باريس لا تصدر الأمهات الجميلات ، ولا العطور الكثيرة ، ولا لحظات الفرح الكثيرة ، باريس تصدر قصص الحب الكبيرة ، بجوار نهر السين الذي يشبه عينيها غائرٌ وعميق وكريم بالماء ، جسدها النحيل الذي يشبه ساق نبتةٍ وخديها اللذين يسبح فيهما البجع ، ولسانها الذي بُتر منه حرف الراء وتحوّل إلى لثغة جعلها بالكاد تنطق اسمها وتحذف منه حرف الهاء الذي في آخره ، وتقوله سارّ تشد عليه بلسانها وتصر شفتيها المتوردتين حتى تنطقه بأقصى ما يمكنها من وضوح ، كنا جالسين مثل شمس وأنا نبتة أنتحي لها، نورها يجعلني أزهر وحديثها يحول جلسة الاستماع إلى حديقة ممتدة بالفل ، لم أكبح مشاعري حينها و بحت لها بكل الذي كنت أسرّه في صدري ، حبي لها الذي ظلّ مرتبكاً ، و جعلني أقتفي أثرها في كل مكان بالنظر ، وهي تبتسم دون أن تقاطعني ، كانت مثل الشرنقة تتفتح ببطء وتصغي بتركيز، بكيت ثلاث مرات وكلها بسببها ، لغتي الركيكة وفهمها البطيء حولا نصف جلستنا إلى لغة الإشارة كنت أكتب اسمها على الرمل وأشير إلى قلبي ، وهي تبتسم ، كنت مستعداً للتنازل عن تذكرة إيابي للوطن ، وكل أحلامي المبنية هناك لو وافقت على الارتباط بي ، لكنها جعلتني أبكي للمرة الرابعة ، أنت مجرد صديقي جمعتني به الظروف أحببتك كصديق ، وتعاملت معك على هذا النحو ، من أفكر فيه كزوج أقضي معه بقية حياتي لا يشبهك أبداً ، أنت تمتلك روح شفافة وقلب بتول ، أعرف أني حبك الأول لكن الحب وحده لا يكفي ، سأمدك برسائل عيد الميلاد ، وسآتي لزيارتك يوماً برفقة زوجي وأبنائي ، وستكون أنت مضيفنا ، أنت تستحق أكثر مني ، ثم بكيت بعمق هذه المرة ، بلعت دموعي التي صارت كثيرة وبدون فائدة ونثرتها في النهر الذي كنا نغمس فيه أطرافنا ، رجوتها كثيراً أن تفكر و أجابتني بسرعة ، أنا لم أخلق لك ، كانت جميلة جداً وهذا سبب انتكاستي ، أودعتها نهر السين ورحلت بعيداً عنها ولم أتجرأ على التفكير بها مرة أخرى!
لماذا نحول كل صداقاتنا إلى قصص حب ، نتفاجأ في النهاية بأن طرفها الآخر ركن عند اعتبارها كصداقة ومزق القلب الذي نرسمه باتجاهه ، !