(بنكهام) رحاله انكليزي زار ايران عام 1817 وابحر من مياه بوشهر الى الهند بمهمة خاصة كلفته اياه شركة الهند الشرقية وابحر من بومبي الى الخليج العربي وصولا الى البصرة وقد كتب عن رحلته هذه كتابا اسماه (رحلات الى ميديا واشور) طبع عام 1830 يصور فيه رحلاته تلك التي استغرقت اكثر من ثلاثة اشهر .
وقد عقد فصلا في كتابه هذا عن البصرة واصفا اهميتها التجارية كميناء رئيس في الخليج العربي ونشر جعفر الخياط موضوعا حول هذا الفصل في العدد الثاني من مجلة المعلم في شباط (فبراير) 1967 التي كانت تصدرها نقابة المعلمين في البصرة مشيرا الى وصف (بنكهام) للبصرة بانها محيطة باسوارها المبنية باللبن غير الشوي في مربع متطاول طوله ما بين شرق الشمال الشرقي وغرب الجنوب الغربي ، ولعل اهم النقاط التي يستفاد منها في ذلك الموضوع ما يلي : كانت اسوارها غير منسجمة او متناسبة في نظر الزائر الغريب ولهذه الاسوار خمسة ابواب كبيرة هي : باب المجموعة ، وباب السراجي ، وباب الزبير ، وباب الرباط بالقرب من المقام ، وباب بغداد المؤدي الى مركز المدينة مباشرة حيث يزدحم السكان وتتكاتف البيوت للمدينة ثلاثة جداول كبيرة تتفرع من شط العرب وتخترق اجزاءها المختلفة فيستفاد منها لري الاراضي المحيطة بالبلدة ونقل البضائع والسلع مع سد حاجة السكان ويقصد انهر الرباط والعشار والسراجي . ووصف بنكهام ظاهرة المد والجزر المعروفة في تلك الانهر والتنقل بواسطة الابلام الصغيرة فيها واشار الى وجود القفف التي عرفها العراقيون والى زورق خاص لشحن الاحمال الثقيلة فيما كان يطلق عليه (الدونلق) كان الداخل من شط العرب في العشار او النهر الاوسط كما يسمى متجها الى البصرة القديمة يمر من صدر ضيق للنهر تقوم في يسراه قلعة مدورة الشكل ومسجد له منارة صغيرة من الجهة اليمنى ولاشك انه يقصد بذلك جامع المقام الحالي ويشاهد الداخل بعد ذلك عددا من البيوت والابنية في جهتي النهر ، الابنية على الجهة اليسرى كانت عبارة عن سكلات للخشب والالواح في الغالب ومخازن كبيرة للحاجات المطلوبة لبناء السفن والزوارق وكان يوجد فيها جهة المقام مبنى دائرة الكمارك ومقهى مع عدد من المساكن وان الضفة اليمنى من صدر العشار سميت بالمقام لان قائممقام البصرة كان يقيم فيها ، اما الضفة المقابلة او اليسرى فكانت تسمى بالمناوي . كانت البصرة في عهد حسين باشا بن علي باشا تبعد عن الشط مسافة ميلين وكانت المناوي قرية منعزلة تقوم مقام الميناء الذي ترسو فيه السفن غير ان باشا عمد الى تمديد سور البصرة الى حد شط العرب او داخل قرية مناوي ضمنه ثم حصنت المناوي بعد ذلك بسور حصين يدور حوله . كان الداخل الى البصرة القديمة من شط العشار يجد على طول الضفتين طريقين عامين يمتدان الى المدينة نفسها وبجانب الطريق من الجهة الشمالية كانت تمتد البساتين المكتظة بالنخيل وغيرها من الاشجار الى مسافة تزيد على نصف ميل وكانت بيوت البصرة القديمة تحتشد في الجهة الجنوبية و على مسافة ميل ، يقع المكتب التجاري البريطاني كانه قلعة مدورة تطل على نهر العشار بشبابيكها المقوسة وبابها وحرسها وسارية علمها بعد دائرة الكمارك مباشرة كان يمتد جسر يؤدي من باب بغداد وكانت هناك مساحات تزرع بالقمح والرز والنخيل وبالنظر لشدة الحاجة الى الاحجار فان اسوار البصرة ومعظم بيوتها مبنية باللبن المجفف بحرارة الشمس اما الابنية المبنية بالطابوق المفخور فهي لا تتجاز اصابع اليد مثل بناية السراجي وبناية المكتب التجاري البريطاني وبعض البيوت العائدة الى الاثرياء . عدد نفوس البصرة كان يختلف باختلاف الازمنة ما بين 500 الف و 50 الف نسمة وقد نزل العدد الى الحد الادنى على اثر الطاعون الذي داهم المدينة عام 1773 فذهب ضحيته 300 الف نسمة ، وكان من سكنة البصرة الاتراك والارمن والايرانيون واليهود والهنود والمسيحين الكاثوليك والصابئة وبعض الاكراد وتخص الطبقات العليا من السكان العرب بالاعمال التجارية والطبقات الدنيا تتالف من عمال وفلاحين ، وكان اغلب الاتراك موظفين في دوائر حكومية . كان متسلم البصرة من اهلها لكنه من اصل تركي ونظرا لبقاءه عدة سنين في اسطنبول واشتراكه في عدة حروب جرت مع الروس فكان يعد تركيا لاعربيا وكان الموظفون المحيطون به من اسر تركية في الغالب من المولودين في مدن اخرى مثل الموصل وبغداد وكركوك وكانوا يحتفظون بلباسهم التركي وبالرغم من قلة عدد الاتراك فانهم كانوا يسيطرون على المدينة بقوة بمساعدة عدد قليل من الجنود الكرج والكرد والعرب والايرانيين ويقدر الخيالة منهم بحوالي 1500 خيال ، وكان المشاة يؤلفون خمسة سرايا تتكون كل واحد منهما 100 حامل بندقية وكان هناك خمسون من احسن حملت البنادق اختيروا حرسا خاصة للمتسلم ويتميزون بلباس خاص يتالف من ستر حمراء وسراويل زرقاء وعمائم بيضاء لا يتجاوز عدد الارمن في البصرة حينذاك 50 اسرة وكانوا من قبل اكثر من هذا العدد بكثير وكانوا يمتهنون المهن المالية والتجارية في الغالب وهم امناء ونشطاء في مهنهم وكانت لهم كنيسة صغيرة ، اما اليهود فيقدرون بـ100 اسرة يمتهنون التجارة واعمال السوق والنصارى الكاثوليك اقل عدد منهم بحدود 20 اسرة بينهم نازحون من حلب وبغداد وكانوا يتعاطون التجارة ايضا لهم وكانت هناك كنيسة ترتبط بمستشفى الكرملين في البصرة ، تتالف طائفة الصابئة من 30 اسرة وهم يلبسون لباس العرب ويتزينوا بالزي العربي ومركزهم الرئيس القرنة التي يقيم فيها رئيسهم الديني من 100 من اسرهم وكان فيها سوق الشيوخ والاحواز وشنشر ودزفول . وكان الهنود المقيمين في البصرة من طائفة رسبانيان في الغالب ويشتغلون تجارا ودلالين ووكلاء استيراد وهم مثل الارمن يتمتعون بتقدير المقيم البريطاني فيها وحمايته ومعظمهم له علاقة بشركة الهند الشرقية ومكتبه التجاري البريطاني وان الجنود المسجلين للمكتب المذكورين كانوا من الهندوس ويبلغ مجموع الهنود كلهم حوالي 100 شخص . اما المكاتب التجارية الاوربية في البصرة لم يبقى منها حينذاك سوى المكتب الفرنسي والمكتب البريطاني . والمكتب الفرنسي لم يبقى فيه سوى العلم الابيض لان البارون فيكور الذي كان مسؤولا عنه يقيم في بغداد وتوجهت باخرتان من جزيرة موريشيوس لتزويده بالبضائع لكن مصيرهما كان مفجعا لهجوم القواسم القراصنة في راس الحد عليهما وقضوا عليهما . يرجع منشأ المكتب التجاري البريطاني الى زيارة السفن الانكليزية الى البصرة عام 1640 وان بنايته قد تبدلت عدة مرات بين وسط البصرة والمعقل والطرف الجنوبي من نهر العشار . وكانت المؤسسة العائدة لشركة الهند الشرقية نفقات تنفق عليها تصل الى حوالي 500 جنيه استرالي في السنة من مهماتها تامين ايصال البريد بسلامة خلال الحرب وحماية التجار القادمين من الهند .
المصدر جريدة البصرة الالكترونية