TODAY - October 04, 2010
الشركة العراقية تؤكد أنها ستكمل المشروع.. ومركز صناعة النفط لا يمتلك تخصيصات
البصرة يائسة من جسر وحيد يربط ضفتيها.. وأميركا تسحب دعمها لإنشائه
البصرة ـ وحيد غانم
ظل مركز مدينة البصرة التاريخي "العشار" ينمو ببطء على ضفة واحدة من شط العرب طيلة القرون الماضية، لكنه المدينة بدأت تتوسع منذ مطلع القرن الماضي بوتيرة متسارعة، الى الضفة الاخرى، بشكل غير عملي لأن جانبي تلك المنطقة الحيوية تجاريا وملاحيا، لم يرتبطا بجسر يليق بالحركة الكثيفة بين الضفتين.
ويعيش الاهالي هذه الايام احباطا كبيرا بعد اعلان فشل مشروع انشاء جسر حديدي حديث بمنحة اميركية، والانكى ان قصة هذا الفشل ظلت بلا تفسير، فالعراقيون يلومون الاميركان، وهؤلاء يلقون باللائمة على اولئك، والمدينة الثرية وهي واحدة من اهم مراكز صناعة النفط والتبادل التجاري في الشرق الاوسط، تبكي على جسر واحد يربط بين ضفتيها، وتكتفي بالعبور بواسطة الزوارق او على جسر عائم مكتظ بالمشاة والسيارات، حيث يتطلب منك الانتقال من ضفة الى اخرى اكثر من ساعة.
ويبدو قضاء "شط العرب" (التنومة) الذي يقع قبالة كورنيش العشار، الطرف الاكثر تضررا من غياب الجسر، رغم ان العشار نفسه مختنق ويحتاج الى التمدد عبر مرافقه الترفيهية والخدمية والتجارية الى الضفة الاخرى، حسب عضو المجلس المحلي في القضاء، زهير نيسان نايف.
ويضيف نايف في حديث لـ"العالم" ان البصرة تنتظر منذ عقود رؤية جسر ثابت أو معلق يربط ضفتي الشط ليحيي مساحات من الأراضي تمتد شرق المحافظة من الشلامجة المعبر الحدودي مع ايران، حتى السويب شمالا، وهي منطقة يسكنها حوالي ربع مليون نسمة.
نايف يتحدث بحزن عن الجسر "الاميركي" المتلكئ قائلا "لم يتم الأخذ بآرائنا او يكون لنا دور في المشروع ثم فوجئنا بتوقف العمل وضياع الآمال".
المدينة التي تعايشت عقودا مع جسر عسكري عائم مهلهل، سمعت من الحكومة المحلية السابقة حديثا عن "جسر معلق" مثل الموجود في بغداد او محافظات اخرى، لكنها قالت لاحقا ان المقترح رفضت بغداد إنجازه لعدم توفر التخصيصات المالية.
والمشروع الذي يشغل الناس في "التنومة" يسلط الضوء على مشاكل مجمل المشاريع في البلاد اليوم. وتبرع الجانب الاميركي العام الماضي، بنحو 11 مليون دولار لإنشاء جسر ثابت بدعائم وفتحة تسمح بمرور السفن نحو ميناء المعقل، على غرار جسر في لندن، حيث تقرر ان يكون العمل بإشراف شركة "مات مك دولاند" وتنفيذ شركة ابن ماجد التابعة لوزارة الصناعة. لكن بعد 9 أشهر من العمل لم يتم سوى تثبيت الركائز ثم قام الاميركان بسحب الدعم! "العالم" تنقلت بين اكثر من دائرة بحثا عن تفسير لخيبة الأمل، لكنها واجهت تصريحات متضاربة للغاية في هذا الموضوع.
فهناك من لام شركة ابن ماجد لعدم تقيدها بالوقت المحدد، وقالوا ان الشركة "أخلت ببنود العقد بعدم تثبيتها الركائز بالأعماق المطلوبة"، كما تسربت معلومات عن "تغيير في مصدر شراء الركائز التي كان يفترض أن تجلب من ماليزيا، وأسباب تتعلق بجودة أعمال اللحام"، بينما اتهم آخرون الجانب الاميركي بعرقلة سير الأعمال لاستبداله بجسر عائم بهدف "ربحي".
