إن قال قائلٌ : إنّ الجار والمجرورَ في "الحمد لله" متعلقٌ بخبر محذوف تقديرُه واجب، قيلَ له: ليسَ التعليقُ بالضرورة بكلمة "واجب"، وإن كان الحمدُ واجبا في الحقيقة، ولكن التعليقَ في مثل هذه التراكيب يكونُ بكونٍ عامٍّ وليس بِكوْنٍ خاصٍّ، أي يُعلَّقُ الجارُّ بلفظ عامٍّ مثل كائن أو حاصل أو واقع، أما الواجب فيدل على كون خاص أو معنى خاصٍّ ليس هو المقصود بالضرورة من الكلام؛ لأن الله تعالى قد رَكَّز الحمدَ في طباع المَخلوقات وفَطَرَها عليه. فالتعليق بكون عام لا يدلُّ على حَدَث مخصوص، ومثل ذلك قولنا الكتاب لك، وفاطمة في المكتب، والخطيب على المنصة... ففي هذه الأمثلة يقدر المحذوف بكون عام.

الحمد حاصلٌ بالفطرَة قبل أن يكون واجبا، وقد أعجبني تعريفُ أحد الكُتّابِ للحمد، بأنّه استجابة فطرية للرحمة الندية.

فهذه قاعدة أولى تخص تفسيرَ القضية. أما القضيةُ الثانية فهي أن تعليق الجار والمجرور بالواجب لا يستقيم نحواً وتركيباً فكيف يُتصور أن نقول: الحمد واجب لله، لأنه ينبغي تقدير الواجب متقدما على الجار إذا أردنا أن نعلقه به، ويترتب عليه أن نقول: الحمد واجب لله، وهذا لا يُفيدُ المعنى المرادَ من الآيَة؛ إذ المعنى الصحيح يكون بتأخير الواجب، الحمد لله واجب أي الحمد لله أمر واجب، فيكون المعنى: حمد الله واجب، واللام عُلِّقَت بالمصدر "الحمد"، وأن الخبر هو الواجب، فيكون الواجبُ خبراً مذكوراً لا مُتعلَّقاً به مَحذوفاً؛ فلا مَعنى أن نقول الحمد واجب لله، لأن الكلام الصحيحَ: حمد الله واجبٌ أو: حمد الناسِ اللهَ واجبٌ، أو حمد الله واجبٌ على الناس، فهذا تَقدير المسألة حتى لا نَسقُط في بناء جملة نريد بها معنى وهي تدل على معنى آخَر.

وأختم المسألة بما يكادُ يتَّفقُ عليه كثيرٌ من المفسرين والنحويين من أن: (الحمد) مرفوعٌ بالابتداء في جميع القراءات المروية، و(لله) خَبَرُه، واللامُ في (لله) متعلق بالكون العام والاستقرار العام كسائر المجرورات المخبر بها، وليس بالوجوب أو الكون الخاص، فالتقديرُ: الحمد كائنٌ أو حاصلٌ أو مُستقرٌّ لله.