الخُروجُ عن سَمْتِ العربيّةِ أمرٌ منتظرٌ، وهو من طَبائعِ الأشياءِ والنّاسِ، حتّى في الشّرائعِ والملل والنِّحَلِ؛ فَما بُعِثَ الأنبياءُ والرُّسُل إلاّ ليُجدّدوا للنّاسِ ما اعوجَّ من أمورِ دينهمِ وما انحَرَفَ من عَقائدهِم، فهذه رسالةٌ لا تنقطعُ، متسلسلةٌ مُتَّصلةُ الحَلقاتِ، فأمّا في اللغةِ والنّحوِ فَما زالَ العُلَماءُ يُصنّفونَ ويُصحّحونَ ويُجدّدون، منذُ عهدِ سيبويْه إلى عصرِنا هذا، على تَفاوتٍ بينهُم في الارتدادِ إلى التقليدِ أو جرأةِ التّجديدِ، وما زالَ أهلُ اللغةِ يُصنّفونَ المَعاجمَ ويستدرِكُ بعضُهُم على بعضٍ فَواتَه، إلى يوم النّاسِ هذا، وما زالَ أهلُ التّعبيرِ يُصنّفونَ في لَحْنِ العامّةِ بَل لحنِ الخاصّةِ أنفُسِهم و يحرِصونَ على تصفيةِ اللغةِ من الأوشابِ، فأنتَ تعلمُ من هذه الحَرَكَةِ الدّائمةِ الدّائبَةِ أنّ أمرَ اللغةِ عَظيمٌ وخَطَرها جَسيمٌ، وسيظلُّ كلُّ عصرٍ يجمعُ بين جَناحَيْه الانحرافَ والتّقويمِ، واللّحنَ والتّصحيحَ، واستحداثَ الشّاذِّ و القياسَ على الوارِدِ المَسْموعِ.