ذمّ الخطإ في الشعر لابن فارس
في سلسلة محاكمة النصوص، رسالة ابن فارس المعنونة بـ:
ذَمُّ الخَطَإ في الشِّعْرِ لأحمد ابن فارس 329 – 395 هـ
مقدّمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين.
أمّا بعدُ: فرسالة ذمّ الخطإ في الشعر لابن فارس مع صغرها رسالةٌ مُهِمّة؛ لأنها تحمل رأيًا رافضًا لفكرة التسويغ للشعراء ارتكابهم لما سُمّي بضرائر الشعر، كما تنبئ عن رأي ابن فارس في الضرورة المختلفِ عن رأيه في الصاحبيّ بشكل ما، إذْ أجاز في الصاحبيّ 468 – 471 بعضَ ما منعه في ذمّ الخَطَإ.
والصاحبيّ مَعْنِيٌّ بالشعر وضرائره؛ فقد عقد بابًا للشعر في كتابه الصاحبيّ: ص 471، وذكر في آخره كتابًا آخر قائلًا عنه: "وما سِوَى هَذَا مما ذَكِرَتِ الرُّواةُ أنّ الشُّعَراءَ غَلِطُوا فِيهِ فقد ذكرناه فِي "كتاب خُضارة" وهو "كتاب نَعْتِ الشِّعْرِ" [جاء في اللسان: "وخُضارَةُ، بالضم: البحر، سمّي بذلك لخُضْرَةِ مائه، وهو معرفة لا يُجْرَى، تقول: هذا خُضَارَةُ طامِياً" فلعلّ ابن فارس سمّاه "خُضارَةَ" لعِظَمه وسعةِ مادته العلمية].
وهذه الرسالة حظيت بتحقيق أد رمضان عبد التواب الذي لم يَأْلُ جُهدًا في إقامة النصّ وتخريج شواهده وتتبعها في مصادر كثيرة، زادت على 20 مصدرا لبعض الشواهد، وهي عادته في تخريج الشواهد إلى حدّ أن شيخنا الطناحي - رحمهما الله كليهما - ذكر أنّهم كانوا يتندّورن على ما اعتاده د رمضان من تخريج الشواهد تخريجا مبالغًا فيه، فقالوا: لو ذُكِرَ الشاهدُ في صحيفة الأهرام لذكرها د رمضان في مصادر التخريج.
وكانت الرسالة قد نشرتها مكتبة القدسي مع كتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي المطبوع عام 1349 هـ، كما ذكر د رمضان في وصف المخطوطات ص 11، وقال عن هذه النشرة: "وهي نشرة تخلو من التحقيق العلميّ، ولا تفطن إلى ما في أصلها من الأخطاء والتحريفات، ولم يشر ناشرها إلى أصلها المخطوط ...".
وقد صدّر د رمضان الرسالة بمقدمة ص 3 – 10، هي في حقيقتها مقال بعنوان: الصواب والخطأ في اللغة سجل فيه رأيه وموقفه من ضرورات الشعر يمكن تلخيصه في الآتي:
يذهب إلى أنه "ليس في اللغة صواب مطلق ولا خطأ مطلق، وإنما هي مسألة عرفية بحتة، فالخطأ اللغوي هو مخالفة المألوف الشائع من الكلام في عصر من العصور لمن يتكلم بلغة ذلك العصر" ص 3.
ويقول: والضرورة الشعرية عند جمهور العلماء العرب عبارة عن مخالفة المألوف من القواعد في الشعر، سواء أُلجئ الشاعر إلى ذلك بالوزن أو القافية، أم لم يُلْجأ، ثم يعلق على ذلك بقوله:
"وهم بهذا التعريف يبعدون بالضرورة الشِّعرية عن معناها اللغوي, وهو: الاضطرار ممّا يجعل قبول رأيهم هذا ضربًا من إلغاء التفكير المنطقي, والتحكم بغير دليل أو برهان, فإن الضّرورة الشعرية في نظرنا ليست في كثير من الأحيان إلا أخطاء غير شعورية في اللغة, وخروجاً على النظام المألوف في العربية, شعرها ونثرها, بدليل ورود الآلاف من الأمثلة الصَّحيحة في الشعر والنثر على سواء, غاية ما هنالك أن الشَّاعر يكون منهمكاً ومشغولاً بموسيقى شعره, وأنغام قوافيه, فيقع في هذه الأخطاء عن غير شعور منه". ص 6.
ثم ينتهي إلى: "أنه لا صحَّة لما يتردد على ألسنة القوم, من أنَّ الضرورة الشِّعرية رخصة للشَّاعر, يرتكبها متى أراد, لأنَّ معنى هذا الكلام أن الشَّاعر يباح له عن عمد مخالفة المألوف من القواعد, وهو ما يتعارض مع ما وصل إلينا من أخبار الشُّعراء في القديم, والله أعلم" ص 10.
وعلى الرغم من هذا المجهود المشكور المبذول من د رمضان عبد التواب إلا أنّ عدم شرحه للضرورات في عدد من الشواهد الواردة في الرسالة مع رغبتي في أن أنشرها بصيغة الوورد word خدمة للباحثين ليتمكنوا من نسخها أو أجزاء منها، ومع رغبتي في شرح الضرورات في الشواهد، أقدمت على نشر هذه الرسالة محافظا على النص كما أثبته محققه رحمه الله إلاّ ما كان من زيادة ضبط واقتراح إضافة واحدة، وترقيم الشواهد تسلسليا، وما عدا ذلك أكتفي بالتعليق عليه في الحواشي، كما أفردت البحث في الشواهد خارج حواشي النصّ.