،،،،
《جحيم في القطب》
بقلم: أوليفيا جودسون
عدسة: كارستن بيتر
تأوي هذه الخيمة الفريدة شخصين يستلقيان داخل كيسين للنوم يفصل بينهما صندوق كبير، وموقد غاز من نوع بريموس، وإناءان عازلان للحرارة، وزوجان من الأحذية الثقيلة. وفي هذا الجو القارس جدا، لا يمكن للمرء أن يقرأ، حتى لو وضع يديه داخل قفازين، فالجو شديد البرودة لدرجة أن المرء لا يقوى على حمل كتاب. ولذلك يبدد ساكنا الخيمة، وأنا أحدهما، الوقت بتجاذب أطراف الحديث.
سألت رفيقي وأنا أنفض غبار الثلج عن كيس النوم "ما هي الجراثيم المفضلة لديك؟".
فأجابني كريغ هربولد -وهو أميركي في الثلاثينات من عمره، يهتم بالموسيقى الإلكترونية اليابانية وعلم الأحياء الفلكي، أي دراسة نوع الحياة الذي قد يوجد في أماكن أخرى من الكون-قائلا " إنها الجراثيم الآحادية البدائية". ورفيقي هذا باحث في دراسات ما بعد الدكتوراه في جامعة وايكاتو في نيوزيلندا، وهو العضو الأصغر سناً في فريق من ثلاثة أفراد جاؤوا إلى هنا للبحث عن الحياة في التربة الحارة للبركان.
وبالفعل فلقد جاء إلى واحد من أبرد الأماكن في العالم بحثاً عن كائنات حية تعيش في الحر.
وجبل إيريبوس هو أنشط براكين النصف الجنوبي لكوكب الأرض. وقد بدأ يتشكل قبل نحو 1.3 مليون سنة خلت ويرتفع الآن 3794 مترا عن سطح البحر، ويغطي سفحه الثلج والجليد والطبقات المتجمدة وأحيانا صهارة الحمم البركانية؛ فترى البخار ينبعث بين الفينة والأخرى من قمته. ولو جاز تشبيه جبل إيريبوس بوجبة تحلية، لكان أقرب إلى الوجبة المعروفة بـ "العجة النرويجية" التي تكون متجمدة في أطرافها وساخنة في قلبها.
وقد اكتُشف الجبل عام 1841 خلال رحلة استكشافية قادها السير جيمس كلارك روس، ومنحه اسم واحدة من سفينتيه التابعتين للبحرية الملكية البريطانية: إيريبوس، التي سميت بدورها كذلك نسبة إلى إله الظلام البدائي لدى الإغريق. (أما سفينة روس الأخرى "تيرور" فقد أطلق اسمها على بركان صغير خامد يقع بجوار إيريبوس). ولم يبلغ أحد قمة إيريبوس حتى عام 1908، عندما تسلق الجبلَ أعضاء من بعثة "نمرود" التي قادها السير إرنست شاكلتون- وهي الرحلة الاستكشافية التي قاد فيها فريقا لمسافة 185 كيلومتراً للوصول إلى نقطة القطب الجنوبي لكنه تراجع عن تحقيق هدفه حفاظا على أرواح البعثة.
وصعد فريق شاكلتون إلى إيريبوس، واستغرقهم ذلك خمسة أيام ونصف يوم، صادفتهم خلالها عاصفة ثلجية قوية لزموا فيها أكياس نومهم لأربع وعشرين ساعة متواصلة من دون الحصول حتى على رشفة ماء واحدة، كما تعرضوا لدرجة حرارة بلغت 34 مئوية تحت الصفر، ما أدى إلى انهيار أحدهم جراء الإعياء الشديد، فيما أصيب آخر بحالة تجمد شديدة وانتهى به الأمر بفقدان أحد أصابع قدميه.
أما رحلتنا نحن فكانت أقل قسوة: فقد ذهبنا إلى الجبل على متن مروحية.
،،،،