الاستعارة هل هي مجرد زخرفة لغوية؟
بالطبع لا، إن الاستعارة تتعدى حدود التفنن اللغوي، إلى أن تصبح ضرورة فاعلة في الخطابات، وقد اختصر ذلك لايكوف في كتابه "الاستعارات التي نحيا بها"، وهذا ما ذكره رتشارد في فلسفة البلاغة، فالاستعارة وجدت بوجود اللغة ؛ فهي ضرورة لغوية ، واللغة في جوهرها استعارية ، وهي المبدأ الحاضر أبدًا في نشاط اللغة الحر ، وليست شيئًا خاصًا استثنائيًا في الاستعمال اللغوي.
ولعل السر في نضارتها هو ما تحمله من دلالات استدلالية، أو ما يُسمى بـ"الدلالات الثواني" .
فحينما تقول "رأيت أسدا" وأنت تقصد "إنسانا" تكون قد تجاوزت الدلالة الحرفية والاستعارية إلى دلالات أخرى، لم يكن ليعبر عنها تعبير حقيقي آخر.
فلو قلت رأيت رجلا قويا فقط، لكان في الكلام احتمال أن يكون قويا جبانا، ولو قلت قويا شجاعا، لكان هناك احتمال أن يكون غير ذي هيبة، لكنك بقولك أسد اختصرت كل صفات "القوة والشجاعة والهيبة وغير ذلك".
وكذلك لو قلت : رأيت امرأة جميلة، لم يكن أدق في الدلالة من قولك "رأيت بدرا أو قمرا أو ظبية أو غزالا...إلخ.
"واعتصموا بحبل الله جميعا" الاستعارة بالحبل عن الدين هنا جاءت لتعبير عن مدى التكامل والتداخل والتضافر بين أركان ومكونات الدين، فليس هناك لب وقشر، وليس هناك مهم وأهم، وإنما هو دين واحد كالحبل، والحبل مجموعة من الخيوط المتداخلة الملتفة، التي لو تم فصل كل خيط منها عن الآخرلأدت إلى أن يكون الحبل ضعيفا هشا.
وكذلك "اهدنا الصراط المستقيم" استعارة أو جزت كلاما كثيرا، فلو أردت شرحها لأسهبت في ذكر دقائق لا يمكن حصرها.
وكذلك "يخرجهم من الظلمات إلى النور" فإن هذه الدلالة الاستعارية تنتج دلالات يصعب حصرها، مع مراعاة جمع"ظلمات" وإفراد "النور" فالظلمات متعددة وبرغم تعددها يصعب جمعها في نطاق واحد لتنافرها، أما النور فهو واحد وإن تنوعت مصادره.