"أطفال المقالع" الوجه الأقبح لعمالة أطفال العراق
عمالة الأطفال من الظواهر القديمة في المجتمع العراقي، لكنها زادت استفحالا في السنوات القليلة الماضية في ظل غياب تطبيق القوانين والتشريعات. وتعد عمالة الأطفال لجمع النفايات وفي مناطق الطمر الصحي أسوأ وجه لهذه العمالة.
ارقام مخيفة عن عمالة الاطفال في العراق
"منذ عامين وأنا اعمل في هذا المكان بعد ان قتل والدي وتم تهجيرنا من منزلنا"، هذا ما قالته الطفلة ابتسام حسين علي، والتي تعمل في إحدى مناطق الطمر الصحي (مكان جمع النفايات) التابع لمدينة الصدر ببغداد، بعد أن دفع الفقر والحاجة الماسة إلى المال عائلتها في ظل غياب المعيل، إلى إرسالها للعمل.
وتضيف ابتسام، (10أعوام)، التي تقضي معظم نهارها في البحث وجمع زجاجات المشروبات الغازية لغرض بيعها، "أخرج إلى العمل من الصباح الباكر مع والدتي لأساعد عائلتي المؤلفة من ستة أفـراد بجزء يسير من تكاليف المعيشة الصعبة، التي باتت تثقل كاهلنا وسط الارتفاع المستمر للسلع الغذائية وغيرها من متطلبات الحياة الضرورية".
الحاجة إلى المال سبب الظاهرة
كرار حمزة شاكر، هو الأخر احد ضحايا عمالة الأطفال في بغداد، والذي يعمل على جمع الأشياء والحاجيات التي تأتي بها سيارات القمامة من المناطق المختلفة لغرض بيعها وتوفير جزء يسير من تكاليف المصروف اليومي للعائلة على حد قوله في حديثة مع دويتشه فيله: "بعد ان توفي ابي وجدت نفسي المعيل الوحيد والمسئول عن رعاية نفسي ووالدتي المريضة".
ويضيف شاكر، الذي لا يعرف كم يبلغ من العمر، بانشغاله بإزاحة النفايات لغرض استخراج ما فيها من مواد يكسب منها لقمة عيشه بعد بيعها من علب معدن الألمنيوم و البلاستيك والنحاس وغيرها من المواد الأخرى، "يعتبر هذا المكان المصدر الوحيد الذي اكسب منه قوتي اليومي، كما أتعرض إلى الضرب في بعض الأحيان من الأكبر مني سناً بسبب اقترابي من الأماكن التي يدعون بأنها خاصة بهم". منوهاً إلى أن "درجات الحرارة في هذا المكان تصل إلى أعلى درجاتها في أيام الصيف الجاف".
"قنبلة مؤقتة" تهدد المجتمع
الفقر والحرمان دافع اساسي لازدياد ظاهرة عمالة الاطفال
وعن خطورة هذا الظاهرة يرى المختص في علم الاجتماع بجامعة بغداد، الدكتور صبيح عبد المنعم احمد، في حوار مع دويتشه فيله، قائلاً: إن "عمالة الأطفال في مكب النفايات من اخطر الظواهر التي يتحتم على الدولة محاربتها واقتلاعها من جذورها بشكل تام، لكي لا تصبح مهنة مميزة في المجتمع ويتجه أليها العديد". ويبين الدكتور، بان لهذه الظاهرة خطورة كبيرة تكمن في سلوك الطفل وتصرفاته مستقبلياً واصفاً إياه أشبه بــ "قنبلة مؤقتة" التي تهدد المجتمع في المستقبل بسبب الانطباع والسلوك العدائي او الانتقامي الذي يحمله الطفل اتجاه الآخرين، على خلفية عقبة النقص التي يشعر بها جراء نظرة المجتمع "الاستخفافية" أليه. على حد تعبيره.
ويضيف احمد، إلى أن "حلول هذه الظاهر يتم من خلال تدخل الدولة الفعلي والمباشر في تطوير المشاريع التنموية، ووضع ذوي الاختصاصات في الأماكن المناسبة لإدارة هذه المشاريع".، لافتاً إلى : "ضرورة تفعيل التشريعات والقوانين التي تحد من هذه الظاهرة ومعالجتها، وكذلك دراسة مشاكل هؤلاء الأطفال والعوامل التي دفعت بهم إلى امتهانها هذه المهنة". وعن أسباب تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال في البلاد، أوضح أحمد أن "الفقر الذي تعانيه بعض الأسر وكذلك عدم وجود رغبة الأطفال في دخول المدارس أو التسيب منها، من أهم الأسباب التي أدت إلى تفاقم هذا الظاهرة واستفحالها في المجتمع".
