في منهج البحث العلمي تُكتشف الظاهرة، ثم تُوصف، ثم تُفسر، ثم تُتوقّع، ثم يُسيطر عليها. خمس مراحل ينهجها كلها البحثُ العلمي الطبيعي، ويعجز عن رابعتها وخامستها البحثُ العلمي الإنساني، بما يعوقه عنهما من عوائق طبيعة الظاهرة الإنسانية في نفسها وعلاقة الباحث بها، ويكاد يعجز عن الثالثة لولا اجتهاد الباحثين الذي أتاح لهم وضع نظريات مختلفة، تدل بوجودها على مبلغ هذا الاجتهاد، وباختلافها على مبلغ ذلك التَّعْوِيق.
إن ظهور النظرية علامة اكتمال التفسير الصحيح الناجح؛ فما هي إلا فَرْضٌ علمي يُؤَلِّفُ بين عدة قوانين، على مبدأ واحد يُنْطَلَقُ منه إلى الاستنباط، وكل قانون من قوانينها إنما هو قاعدة مُلْزِمة تعبر عن طبيعةِ شيءٍ ما، لِتَكونَ المعيارَ الذي ينبغي أن يلتزمه هذا الشيء.
وقد ظهرت في أثناء تلك المرحلة الثالثة من منهج البحث العلمي العروضي الكلي (مرحلة التفسير)، "نَظَرِيَّةُ النَّصِّيَّةِ الْعَرُوضِيَّةِ"، فألفت بين تسعة قوانين ("قانون المَجال"، و"قانون الطُّول"، و"قانون الفَصْل"، و"قانون الفِقْرة"، و"قانون الجُمْلة"، و"قانون التَّعْبير"، و"قانون الكَلِمة"، و"قانون المَقْطَع"، و"قانون الصَّوْت")، على مبدأ واحد (طبيعة وجود القصيدة)، ينبغي أن ينطلق منه طالب علم الشعر، وأن يدور عليه.
وانتظمت في سلك هذه النظرية قرابة ثلاثمئة كلمة دالة على مفهوم علمي، بين ما اصطُلح عليه من قبل وما يُرجى أن يُصطلح عليه من بعد. وإن ثلاثمئة مصطلح في ثماني صفحات -وإن كانت من القطع الكبير - لكثير يؤكد ما اشتهر به علم العروض من قديم إلى حديث -حتى ثقل على بعض العروضيين أنفسهم بله غيرهم- من التدقيق الخليلي الرياضي الشديد، الذي لا يترك مفهوما كبيرا ولا صغيرا، حتى يميزه!