ملاي جزيري
975 – 1050 حياته
يأتي الشاعر الكبير ملا أحمد الجزيري في مقدمة الشعراء الكلاسيكيين الكورد ، و يعتبر قمة شاهقة من قمم الأدب الكوردي ، و يذكر دائماً مع أحمد خاني و فقيه تيران كأبرز رواد الشعر الكوردي ، و قد كان للجزيري تأثير كبير على معاصريه كفقيه تيران و غيره ، و على معظم الشعراء الكورد الذين جاءوا بعده .
هو أحمد بن محمد الجزيري و قد ذكره أكثر من مرة في قصائده ، لكنه عرف بـ ( ملاي جزيري ) أو ( الملا ) نسبة إلى مدينة الجزيرة ، الواقعة على ساحل دجلة قرب جبل جودي و التي يسميها الأكراد جزيرة بوتان ، و له لقب آخر أطلقه هوعلى نفسه
( نيشاني) أي الهدف ، لأنه كان هدفاً لسهام المحبة و الهوى أو هدفاً للبلايا و المصائب بسبب عشقه ، ولد في الجزيرة حوالي عام 975م و ينتسب إلى عشيرة البختيه الشهيرة التي كانت تسكن في مدينة الجزيرة و أطرافها .
درس أحمد السنوات الأولى من عمره مبادئ القراءة و حفظ القرآن و الحساب في مساجد و مدارس الجزيرة على أيدي رجال الدين
و بعد أن أنهى دراسته في الجزيرة غادرها طلباً للمزيد من العلم و المعرفة ، فطاف معظم أنحاء كوردستان و زار منطقة الهكاري و العمادية و ديار بكر و حصن كيفا ، و كان يتوقف في هذه المناطق ، ليتلقى العلم من علماءها و مشايخها ، فألم بمعظم العلوم المعروفة في عصره كأصول الدين و الفقه و الحديث و الشريعة و الفلسفة ( علم الكلام و النحو و الفلك ) .
أتقن الجزيري إلى جانب الكوردية اللغة العربية و التركية و الفارسية. فقد اهتم بالعربية لأنها لغة القرآن و أتقنها و نظم بها الشعر ، أما الفارسية فقد كانت لغة الأدب و الكتابة و الإنشاء فأجادها الجزيري و اطلع من خلالها على نتاج الشعراء الفرس أمثال الشيرازي و الجامي ...
و بعد أن حصل على الإجازة " الشهادة " التي تخوله التدريس و التعليم و نال لقب " الملا " أي العالم بالكوردية ، عاد إلى موطنه بلدة الجزيرة ، و أصبح معلماً – شيخاً – في مدرستها الشهيرة " المدرسة الحمراء " اشتهر الجزيري بين الأكراد من خلال شعره الوجداني الإنساني المفعم بالأحاسيس المرهفة و الجياشة و الذي جمع في ديوان الذي يحوي على مائة و إحدى و عشرين قصيدة ، يغلب عليها طابع العشق الإلهي و الغزل المادي البحت ، في الوقت الذي يضعه المتصوفة الكرد في قمة الأدب الصوفي و العشق الإلهي الخالص ، و قد كان الحرمان من الوصل و الفراق موضوعاً هاماً من المواضيع التي وقف عليها الجزيري ، و يعتبر شعره أروع ما قيل في الكوردية في موضوع الغزل .
و بالإضافة إلى الغزل تناول في شعره مواضيع عديدة من المديح و الحكمة ، إذ كان يمزج بين الغزل الإلهي و الحكمة ، و أياً كانت مواضيع شعره فقد جاءت قصائده رائعة متناسقة قوية غنية بالصور البيانية دقيقة المعنى ذات موسيقى متنوعة تلائم موضوع القصيدة ، كما كان موفقاً في اختيار تعابيره وصوره البيانية ، و كذلك في حسن اختيار القافية ، و بذلك استطاع أن يسمو بالشعر الكردي إلى مستوى فني رفيع ، ليضعه و باقتدار في مصاف روائع الأدب العالمي .
و من المؤكد أن ملاي جزيري قد نظم قصائد تفوق بكثير مما ورد في ديوانه . كما أنه لا يستبعد أن يكون قد ألف كتباً تتناسب مع علو همته و نصاعة روحه و سمو فكره و طول باعه في مختلف العلوم ، كما يبدو ذلك واضحاً في قصائده التي احتواها ديوانه الوحيد ( الذي شرحه بالعربية الملا أحمد الزفنكي – مفتي القامشلي ) إلا أنها مع الأسف ضاعت مع الكثير من النتاج الكوردي و طوتها النسيان و الإهمال .
لقد عمر الجزيري طويلاً و بلغ عتي العمر فعاش حوالي 75 عاماً و قد توفي في بلدة الجزيرة حوالي عام الخمسين بعد الألف على الأرجح و دفن في قبو أرضي بجنوب المدرسة الحمراء الكائنة بقرب سور مدينة الجزيرة في الجهة الغربية