أما عن دور منظمات المجتمع المدني التي تعنى بحقوق الطفل، يقول نائب رئيس منظمة النور للتنمية وحقوق الطفل في بغداد، إلى انه "تقدر عمالة الطفل في منطقة المعامل التابعة لمدينة الصدر شرقي بغداد، بـ (25%) من مجموع الأطفال البالغ (6.5) ألاف وممن تتراوح أعمارهم مابين الـ 5 إلى 14 سنه وذلك خلال إحصائية أجرتها المنظمة".
ويضيف، علاء كاطع الفريجي، بان "هذه النسبة موزعة على أوجه مختلفة من العمالة كالعمل في الشوارع والمعامل والمصانع والنفايات وضحيتها هم الأطفال الذين فقدوا ذويهم بسبب موجة العنف الدامية التي اجتاحت العراق بعد عام 2003، بعد ان دفع الفقر والحاجة الملحة للمال عائلاتهم لإرسالهم إلى العمل".
ويبين الفريجي، سبب تفاقم هذه الظاهرة يعود إلى: "عدم اهتمام المسؤولين العراقيين من البرلمانين وهيئة رعاية الطفل بمستقبل الطفولة في البلاد، وعدم إحساسهم بما يعاني هذا الطفل من ضغوط نفسية ومخاطر يومية أثناء العمل".
فيما ذكرت مديرة هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أن عمالة الأطفال من الظواهر الخطرة جداً والتي تهدد واقع الطفولة في المجتمع العراقي، مبينة أنها مسألة "كبيرة ومعقدة لتداخلها مع ظواهر أخرى".
تشريع القوانين وتفعيلها حلاً للظاهرة
هل يستطيع القانون ان يحمي البراءة في العراق
وقالت الدكتورة عبير مهدي الجلبي في حديث للدويتشه فيله إن "القضاء على ظاهرة عمالة الاطفال في البلاد يجب ان يتم بتدخل الدولة المباشر من خلال تفعيل التشريعات الحديثة التي تتناسب مع العصر الحديث". وأضافت الجلبي أن "بعض الحلول تتمثل بتوفير فرص العمل للعاطلين وشمول اكبر عدد ممن تنطبق عليهم شروط الحماية الاجتماعية فضلاً عن تدخل وزارة التربية العراقية بتفعيل قوانينها ومحاسبة أولياء الأمور الذين لا يرسلون أطفالهم الى المدارس".
وأوضحت أن "هناك العديد من مشاريع القوانين التي تعمل عليها الهيئة وبالتنسيق مع السفارة الدنماركية في بغداد التي وضعت معنا سياسة مشتركة لمعالجة هذه الظاهرة والحد منها من اجل حماية الطفولة في العراق".وتابعت بالقول إن "هذه السياسة سوف تحدد اسباب مشاكل هذه الظاهرة وعوامل تفاقمها وعندها سنضع الآليات لمعالجتها"، مشيرة إلى أنه "نقف أحياناً عاجزين عن معالجة مثل هذه الظاهرة كونها خارجة عن أرادتنا".
وأكدت على أن "من أهم اسباب تفاقم ظاهرة عمالة الاطفال في العراق تعود إلى "تدني المستوى الاقتصادي لبعض الأسر في ظل غياب المعيل (رب الأسرة) مما تضطر بعضها إلى إرسال أبنائها إلى العمل لمساعدتها بجزء يسير من تكاليف المعيشة الصعبة". وكشفت الجلبي عن عدم وجود إحصائيات دقيقة بشأن عدد الأطفال العاملين في مناطق الطمر الصحي (النفايات) خصوصاً وعمالة الأطفال بشكل عام، "لعدم وجود قاعدة بيانات تحدد عدد الأطفال العاملين"، على حد قولها.
يذكر ان منظمة اليونيسيف قدرت في عام 2008 نسبة العمالة بين الأطفال إلى 11% من الأيدي العاملة، وبحسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء في مسح أجراه في عام 2009 فأن هناك مليون و447 إلف طفل يتيم في العراق.
وكان الدستور العراقي الذي اقر عام 2005 قد أعطى حقوق الأطفال وجاءت في المادة 29 من الباب الثاني في الفقرة الثالثة منه انه يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصورة كافة وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم، كما جاء في المادة 30 في الفقرة الأولى منها كفالة الدولة للفرد والأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة كريمة تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الدائم.
يشار إلى أن الحروب التي تعاقبت على العراق خلال نظام الرئيس السابق صدام حسين، وصولاً إلى أعمال العنف المسلحة التي شهدها العراق بعد عام 2003 خلفت عددا كبيرا من الأيتام والأرامل.