أرجان وعلي .. نموذجان لتعزيز التعايش بين التركمان والنجفيين
أرجان وعلي .. نموذجان لتعزيز التعايش بين التركمان والنجفيين
تقرير: حيدر حسين الجنابي
– صحفي عراقي يقف امام باب مدرسته صباحا ، ممسكا بيده اليمنى كرته الحمراء ، ليلعب بها مع زملائه. كان الصخب يرافق أحاديث الأطفال ( أرجان ) ذو الثماني سنوات ينادي زميله علي : ” ياله كال طوب اوينيغ ” فيبتسم علي الذي يفهم بعض مفردات اللهجة التركمانية مجيبا :” لا أريد أن العب كرة القدم ، اريد لعبة الاختباء ” ، فيتدافعان بسرعة نحو باب مدرسة المحبة الابتدائية التي تجمعهما. والد ارجان ” محمد علي ” الذي يحرك النظارات التي تغطي عينيه عندما تحدث عن نزوحهم من تلعفر ” كان عمر ارجان اربع سنوات ، عندما سقطت الموصل بعد انسحاب قوات الجيش والشرطة وقصفت الاحياء المليئة بالسكان بوابل من الرصاص وقذائف الهاون من قبل تنظيم داعش مبيحا سفك دماءنا ، باعتبارنا كفارا أسوة بالايزيديين والمسيحيين والشبك”. “كانت مسيرة هروب مرعبة من تلعفر الى سنجار للنجاة من الموت ،انا وزوجتي وأطفالي الأربعة بصحبة الاف الفارين سيرا على الاقدام ، ترافقنا مشاهد الضحايا ممن سقطوا في طريق الهروب من جحيم التنظيم الارهابي ، حيث تركنا كل ما نملك وراءنا ” كما يروي والد ارجان. مشيرا “سنجار اصبحت ملاذنا الاول لكن بعد يومين سرعان ما نزحنا الى اربيل ومن هناك توجهنا صوب مدينة النجف، بعد إن وصلتنا انباء عن تقدم داعش نحونا”. يسترسل والد ارجان قائلا ” عندما أردنا الدخول إلى اربيل عبر سيطرة (كلك)، كان الاف النازحين ومئات المركبات تتجمع أمامها للمرور نحو كردستان ،حيث انتظرنا لايام حتى سمح لنا بالعبورعلى شكل وجبات”. النجف تقع جنوب بغداد 176 كم وهي إحدى المدن الدينية المقدسة لدى المسلمين الشيعة حيث مرقد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . واحتضنت النجف عشرات آلاف النازحين من مختلف مناطق العراق التي شهدت اضطرابات امنية. وتتميز بكونها مقرا للمرجعية الدينية الشيعية على مستوى العالم الاسلامي، وتنتشر فيها العشرات من المدارس الدينية التي تعنى بالشؤون العقائدية والفقهية. وبحسب مدير الهجرة والمهجرين في النجف جواد العبودي إن عدد النازحين من كل المحافظات إلى النجف (86,646) وكان نازحي مدينة تلعفر وحدهم (6709 ) عائلة ، يتوزعون على جانبي الطريق الرابط بين النجف وكربلاء والكوفة. وعلى الرغم من تحرير مدينة تلعفر من تنظيم داعش عام 2017، الا ان اكثر من (2500) عائلة تركمانية آثرت البقاء والاستيطان واندمجت بشكل كبير مع السكان الاصليين في المحافظة. وتشير احصائية لمؤسسة النبع للاسرة والطفل ان عدد التركمان المستقرين حاليا في النجف هو اكثر من 15 الف نازح. وتبين (عاصف سرت) في بحثها دراسة حقيقية حول تعداد التركمان في العرق ،بان عددهم حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة ، أي 13% من السكان ، الذين يتوزعون في محافظات كركوك ونينوى واربيل وديالى إلى جانب مدينة تلعفر وآمرلي وطوزخورماتو وكفري و التون كوبري وداقوق ، إذ يعتبر التركمان القومية الثالثة في العراق بعد العرب والكورد. ويوضح والد أرجان الذي بات يعمل مراسلا صحفيا ” سكنا حال وصولنا النجف في حسينية على الطريق بين النجف وكربلاء عند عامود الكهرباء 73 ، وكنا سبعة عوائل ، تعدادنا أربعين فردا ، كلنا نقيم في قاعة صغيرة ، إذ بقينا لمدة شهرين على هذا الحال”. ويتابع حديثه ” لم اضطر لشراء أثاث للبيت الذي استأجرته في حي الميلاد ، بعدما بادر أبناء الحي إلى التبرع بتجهيزه، عندما علموا باني نازح إذ جهزوا منزلنا خلال ثلاث ساعات بالمواد الكهربائية والغذائية، وهذا ما جعلني متمسكا بمنطقة سكننا وبجيراننا منذ أربع سنوات ،ولا أريد أن انتقل لأي حي أخر”. فالكثير من التركمان وجدوا في النجف موطنا ملائما لهم لا سيما على الصعيد الاجتماعي : “كانت اللغة هي العائق في السابق إلا إننا ألان نجيد التحدث بالعربية إذ يتحدث غالبية التركمان في تلعفر اللغة التركمانية وحدها ، وهنا أصبحت اللغة العربية دارجة الاستخدام بفضل الاندماج والتواصل بين السكان المحليين والنازحين ” كما يشير محمد علي. ويختتم حديثه “إن عائلتي تحب النجف، فزوجتي وأطفالي يقيمون علاقات وثيقة مع الجيران وزملائهم في المدرسة ، فزوجتي تتعلم طبخ الأكلات النجفية كالفسنجون والقيمة ونتلذلذ بتناول (دهين أبو علي) إحدى الحلويات التي تشتهر بها النجف، ونتبادل مع الجيران أطباق الطعام ومنها الكبة الموصلية التي نعدها لزملائي في الجامعة أيضا”. مختار التركمان بدوره يتحدث ميري فاخر حسن الذي بات يلقب بكافل التركمان في الاوساط الشعبية النجفية ، كيف آوى بفخر العشرات من العوائل النازحة. “سبق وان كانت لي معرفة ببعض التركمانين قبل ان تنكب مدينتهم على يد الارهاب “. ويضيف “مع موجة النزوح الاولى توجهت الى حاجز الشرطة في مدخل النجف الشمالي لاستقبال العوائل الوافدة خصوصا ان في بداية الامر كان دخولهم الى المدينة مشروطا بكفالة احد السكان الاصليين”. ويذكر حسن كيف تمكن من كفالة اكثر من 38عائلةيبلغ تعدادها ما يقارب 800 فردا، مستطرد بأريحية ” اصبحت القب بمختار التركمان نظرا لضخامة الصلات التي تربطني مع المئات منهم”. حب ما بعد النزوح وسجلت العديد من الزيجات بين عوائل تركمانية وأخرى نجفية ، منها قصة محمد حبيب احد الشباب التركمان الذي اغرم بطالبة كوفية أصبحت في نهاية المطاف زوجة له وأنجبت طفلته زهراء . فيقول : “تمكنت من اكمال دراستي في المعهد الفني وتعرفت على زوجتي بعد ان جمعتنا زمالة الدراسة “.مبيناعدم رغبته في العودة الى مدينته تلعفر على الرغم من تحريرها من داعش ورجوع ذويها اليها. ويضيف ” لن أفكر بالرجوع الى محافظتي بعد ولادة ابنتي البكر في النجف كونها مدينة مستقرة امنيا وفيها فرص كثيرة للعمل “. وبهذا الصدد يقول الدكتور هشام السياب ” اكتسبت النجف روح التعايش السلمي الاجتماعي من فكر الامام علي بن ابي طالب بمقولته: الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق ،اذ تؤمن باندماج الاعراق والقوميات فالتركماني والنجفي هما شركاء الوطن ولهم مشتركات فكرية ومعاناة حياتية “. النجف مدينتي ومن المظاهر التي تؤشر وجود الاعمال المشتركة بين النجفيين والتركمان ، ابو علي 58 عاما هو الاخر نازح من تلعفر – هكذا قدم نفسه – صاحب اسواق تلعفر الغذائية ” قدم لي ابناء المجتمع النجفي الكثير من الدعم مما شجعني على البقاء ، فتجار النجف ساعدوني كثيرا لأسس مشروعي في تجارة المواد الغذائية في اسواق الجملة في حي القدس ثم انتقلت إلى مكان آخر يقع في بداية طريق يا حسين ، وقد تعاون معي جميع النجفيين ولم أحس بأي غربة ، فهم اهلي والنجف مدينتي “. وعن طبيعة العلاقات واستقرار النازحين يقول مدير قسم العلاقات والإعلام في شرطة النجف المقدم مقداد الموسوي “إن النازحين التركمان مواطنين مسالمين ولم يشكلوا إي خطر على الوضع الأمني على الرغم من إعدادهم الكبيرة فهم يؤمنون بالسلم المجتمعي وأبناء النجف احبوهم كثيرا لاحترامهم لعادات وتقاليد المحافظة”. وانخرط معظم التركمان الوافدين في سوق العمل والوظائف دون اي عوائق، سيما انهم اكتسبوا مودة وتعاطف المجتمع النجفي ، كما هو الحال مع والد ارجان الذي يعمل ويدرس الإعلام في احدى الجامعات. هذا التقرير واحدة من نتاجات مشروع ( تصالح ) لمنظمة ( CFI) و ( MICT) الذي تم تنفيذه من قبل الأكاديمية الألمانية للإعلام في العراق للصحفيين في سنة 2018 .