على هذة المعلومات القيمة لقد ارحتني كثيرا ، وخلصتيني من الحيرة التي كنت فيها وانا الان سعيدة لاننا نحن المياة نقوم بعمل نافع مفيد ، فشكرا شكرا لك يا تونة ، ردت تونة قائلة العفو يا موجة لا شكر على واجب والشكر الحقيقي لله عز وجل ، أولا واخيرا فلقد علمنا ما لم نعلم ، وسجلنا نحن العلم في كتاب ونحن نشكر الذين قاموا بتاليفها ونشرها ، لانها هي النافذة التي نطل منها على العلم والمعرفة ، وماذا حدث بعد هذا ، قال ماء البحر وقد بدا يظهر عليه التعب ، بعد كل هذا الحديث سرت مع ماء النهر ، فأخذت ابحث عن مدينتكم الفضية الجميلة ، حتى وصلت إلى أمي واثناء ذلك حدث لي مغامرات عجيبة جدا وطريفة ، ورأيت الناس يزرعون السمك في مزارع البحر ، ويبنون الحيطان العجيبة تحت الماء ، لا يبنونها بالطوب والاحجار وانما بالهواء تصوروا حيطان من الهواء ، واشياء اخرى غريبة جدا رأيتها .