علي بن ابي طالب (عليه السلام) بين تفرُّد الشخصية وتحديات المرحلة
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصَّلَاة والتَّسليم على طبيب نفوسنا وحبيب قلوبنا مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته وصحبه المنتجبين.
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (ت: 40 هـ) من أبرز أعلام التاريخ الإسلامي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يحتار المرء عندما يريد التحدث عن شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهو مدرسة في كل جانب من جوانبه، مدرسة في شخصيته وصفاته، ومدرسة في الدور الذي عاشه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والدور الذي عاشه بعده (صلى الله عليه وآله)، إذ كان دائمًا مجاهدًا صابرًا معطاءً، يقدم للمسلمين أفضل الخدمات، ويضحي بأعلى التضحيات. وحينما ينظر الإنسان إلى شخصية متفرِّدة بحجم الإمام علي (عليه السلام) مع قطع النظر عن الجوانب الغيبية والمعنوية والعدالة المطلقة التي نعبر عنها بالعصمة لعلي (عليه السلام) كما نعتقد، لو أردنا أن نضع هذه الأبعاد جانبا، وتأملنا في شخصية تمتلك حنكة علي وعلمه وحلمه وشجاعته وخبرته، وأخذنا بالنظر طبيعة الظروف والتحولات التي مرت على علي (عليه السلام) في مرحلته التي عاشها إلى حين تصديه لإدارة الحكم في السنوات الأربع الأخيرة من حياته الشريفة، مع أنه تعلم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ نعومة أظفاره، كما أشار إليه (عليه السلام) في بعض خطبه: (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله)، بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه...) . حينما ينظر الإنسان إلى شخص يمتلك هذه القدرات والطاقات والإمكانيات الكبيرة يظن للوهلة الأولى أن هذا الشخص سيتمكن من إدارة الأمور بشكل لابد من أن يكون فيه هذا القائد رجل دولة من الطراز الأول، وتبرز قدرته على إدارة دفة الحكم بأفضل ما يمكن. ولكن حينما نراجع هذه السنوات الأربع فإننا نراها مليئة بالحروب والاضطرابات مع الناكثين والقاسطين والمارقين في النهروان والجمل وصفين. فواجه (عليه السلام) تحديات كبيرة، وقف أمامها بكل شجاعة في إعلاء كلمة الحق بكل معانيها والمتمثلة مع مواقفه الصائبة المنسجمة مع روح الإسلام وحركته، وهذا ما تؤكده النصوص من ناحية والمواقف من ناحية أخرى. فأما النصوص فقد ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) من طرق الفريقين أنه قال (علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة). فالإمام(عليه السلام) وجد نفسه في موقع المسؤولية ومضطرا لخوض مثل هذه الصراعات والتحديات، وقد تحدث في أكثر من مورد بأنه كان مضطرا لمثل هذه المواجهة، ومن أمثلة ذلك عندما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير وألا يرصد لهما القتال، فقال: (وَاللهِ لا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا ويَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا ولَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ). والمعنى الضّبع حيوان معروف بالحمق والعرب تقول في أمثالها أحمق من الضّبع، ومن حمقها أنّ الصّائد يأتي إلى باب مغارها فيضرب بعقبه الأرض عند الباب ضربا خفيفا ، وذلك هو اللدم ويقول خامرى أم عامر مرارا بصوت ليس بشديد فتنام على ذلك فيدخل إليها ويجعل الحبل في عرقوبها ويجرّها فيخرجها . والمقصود إني لا أقعد عن الحرب ولا اؤخّر القتال فيكون حالي مع القوم المشار إليهم حال الضّبع تنام على حيلة صائدها، فأكون قد أسلمت نفسي لهم ويكونون متمكَّنين منّي تمكَّن صائد منها بختله وخديعته ، الإمام (عليه السلام) في هذه الكلمة يريد أن يبيّن نقطة مهمّة، وهي بأن هناك من هو مقبل على الحق، وهناك من هو مدبر عنه معاد له، والمسؤولية التي يتحملها الإمام بما يتقلّده من منصب الخلافة والإمامة أن يحارب هؤلاء المحاربين والمعادين للحق بأولئك المؤمنين المقبلين على الحق. كان علي (عليه السلام)، يمثل الحق كله حسب وصف النبي الكريم (صلى الله عليه وآله)، لذلك السبب قتل من أجل القضاء على مشروع الحق بتواطئ زمر الشر على أن لا تبقى للحق راية تخفق أو يدا تطول فتصلح أو صوتا يدوي ويكشف الظالمين والمنحرفين، فاغتيل (عليه السلام) وهو في أفضل ساعة إذ يقوم بين يدي الله سبحانه في صلاة خاشعة. ان اغتيال أمير المؤمنين (عليه السلام) انما هو اغتيال للإنسانية جمعاء، اغتيال للإيمان کله.. اغتيال لفکر وعقيدة رسول الله (صلی الله عليه وآله )، ولهذا لم تستهدف الجريمة رجلًا کباقي الرجال، إنما استهدفت أمل رسول الله (صلى الله عليه والة) والقيادة الإسلامية بعد رسول الله (صلی الله عليه وآله) ،السلام عليك يا أبالحسن يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيَّا.