انتهي أويس بن عامر لتوه من صلاة العصر في المسجد، انطلق مسرعاً الي بيته، طرق الباب بهدوء وقال : امي امي ، كيف أنت يا امي ؟ واتاه الجواب من الداخل : انا بخير يا أويس، ادخل يا بني فقد اشتقت إليك .
ابتسم أويس وهرول تجاة سرير أمه، قبل يدها وطلب منها الدعاء وقال : اشتقت إلي يا امي ؟ لقد تركتك غير فترة قصيرة، صليت فيها العصر في المسجد ثم عدت إليك، ثم قام اويس فجهز طعام الغداء بنفسه علي عجل وعاد الي امه، قالت الام : طبخك لذيذ يا بني، اشتهي دائماً ان آكل من عمل يدك، قال اويس : تأكلين من عمل يدي ومن يدي ايضاً، ثم راح اويس يطعم امه بيده من الطعام الذي صنعه، قالت الام : ألا تأكل انت يا اويس؟ ابتسم وقال : سآكل بعد ان تنتهي يا امي لا تقلقي .
ثم قام اويس الي وعاء ماء ساخن فغسل به يدي امه وفمها ثم دلك لها رجليها وعندما انتهي اتجه صوب كتاب الله فأمسك به واستعد للذهاب الي صحن الدار قرب النخلة الكبيرة، ورفعت الام العجوز يدها الي السماء وقالت : اللهم يارب اني اشهدك واشهد مخلوقاتك اني راضية عن ابني اويس لأنه بار بي فارض عنه وارزقه واشفه من مرضه .
لم تسع الفرحة اويس وهو يسمع امه وهي تدعو له، اتجه نحو الباب وهو يمسك بكتاب الله بيمينه ثم استدار ليقول لأمه : انا قرب النخلة يا امي، سأقرأ شيئاً من كتاب الله، اتريدين مني شيئاً ؟ قالت الام : ارفع من صوتك وانت تقرأ القرآن يا بني، فاني اريد ان اسمعك وانت تقرأ القرآن .
ومع اشراقة شمس اليوم التالي حمل اويس زوادته ودفع امامه قطيع الغنم وذهب الي المرعي، لقد كان اويس يعمل راعياً يرعي غنماً لرجال القرية مقابل اجر قليل وكان هذا الاجر يكفيه ويكفي امه العجوز التي يحبها وتحبه .. بعد قليل مر من جانب المرعي ثلاثة رجال تبدو عليهم آثار السفر.. اقتريا من أويس.. صاح أحدهم فيه بغلظة: أنت.. أيها الأبرص.. نريد أن نشتري منك خروفين.. هيا بسرعة.. فنحن في عجلة من أمرنا.
وحزن أويس.. وقال للرجل برفق: ولماذا تخاطبني بهذه اللهجة يا أخي.. كان الأولى بك أن تسلم قبل أن تبدأ بكلامك الفظ هذا.. تعيرني بمرض ابتلاني الله به وتقول لي يا أبرص .. سامحك الله.. وصاح الرجل الغليظ من جديد، ألا تريد أن تبيعنا خروفين أيها الرجل..؟ ابتسم أويس وقال: الخراف ليست ملكي.. إنما أنا راع أرعاها لأصحابها .. ولا أستطيع بيع واحد منها .
أثرت هذه الكلمات في نفس أويس، فاسرع بالعودة إلى بيته.. استأذن أمه بالدخول فصاحت مستبشرة ادخل يا أويس لكم اشتقت إليك يابني.. وأسرع أويس إلى يد أمه يقبلها.. جلس بين يديها حزيناً صامتاً واستغربت الام ان تجد ابنها حزيناً فسألته عن السبب فأشار الي وجهه وجسمه الذي اصابه مرض البرص فغير لونه، وعرفت الام السبب فرفعت يديها الي السماء وقالت : اللهم انك تعلم ان ابني اويساً من ابر الناس بامه ارضاء لك، فاشفه من مرض البرص الذي غير لون جلده .
وسمع اويس امه وهي تدعو له فانبسطت اساريره وراح يدعو بصوت ممزوج بالبكاء اللهم اشفني من برصي الا موضعاً بحجم الدرهم يذكرني بنعمتك علي، واستجاب الله دعاء الام العجوز الصالحة واستجاب لدعاء اويس ذلك الرجل الصالح ايضاً وخلصه من مرض البرص الا من مكان صغير بحجم الدرهم تحت ابطه لا يراه احد ابداً إلا اويس وامه .