أحمد مطر هو شاعر ثوري من الطراز الأول
غرس قلمه خنجرا في صدر الإستبداد
وجعل حبره سما يسقيه أرباب الفساد
وسبك شعره منجلا يقطّع من اللصوص اللحم ويكسر العظام
ونثر حروفه اشواكا في طرقات اللئام.
قرأنا شعره فوجدناه قد امتلأ بالزنازين والسلاسل
قرأناه فنظرنا الى أجساد معلقة وأجساد مسجاة ، وسمعنا نباح كلاب مسعورة وضباع قذرة ونسور ضخمة ، ورأيناها قد راحت تتجاذب لحوم تلك الأجساد وتنهشها.
قرأنا قصائده فوجدناها مليئة بالمعتقلين ورجال المخابرات الذين يغدو بجوارهم زبانية الجحيم ملائكة رحمة وأزهار ياسمين .
قرأنا جروحا تنز دما وقيحا وصديدا ، وسمعنا في تجوالنا بين شواهد القبور في قصائده أنين الأشباح وصراخ الشياطين.
لكن هل قرأنا يوما أزهار الحب و شذى الرياحين في شعر احمد مطر؟
هل قرأنا لحنا يطرب له اللحن العذب في شعر احمد مطر؟ أم لم يبق من الحانه غير الصراخ والعويل؟
هل قرأنا جسم غانية أو غزلا في عيني أنثى؟
هل قرأنا شجنا أو هياما؟
وهل سألنا أنفسنا يوما أين يقع الحب في شعر احمد مطر؟
تعالوا نقرأ الإجابة في قصيدة فوق العادة لشاعر فوق العادة
انني مت انتظارا
شفتي جفت
وروحي ذبلت
والنهد غارا
وبغاباتي جراح لا تدارى
وبصحرائي لهيب لا يدارى
فمتى يا شاعري تطفئ صحرائي احتراقا؟
ومتى تدمل غاباتي انفجارا؟
أنني اعددت قلبي لك مهدا
ومن الحب دثارا
تأملت مرار
وتألمت مرار
فاذا نبضك إطلاق رصاص
واغانيك عويل
واحاسيسك قتلى
وامانيك اسارى
واذا انت بقايا
من رماد وشظايا
تعصف الريح بها عصفا
وتذروها نثارا
أنت لا تعرف ما الحب
واني عبثا مت انتظارا
رحمة الله على قلبك يا انثى
ولا أبدي اعتذارا
اعرف الحب ولكن
لم اكن املك في الأمر اختيارا
كان طوفان الأسى يهدر في صدري
وكان الحب نارا
فتوارى
كان شمسا
واختفى لما طوى الليل النهارا
كان عصفورا يغني فوق اهدابي
فلما اقبل الصياد طارا
آه لو لم يطلق الحكام
في جلدي كلابا تتبارى
آه لو لم يملأوا مجرى دمي زيتا
وانفاسي غبارا
آه لو لم يزرعوا الدمع
جواسيس على عيني بعيني
ويقيموا حاجزا بيني وبيني
آه لو لم يطبقوا حولي الحصارا
لتنزلت باشعاري على وجد الحياري
مثلما ينحل غيم في الصحارى
ولأغمدت يراع السحر في النحر
وفي الثغر
وفي الصدر
وفي كل بقاع البرد والحر
وهيجت جنون الرغبات الحمر
حتى تصبح العفة عارا
ولأشعلت البحارا
ولأنطقت الحجارا
ولخبأت إمرأ القيس بجيبي
ولألغيت نزارا
آه لو لم يطبقوا حولي الحصارا
لاستفزت شفتاي الكرز الدامي
بأطباق العذارى
ولزادته احمرارا
ولأرسلت يدي ترعى
فتخفي ما بدا هصرا
وتبدي ما توارى
ولأيقظت السكون العذب
في غاباتهن البكر عصفا واستعارا
ولأرقصت القفارا
ولألقيت على خلجانهن الموج
حرا مستثارا
فيصارعِـن اختناقا
ويصارعِـن انبهارا
ثم يستلقين تحت الزبد الطاغي
يغالبن الدوارا
اعرف الحب أنا
لكن حبي
مات مشنوقا على حبل شراييني
بزنزانة قلبي
لا تظني أنه مات انتحارا
لا تظني أنه دالية جفت
فلم تطرح ثمارا
لا تظني انه حب كسيح
لو به جهد على المشي سارا
لا تظني
واصفحي عنه وعني
أنا داعبت على المسرح أوتاري
وأنشأت اغني
غير أني
لم أكد أبدأ حتى
أطلقوا عشرين كلبا خلف لحني
تملأ المسرح عقرا ونباحا وسعارا
وانا الراكض من ركن لركن
لي قلب واحد
عاث به العقر دمارا
فانا اعزف دمعا
وانا اشدو دماء
وانا احيا انتظارا
وأنا في سكرتي .. لا وقت عندي
كي أغني للسكارى
فاعذريني
ان انا اطفأت أنغامي
واسدلت الستارا
أنا لا أملك قلبا مستعارا