بعد صراعات طويلة قدَّم الأدارسة ولاءهم إلى الأمويين، واعترفوا بخلافة عبد الرحمن الناصر بعد سيطرته على الساحل المغربي للمضيق؛ لأنَّهم رأوا أنَّه من الأصوب الانحياز له بعد أن أصبح سيِّد الموقف في المغرب الأقصى وأصبح قريبًا من بلادهم، فبايعه أميرهم أبو العيش..
وكافأهم عبد الرحمن الناصر بتأييدهم وتزويدهم بالعساكر والأموال والمؤن، واستخدمهم لقتال الفاطميِّين وصدِّهم، وقتال من يُخالفهم من السكان المحلِّيِّين، ولكنَّ موقف الأدارسة كان متأرجحًا بين تأييد الفاطميِّين تارةً، وتأييد الأمويِّين تارةً أخرى، والوقوف ضدَّ الخلافتين عندما تتوافر لهم أسباب القوَّة والمنعة.
وقد جابه الأمويون تآمر الأدارسة عليهم بصلابة شديدة وبخاصَّةٍ في حالة تهديد سلطتهم في المضيق؛ ففي سنة (362هـ=976م)، نقض آخر أمراء الأدارسة (الحسن بن كنون) طاعة الأمويين، وقدَّم ولاءه للفاطميِّين وسيطر على مدن تطوان، وطنجة، وأصيلا، وكلها مواقع سوقيَّة مهمَّة..
ولا سيَّما طنجة التي حرص الأمويُّون على بقائها في يدهم؛ فهي إحدى قواعدهم العسكرية المتقدِّمة في المنطقة..
ولما وصل الخبر إلى الخليفة الحكم المستنصر شعر بخطورة الموقف، وثار غضبه، وحقد على الحسن، وسارع إلى استدعاء قائده (محمد بن القاسم بن طملس) من حرب الثغور، وأرسله بجيشٍ كبيرٍ وعدَّةٍ كاملةٍ لمحاربة الحسن، وأمره إن كتب الله له النصر أن يأخذ بالعفو والصفح وإصلاح البلاد والاهتمام بشئون الرعية، وأن يستعين بمن دخل في طاعة الأمويِّين..
وقد عبروا المضيق من قاعدتهم المفضلة الجزيرة الخضراء إلى سبتة، وفي الوقت نفسه أوعز إلى قائد البحر عبد الله بن رماحس بالتوجُّه بأسطوله إلى سبتة قاعدة الأمويِّين الوحيدة في ذلك الوقت على الساحل المغربي للمضيق، للتعاون مع ابن طملس بشنِّ هجومٍ على طنجة لاستعادتها..
وقد رفض أهل طنجة طاعة الأمويين بتحريضٍ من الأمير الحسن الذي كان موجودًا آنذاك فيها، ولكن عندما مر خرج منها لملاقاة ابن طملس الذي توجَّه من سبتة إلى تطوان، ودخل معه في حربٍ أسفرت عن هزيمته ومقتل عددٍ كبيرٍ من جنده، وتخلِّيه عن طنجة وأهلها..
وخرج شيخهم المدعو ابن الفاضل إلى القائد ابن رماحس مع جماعةٍ من وجوه طنجة، مقدِّمين الطاعة، وطالبين العفو والأمان لأهل طنجة، فأجابهم ابن رماحس إلى ذلك ودخل طنجة واستولى على ما كان للحسن وأصحابه من أموال..
أمَّا القائد ابن طملس فقد استمرَّ بمطاردة الحسن بن كنون، ودخل معه معركتين، نجح في الأولى، وقُتِل في الثانية، والتجأت القوَّات الأمويَّة إلى سبتة وتحصَّنوا فيها، وكتبوا إلى الخليفة الحكم يستغيثون به، فسارع لجندتهم، واستدعى قائده ومولاه المشهور غالب بن عبد الرحمن من قاعدته في مدينة سالم، وأمدَّه بما يُعينه على قتال الأدارسة، وأمره بإنهاء مقاومتهم، وهذا دليلٌ على خطورة موقف الأمويين، وتهديد سلطتهم في منطقة المضيق..
ويُفسِّر لنا ذلك قول الخليفة الحكم المستنصر عند توديعه للقائد غالب: "سر يا غالب سير من لا إذن له في الرجوع إلا حيًّا منصورًا، أو ميتًا فمعذورًا، وأبسط يدك في الإنفاق، فإن أردت نظمت الطريق بيننا قنطار مال".
نهلة شهاب أحمد: دراسات في تاريخ المغرب والأندلس، كلية التربية – جامعة الموصل، الطبعة الأولى: 2009، دار الكتب العلمية.