فضيلة مبيت الإمام علي (عليه السَّلَام) في فراش النَّبيّ (صلَّى الله تعالى عليه وآله).
الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله تعالى على نبيِّه محمدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، واللعن الدائم على أعدائهم ومغتصبي حقوقهم إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ الحديث عن مناقب وفضائل وشجاعة الإمام عَلِي(عليه أفضل الصَّلَاة والسلام) ليس له حد يحدّه ولا نهاية ينتهي إليها، حتى وإن كتبوا عنه الجن والإنس عجزوا ولم يحصوا هذه الفضائل ولو جزءًا منها.
فروي عن مجاهد عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله: (لو أنّ الرياض أقلاما والبحر مدادا والجنّ حسّابا والإنس كتّابا ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام)([1]).
فمن فضائله ومناقبه وشجاعته ومواقفه التي لم يأتِ أحد بها بعده (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) هي فضيلة مبيته في فراش النَّبيّ الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، عندما تآمر على قتله المشركون، واجتمعوا على ذلك، فطلب النَّبيّ الأكرم (صلى الله تعالى عليه وآله) من الإمام عَلّيّ (عليه السَّلَام) أن ينام في فراشه، فقال له (صلوات الله تعالى وسلامه عليه): (يا أخي ان مشركي قريش يكبسوني في داري هذه الليلة في فراشي، فما أنت صانع يا عَلِيّ؟ قال له أمير المؤمنين: أنا أضطجع يا رسول الله في فراشك، وتكون خديجة في موضعٍ من الدَّارِ، وأخرج واصحب الله حيث تأمن على نفسك)([2]).
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (فديتك يا أبا الحسن اخرج ليّ ناقتيّ العضباء حتَّى أركب عليها وأخرج إلى الله تعالى هارباً من مشركي قريش و افعل بنفسك ما تشاء، والله خليفتي عليك وعلى خديجة)([3]).
فخرج رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) راكباً ناقته العضباء وسار وتلقَّاه جبرئيل (عليه السَّلَام)، فقال له: (يا رسول الله إنَّ الله أمرنيّ أن أصبحك في مسيرك، وفي الغار الذي تدخله، وارجع معك إلى المدينة، إلى أن تنيخ ناقتك بباب أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه)([4]).
فعند وصول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الغار نزل عن ناقته وأبركها بباب الغار ودخل ومعه جبريل (عليه السَّلَام)، ونام الإمام عَلِيّ (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) في فراش رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقيه ويفديه بنفسه من مشركي قريش، ووافى المشركون الدَّار ليلاً فتساوروا عليها، ولمَّا دخلوها وقصدوا إلى الفراش، فلم يجدوا الرَّسول (صلَّى الله تعالى عليه وآله) في الفراش، بل وجدوا من كان يقيه بنفسه، وهو أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) مضطجعاً فيه، فضربوا بأيديهم إليه وتوعدوه بقتلهم إيَّاه .
فنهض أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) ليريهم أنَّهم لم يصلوا إليه، وجلس في الدار وقال: يا مشركي قريش أنا عَلِيّ بن أبي طالب، قالوا له: وأين مُحَمَّد يا عَلِيّ؟ قال (عليه الصَّلَاة والسَّلام): حيث يشاء الله، قالوا: فمن في الدار؟ قال ما فيها إلَّا خديجة، قالوا: الحسيبة النسيبة لولا تبعلها بمُحَمَّدٍ يا عَلِيّ واللات والعزى لولا حرمة أبيك وعظم محله في قريش لأعملنا أسيافنا فيك.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا مشركي قريش أعجبتكم كثرتكم؟ وفالق الحبة وبارئ النسمة ما يكون إلَّا ما يريد الله تعالى، ولو شئت أن أفني جمعكم، لكنتم أهون عَلَيَّ من فراش السّراج، فلا شيء أضعف منه).
فهذا شيء قليلٌ جداً من فضائل أمير المؤمنين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، وجعلنا الله تعالى من أتباعه وشيعته المخلصين بحقِّ محمَّدٍ وآله الطاهرين(عليه وعليهم الصَّلَاة والسَّلَام أجمعين)، واللعن الدَّائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدِّين.