الحجاج في البلاغة القديمة
1- مقدمة
يُعد الحجاج من أهم المواضيع التي أنتجتها الدراسات البلاغية القديمة والحديثة، نظرا لأهميته في حياتنا اليومية؛ لأنه يفيدنا عندما ندافع عن قضية من القضايا، أو عندما نترافع عن شخص نبحث عن براءته، أو نريد البرهنة عن قرار اعتقدناه صحيحا، أو للترويج لمنتوج تجاري يحتاج منا إلى الدعاية والإشهار .
2- تعريف الحجاج لغة واصطلاحا
الحجاج في اللغة من مادة (ح . ج . ج) و جاء في لسان العرب لابن منظور )الحُجة: البرهان، وقيل الحُجة ما دُفع به الخصم؛ والحجة الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة ) وقال الأزهري: الحُجة: الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة، وهو رجل محجاج أى جدل، والتحاج: التخاصم؛ وحاجه محاجة وحجاجاً: نازعه الحجة.
ومن خلال هذه التعاريف يتبين لنا بأن الحجاج لا يخرج عن هذه المعاني:
(التخاصم، التنازع، التغالب، استعمال الوسيلة المتمثلة في الدليل والبرهان).
أما في الاصطلاح (هو تقديم الحجج والأدلة المؤدية إلى نتيجة معينة، وهو يتمثل في إنجاز تسلسلات استنتاجية داخل الخطاب) وبعبارة أخرى (يتمثل الحجاج في إنجاز متواليات من الأقوال، بعضها هو بمثابة الحجج اللغوية، وبعضها الآخر هو بمثابة النتائج التي تستنتج منها) .
والحجاج أنواع: هناك الحجاج اللغوي عند أزفالد ديكرو، والحجاج البلاغي عند شاييم بيرلمان، والحجاج المنطقي عند جان بليز غريز، والحجاج التداولي الجدلي عند فان إيميرين ....إلخ
وقد اختلف الدارسون في تناول الحجاج باختلاف اهتماماتهم، فالبلاغيون التقليديون اعتبروه مكونا أساسيا من مكونات الخطاب؛ ويتشكل بتشكله وتتغير وظائفه وطرقه الاستدلالية بتغيره، غير أن البلاغة القديمة سواء اليونانية أوالعربية قد تناولته من زاوية ضيقة وهي زاوية مقامات السامعين والهيئة التي على الخطيب أن يكون عليها والدعائم التي ينبغي التركيز عليها في خطابه.
3- تاريخ الحجاج
يعود الحجاج إلى السفسطائيين الذين اعتمدوه وسيلة للظفر بالخصم ودحض حججه وإقناعه؛ حيث في ظل الأوضاع السياسية لليونان وبعد أن طرِد الحكامُ الجبابرة، طالب المواطنون باسترداد ممتلكاتهم وأراضيهم، فاحتاجوا إلى من يدافع عنهم و ينطق بلسانهم، و في هذه الظروف ظهر السفسطائي الصقلي الشهير (Corax كوراكس) الذي وضع مشروع خطابة، يراعي فيها الأسلوب الإقناعي الذي يؤثر في القاضي لتحقيق المصلحة، فحدد الأقسام الخمسة الكبرى التي مثلت التقسيم النموذجي للخطبة، فتحدث عن الاستهلال والقص والاحتجاج والاستطراد والخاتمة، غير أن أفلاطون انتقد السفسطائيين في محاوراته؛ وكشف زيف أطروحتهم الحجاجية المعتمدة على اللعب باللغة من خلال أطروحته المضادة التي تسمى (استراتيجية الكشف).
وسار على منواله تلميذه (أرسطو) الذي أنزل مثالية أفلاطون من السماء إلى الأرض؛ وهو الذي ميز بين الجدل والخطابة، واعتبر أنهما يخدمان القول والمخاطبة؛ لما لهما من قواسم مشتركة؛ واعتبر الحجاج مفخرة الخطباء والنواة المركزية لكل خطابة بل لكل خطاب.
أما في مدونتنا البلاغية فإن البلاغيين العرب من أمثال الجاحظ وابن وهب الكاتب وغيرهما؛ قد استفادوا من الحجاج من خلال ترجمة الأرسطيات؛ ووظفوه لخدمة الفقه والنحو وعلم الكلام وعلوم القرآن ...
وارتبط الحجاج بشكل خاص بالبلاغة، لما لها من دور كبير في إقناع المتلقين؛ باعتبار الإقناع مقصدا هاما من مقاصد البلاغة لارتباطها (بالاستدلال والإقناع بالوسائل المنطقية والخطابية) .
4- مكونات الحجاج
أ- المُحاجِج: هو الطرف الذي يسعى إلى إقناع المتلقي
ب- المحجوج: هو الطرف المقصود بعملية الحجاج
ت- الموضوع: هو القضية التي يدور حولها الحجاج .
جـ- الأطروحة: وهي نوعان:
- الأطروحة المدافع عنهـا: وهي وجهة نظر المحـاجج في الموضوع.
- الأطروحة المدحوضة: وجهة النظر التي يعمل المحاجج على تفنيدها.
د- الحجج: الآراء والأقوال التي يستند إليها المحاجج لفرض رأيه
هـ- الأمثلة: الشواهد المساعدة على التوضيح لدعم الحجج.
5- وظائف الحجاج
أ- الوظيفة الإقناعية: تغييـر وجهة نظر المتلقي وجعله يقاسم المحاجج رأيه
ب- الوظيفة السجالية: إرباك المحجوج لحمله على السكوت
ويقوم الحجاج في الحالتين إما على مخاطبة العقل بالمنطق وتسلسل الأفكار أو على مخاطبة الوجدان وتحريك المشاعر والأحاسيس.
6- ملحوظة :
ليس هناك حجاج نموذجي ناجح بإمكانه إقناع الجميع؛ لأن الحجاج يخضع لظروف الملقي واندماجه في خطابه وطبيعة المتلقي والسياق الذي أنتج فيه الخطاب الحجاجي.