.....حُبَيباتٌ..

_ ولكَ ،وأنتَ كَعادتِكَ، تَسيرُ في خَراجِ البلْدةِ، حيثُّ السَّائرون والسَّائراتُ، والعاشقون، والعاشقاتُ، أنْ تُلبّيَ نداءً غريباً عجيباً يَتَناهى بصَمْتٍ إلى سمْعكَ، فلا تُناقشُهُ ولا تَتَقصّى أسْبابَه!إنّها حبّاتُ "التّوتِ" وقد تَزاحَمَتْ على أغصانِها كما تَزاحَمَتْ عليها الألوانُ، بين أبيضَ، وأحمرَ، وما يميلُ منها إلى الصُّفْرةِ .

_ وما إنْ تمدَّ إليها أصابعَكَ، حتّى تُلقيَ بنفسِها سريعاً بينَ يَديْكَ وشَفَتيْكَ، وبِسلاسةٍ حُلوةٍ طيّبةٍ، تَنزَلِقُ في فمِكَ ، لِتفْسحَ لأخواتِها الحَبيباتِ مكاناً يليقُ بِطعمِها، وليسَ لها أنْ تَنتظرَ! واحدةٌ وراءَ واحدةٍ ،والعملُ قائمٌ. والعمّالُ يدٌ تَقطفُ ،وفمٌ يَتناولُ، وعينانِ تَرْقُبانِ بِحِراسةٍ مُشدّدةٍ، قد تُضْعفُها هبّةٌ مِنْ نَسائمَ، أو حَرَكةٌ غيْرُ مُواتيةٍ، فتجعلُ الحبّاتِ تَسقطُ دونَ إذنٍ منكَ ،هنا وهناكَ! ومع سُقوطِها، تَبتسمُ أنتَ، ولا تُبالي، فإنّ الخيرَ كثيرٌ.

_ وتَضيعُ الهَيْبةُ، لِتَبتسِمَ مَرّةً ثانيةً، وأنتَ تَرى نفسَك مُلاحِقاً حَبّةً اسْتطالتْ، وانْتفخَتْ، وتَلوّنَتْ ،وعليكَ، أنْ تأتيَ بها، حينَ تُصَعِّدُ يَميناً أو يَساراً، وتَضَعُ قدَمَك في مكانٍ غيرِ مُستوٍ، لا تَعرِفُ إنْ كنتَ سَتَسْقطُ منه، أو سَيسْتقبلُكَ بِراحَةٍ تُرضيكَ، فتُصبحُ مُطْمَئِنًّا.

_ وتتصوّر نفسك، وقد تفتقت أزرارُك، إثرَ سقطةٍ، أو عثْرة بجُذيْعٍ، أو غصنٍ،وتَرى نفسَك ضاحكاً من دُبُرٍ أو قُبلٍ، وتُصبحُ كالّذي جاءَ بِأمْرٍ مُنْكَرٍ، مَطيّةً إمّا لِسُخْريةٍ مُهذّبةٍ، أو لِضَحِكاتِ مُبَطّنَةٍ !

_ وفي الحالَيْن تَضْحكُ، أنتَ على نفسِكَ لاعناً" الدَّناءَةَ" في حبِّ شجرةِ التّوتِ، وتَحمدُ اللهَ على أنكَ خَرَجْتَ على خَيْرٍ، وقد عَلِقَ على أَصابعِكَ زُلالٌ سُكّرٌ، وعلى ثيابِكَ شيءٌ مِنْ قَشٍّ أو بقايا مِن ورَقٍ يابسٍ، تَنفُضُها على مَهْلٍ، وتَروحُ تَلْحَسُ أَصابعَك فلا يَبقى ٌ سِوى ما تَراكَمَ في المَعِدةِ من أثَرِ نَهَمٍ أو جَشع..









عبد الله سكرية .