السكن على سطح المريخ
المصدر: القافلة
ستكون حتماً أزمنة حزينة وأليمة جداً إذا اضطررنا أن نرحل عن هذه الكرة الخضراء الجميلة. ولكن التغيرات المناخية، والكوارث الطبيعية، والأحداث الجيولوجية، جعلت العلماء يفكرون بجدِّية أكثر من أي وقت مضى في استيطان كوكب المريخ والسكن عليه. وعلى الرغم من وجود تحديات كثيرة، إلَّا أن التقنيات المتطورة ربما تكون قادرة على تجاوزها، فهل يكون الكوكب الأحمر موطناً للبشر في المستقبل؟!
كوكب المريخ هو الكوكب الرابع في النظام الشمسي من حيث بُعده عن الشمس. وهذا البُعد يجعله كوكباً بارداً جداً وغير مناسب لوجود الماء في حالته السائلة. وتساوي جاذبيته %38 من قوة جاذبية الأرض، وغلافه الجوي رقيق وخفيف جداً، أقل بمئة مرَّة من الغلاف الجوي للأرض. ولذا، فهو غير صالح للتنفس إطلاقاً، إذ إنه يتكوَّن بنسبة %96 من ثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى غازي النيتروجين والأرجون، ونسبة ضئيلة جداً من بخار الماء والغازات الأخرى. والضغط الجوي على المريخ يقل عن %1 من الضغط الجوي على سطح الأرض، ولا يسمح باستقرار المياه السائلة على سطحه.
وعلى الرغم من أن هذه البيئة هي غير مناسبة للسكن، إلا أن المريخ هو الكوكب الأفضل، والأكثر احتمالاً في المجموعة الشمسية، لأن يكون صالحاً للحياة في المستقبل.
السفر إلى المريخ
يدور كوكبا الأرض والمريخ حول الشمس في مدارات أهليلجية (شبيهة بالبيضة). والمسافة بينهما متغيرة دائماً، تُقدَّر أقربُها بحوالي 55 مليون كم، وتحدث كل سنتين، وأبعدها 400 مليون كم. لذلك تستغل وكالات الفضاء زمن اقتراب المسافة لمزامنة رحلاتها للاقتصاد في الوقت.
تحتاج المركبة الفضائية لحوالي ستة أشهر للوصول إلى المريخ، وقد تزيد هذه المدة أو تنقص. ذلك أن طول الرحلة يعتمد على عوامل عديدة، كمقدار المسافة بين الكوكبين، ومقدار الوقود المستهلك الذي يتناسب عكسياً مع زمن الرحلة. وتشكِّل هذه المدة الطويلة عقبة كبيرة لروَّاد المستقبل. إذ على الروَّاد أن يبقوا ستة أشهر داخل مركبة فضائية! لذا، يأمل العلماء في استخدام تقنيات أكثر تطوراً من الصواريخ التقليدية للسفر بين الكواكب في المستقبل، مثل محركات البلازما في صاروخ "فاسيمر" (VASIMR) الذي يستغرق 39 يوماً فقط للوصول إلى المريخ. فكلما كانت الرحلة أقصر، تعرض روَّاد الفضاء إلى إشعاعات أقل، وهذه ناحية إيجابية جداً في الجانب الصحي.
هندسة كوكب المريخ
في البداية، هناك عديد من التحديات التي على الإنسان تخطيها لجعل كوكب المريخ صالحاً للحياة. مثلاً، الماء بحالته السائلة هو أساس الحياة الكربونية على كوكب الأرض، إضافة إلى توفير الأكسجين. كما أن هناك تحديات أخرى كثيرة كالجاذبية المنخفضة، والتربة السامة، وعدم وجود مصدر للغذاء الطبيعي كالأسماك والحيوانات وغيرها، وافتقاره إلى مجال مغناطيسي قوي يحميه من الإشعاعات الخارجية وغيرها.
إن هندسة كوكب المريخ بشكل جذري تعتمد بشكل أساس على رفع درجة حرارته لارتباطها بعوامل أخرى. ومن الأفكار العلمية المطروحة في هذا الجانب، وضعُ مصفوفة من المرايا الضخمة في مدار حول الكوكب، هدفها عكس أشعة الشمس لتسخينه. فعند تسخين قطبي المريخ، سوف تحدث ظاهرة التسامي (تحول المادة الصلبة إلى الحالة الغازية من دون المرور بالحالة السائلة). فتصاعد ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، اللذين هما من غازات الدفيئة، يؤديان إلى ظهور ما نطلق عليه بظاهرة الاحتباس الحراري، التي تسهم في سماكة الغلاف الجوي للكوكب وبنائه بشكل تدريجي.
الزراعة
تكيفت النباتات التي نعرفها على كوكب الأرض مع ظروف تاريخية وبيئية خاصة عبر ملايين السنين. ولهذا السبب، هي غير صالحة للنمو على سطح المريخ. فتربة الأرض رطبة وغنية بالمواد الغذائية والكائنات الحية الدقيقة التي تدعم نمو النباتات. بينما تربة المريخ جافة وتحتوي على مواد كيميائية سامة. لذلك سوف نلجأ إلى استخدام النباتات المعدلة وراثياً لتكون قادرة على العيش في ظروف قاسية كالتي على المريخ. ويشهد بهذا الخصوص علم البيولوجيا التركيبية تقدُّماً ملحوظاً. فقد أصبح بإمكاننا تصميم أنظمة بيولوجية جديدة غير موجودة في العالم الطبيعي، وهندسة كائنات بأكملها تكون قادرة على الحياة على كوكب المريخ.
وسوف نحتاج أيضاً إلى هندسة الميكروبات وتعديلها لتساعدنا في إزالة السموم وتحسين جودة تربة المريخ. وفي النهاية ربما نقوم أيضاً بالتعديل الجيني في الأنظمة البيولوجية البشرية لمن يريد الحياة في المريخ.
وعلى الرغم من أننا سوف نعتمد بشكل أساسي على قطاع البيولوجيا التركيبية في هندسة كوكب المريخ، إلا أننا سوف نستخدم بعض التقنيات الأخرى لتسريع تهيئة الكوكب للحياة، مثل تصميم آلة قادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، المكون الرئيس للغلاف الجوي للمريخ، وضخ الأكسجين مكانه. وقد طوَّر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا آلة تدعى "موكسي" (MOXIE)، لتكون ضمن مهمة وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في رحلتها المقبلة إلى المريخ خلال العام الجاري 2020م.
الحقل المغناطيسي
سبقت الإشارة إلى أن المريخ يفتقر إلى حقل مغناطيسي قوي، ومن المعلوم أن الحقل المغناطيسي للأرض يحميها من الرياح الشمسية والأشعة الكونية. لذلك اقترح باحثون في ناسا، وعلى رأسهم جيم غرين رئيس قسم علم الكواكب في الوكالة، بناء حقل مغناطيسي اصطناعي يقدِّم الحماية لكوكب المريخ ويدعم الحياة عليه عند منطقة لاغرانج الأولى (L1) الواقعة في الفضاء بين المريخ والشمس. وسوف تكون لهذا الحقل انعكاسات إيجابية على الغلاف الجوي ودرجة الحرارة والضغط، لأن الأنظمة المناخية مترابطة مع بعضها بعضاً.
وبالطبع سوف نحتاج إلى تقنيات متقدِّمة جداً، لكن هذه الفكرة الخيالية تبقى ممكنة وليست مستحيلة. فالتطور العلمي والتكنولوجي توصل إلى أشياء عديدة لم تكن لتخطر على بالٍ في الماضي.
متى نسكن المريخ؟
شكَّلت الحياة على سطح المريخ أرضاً خصبة لكتّاب الخيال العلمي، لكن الأمر من الناحية العملية يختلف كثيراً. فالعملية معقَّدة للغاية ومحفوفة بالصعاب والمخاطر، وليس من السهل هندسة كوكب بشكل جذري وكامل ليكون شبيهاً بكوكب الأرض، حتى تنمو فيه الأشجار والنباتات وتتجول فيه الحيوانات ويعيش فيه البشر ويتنفسون هواءه ويشربون من مائه. فكل ذلك يحتاج إلى تكلفة مالية باهظة ومدة طويلة تقدَّر بمئات السنين وربما أكثر من ذلك. لكن هذا لا يعني أن البشر لن يسكنوا المريخ في هذا القرن، وربما سيفعلون ذلك على نطاق محدود وضيق، عن طريق بناء المستوطنات والقباب المريخية وتوفير الظروف المناسبة للحياة فيها من خلال بناء أنظمة معقَّدة تدعم الحياة. فمستقبل الحياة على المريخ له عدَّة صور متخيلة، لكننا في الوقت نفسه قد نشعر بصورة بائسة أيضاً بسبب التحديات الصعبة التي تواجهنا! ومهما يكن من أمر، فيجب علينا نحن أبناء هذه الأرض حمايتها والمحافظة عليها!