وُرودُ المَكانِ إشرافٌ على الدخول وليسَ بدُخولٍ، على المَشهور
تَقولُ العربُ: ورَدْنا ماءَ كذا، إذا أشْرَفوا عَلَيْه ولم يَدْخُلوه. وإِذا بَلَغْتَ إِلى بَلَد ما ولم تَدْخله فقد وَرَدْتَه. فالوُرودُ ليس بدُخولٍ.
أمَّا قولُه تعالى: "ولَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ..." فالمقصودُ بالوُرودِ بُلوغُ أرضِ مَدْيَنَ، من غيرِ الدخولِ في موضعِ الماءِ الذي منه يَسقي القومُ. فالورود وُرودُ الإشرافِ؛ فالمعنى: ولما ورد، أي عندما بلغ بلادَ مدين. وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ عَلى شَفيرِه وحاشيَتِه يَسْقُونَ، وهو بَعيدٌ من الحاشيَةِ والسُّقْيا، ووجدَ مِن دونِ القومِ امرأتَيْنِ، أيْ من الجهة التي وصل إليها قبل أن يصل إلى الأمَّة السّاقيَةِ، فهُما من دونهم بالإضافة إليه، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري: في مكان أسفل من مكانهم. قالَ أهلُ اللغةِ: وفي اللغة وَردَ بَلدَ كذا وماءَ كذا: إِذا أَشْرَفَ عليه، قال أبو إسحاقَ: فالوُرودُ بالإِجماع ليس بدخول.
فإن قال القائلُ: ولكن قد يُشْكل على هذا قولُ الله تعالى: يَقْدُمُ قومَه يوم القيـمة فأورَدَهم النار. وبِيسَ الوِرْدُ المورودُ. فهل نخرجها على هذا المعنى؟ علما أن المقصود من دون شك هو دخول النار، لا مجرد الإشراف عليها. فالجوابُ: أنّ فرعونَ لم يُلقهِمْ في النارِ وإنَّماكانَ سَبَباً لَهم في دُخولها، أمّا الدخولُ فلا فرعونُ ولا القومُ يَلجونَ النارَ بأنفسهم، بل سيقفون على الأبواب حتى تُفتَحَ فيُدخَلونَ، وفي ذلك قال الله تعالى في سورة الزمر: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا» سيقوا بعد أن سبب لهم فرعونُ وأشباهه ما يوجبُ السَّوْقَ « حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا » وصلوا إلى الأبواب ولم يدخلوا بعدُ، « فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى » مُساءلةٌ ومُحاكَمَة لتقريرهم باستحقاق النار، «قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ» ؛ أُدخلوا النارَ بعد الذي كان من إيرادهم وسَوْقهم ومساءلتهم.