مصدر مسؤول في شركة ابن ماجد طلب عدم ذكر اسمه قال انه "لا جواب لدى الشركة على أسباب سحب المشروع لأن الأميركان لم يوضحوا الاسباب".
وأضاف "كان لدينا تصميم صادق عليه الاميركان، وأنفقت نحو مليون وتسعمائة وخمسة وسبعين ألف دولار، من المنحة (11 مليونا) ولدينا ما يثبت أننا نفذنا العمل وفق المواصفات وبمصادقة الهيئة العامة للطرق والجسور".
وتابع "الدليل انه لغاية يوم التنفيذ لم يطلب الاميركان إيقاف العمل، لكننا فوجئنا بسحبه من قبل فريق الاعمار الاميركي بعد مرور سنة على المباشرة وتصنيع الهيكل الحديدي وغرز الركائز، وإنجاز 38 % من المشروع، بإشراف من محافظة البصرة ومهندسي التطوير والاعمار".
ويقول المصدر ان اختبارات الشركة أكدت ان الجسر "يتحمل 100 طن، وأعطيك معلومة فعرض الفتحة الملاحية لعبور السفن كانت لا تزيد على 30 مترا وقد اعترضت الموانئ وطلبت توسيعها الى 60 مترا، بسبب توقعات حول ازدهار ميناء المعقل. كما صادفنا غوارق كلف انتشالها 125 مليون دينار".
ونفى المصدر ما أشيع عن خطط لرفع الركائز وإلغاء المشروع وعدم قدرة شركة ابن ماجد على تنفيذ إزالة الركائز قائلا "لقد طلبت منا الحكومة المحلية الاستمرار بتنفيذ الجسر باعتباره مشروعاً جرت الموافقة عليه وستتولى ابن ماجد تنفيذه مع تغيير في التصميم الأساسي".
لكنه قال ان التخصيصات المالية "ستضطر الشركة الى تغيير بعض التصاميم لأن التصميم الأصلي تتحكم به فقرة استيرادية وتخصصية تحولت الى مشكلة حين أوقف الاميركان التمويل".
من جانبها تحدثت مصادر عن مقترح لمحافظ البصرة يقضي بمفاتحة شركة تركية لتكملة أعمال ابن ماجد بالمبلغ المتبقي من المنحة وجعل ابن ماجد بدور مساند، لكن المقترح لم يلق قبولا من الجانب الاميركي.
لكن الحديث عن "سوء التخطيط" يمتد الى اعادة النظر بموقع الجسر بحيث لا يخلق ارباكا مروريا على شارع الكورنيش، ويبدو من السجالات انه لا يوجد شيء حاسم حتى الآن.
وقال مصطفى عطية رسن رئيس لجنة التطوير والاعمار في مجلس المحافظة ان "المريب في الموضوع أن كل مشاريع الجانب الاميركي مع الحكومة المحلية كانت بإشراف الدوائر ذات العلاقة، لكن في مشروع الجسر تلخص دورها في المصادقة على التصاميم".
رسن أكد أنه أبدى تحفظه على موقع الجسر والمبلغ المخصص لتمويل إنشائه والذي اعتبره غير كاف، وقال "أصر الاميركان على انشاء الجسر ثم قاموا بفسخ العقد حين اعتقدوا ان شركة ابن ماجد قامت بتغيير التصاميم مع مرور الوقت، كما يعتقد الجانب الأميركي أن الركائز لم تكن بالأعماق المطلوبة".
وأضاف "برغم تحفظنا لكن ابن ماجد شركة متخصصة ببناء الجسور، وقد نفذت جسر الصرافية ببغداد وغيره".
من جانبه رأى معاون المحافظ لشؤون الاعمار يوسف جواد كاظم، ان "من الخصائص السلبية لمشاريع الدول المانحة بشكل عام، أنها تأتي بصيغة الاملاء والفرض، فالجانب الممول يملي ما يريد، ونحن بصدد تغيير هذه الآلية بحيث تخضع مشاريع الدول المانحة للدراسة والتدقيق ويتم التأني في عملية طرحها. وهذه نقطة احتكاك ساخنة بين الحكومة المحلية والجهات الممولة".
العالم