2020-05-14 | 23:57
لا تزال بعض الأكلات التراثية لدى سكان الأهوار تحظى باهتمام بالغ خلال شهر رمضان المبارك، رغم انحسارها في بعض المناطق، لكن عائلات عديدة تفضلها وتعتبرها جزءا مهما من المائدة الأهوارية، التي تتميز بأكلات ذات طعم ومذاق خاص.
وينفرد المطبخ الأهواري بأكلات ترتبط بذاكرة المنطقة وتراثها، حيث ورثها السكان على امتداد الأجيال، وحافظوا على شكلها وطريقة إعدادها وطبخها، وهذا ما يجعل السر في مذاقها، رغم زحف هذه الأكلات على المدن الحضرية ومحاولة تقليدها، لكنها بقيت بخصوصيتها في الأهوار.
ومن الأكلات التي حافظ عليها المطبخ الأهواري، ولم تتغير منذ سنوات طويلة، أكلات الجباب والطابك والمسموطة، هذه الأكلات لها طرق خاصة في الإعداد والطهي، ويزداد حضورها في شهر رمضان.
الجباب
واحد من أشهى الأكلات التراثية التي يعشقها سكان الأهوار منذ القدم، ولا تزال العديد من العائلات الأهوارية تقوم بإعداده خلال شهر رمضان، كما يقول الباحث والناشط في مجال الأهوار رعد الأسدي.
ويضيف الأسدي أنه لا أحد يعرف بالضبط تاريخ ظهور هذه الأكلة، لكن المؤكد أنها موجودة منذ بدايات الأهوار الأولى، حينما كان السمك يمثل كل شيء بالنسبة للسكان الذين يعيشون في هذه المنطقة، حيث يبتكرون بعض الأكلات لتتناسب مع حياتهم اليومية.
تقول أم مصطفى (54 عاما) وهي من سكان الأهوار؛ إن الجباب له نكهة خاصة خلال شهر رمضان، ونحرص على إعداده أكثر من مرة خلال الشهر، "ويوضع السمك بداية في إناء يحتوي على ماء حار ثم يستخرج العظام منه".
وتضيف أن "السمك يوضع مع عجينة تتكون من الطحين والماء وبعض التوابل، مثل الكركم والبهارات والكاري، إضافة إلى البصل والطماطم، ويتم وضعه بهذه العجينة، بعد ذلك يُشكل على هيئة أقراص أو دوائر صغيرة، ومن ثم توضع فوق الرز المغلي".
وتوضح أم مصطفى أن الجباب مليء بالفائدة الصحية، وهناك طريقة أخرى أيضا لإعداد السمك، من خلال طحنه عن طريق آلة خشبية تسمى "الجاون".
ويوضع الطحين والتوابل مع الرز أثناء غليه ليكتمل، وبعد ذلك يقدم إلى العائلة خلال الإفطار كوجبة غذائية شهية.
الطابك
خبز الطابك أحد أشهى الأكلات التي يحبها سكان الأهوار، ويرتبط أكل خبز الطابك بالحليب والسمك دائما، وتكون له قيمة عالية خلال شهر رمضان.
الطابك عبارة عن قرص من الطين، لا يوجد له قياس محدد، لكنه في العادة أكبر من شكل الخبز الاعتيادي المتعارف عليه في المدن، ويتم تشكيله من الطين، ومن ثم يترك فترة تحت أشعة الشمس حتى يجف، وبعدها يوضع على قاعدة لها ثلاث أرجل اسمها "المنصبة"، ويوضع تحتها الحطب حتى يتحول لونه إلى الأحمر، كما تقول أم حيدر (56 عاما).
وتضيف أم حيدر وهي تعمل بائعة للسمك في مناطق الأهوار، أن الطابك بعد أن يتحول إلى اللون الأحمر، يمسح بقطعة من القماش لإزالة ما تبقى من التراب، بعدها توضع عجينة تتكون من الرز المطحون، وتخبز على الطابك.
هذه الطريقة الاعتيادية للطابك البسيط، كما تقول أم حيدر، أما الطريقة الأخرى فتتمثل في وضع سمكة يتم تنظيفها جيدا داخل عجينة الرز، وتوضع على الطابك لتأخذ وقتا يصل إلى عشرين دقيقة لتصبح جاهزة، وتكون هذه وجبة مهمة عند الفطور والسحور، لكن البعض يفضله مع الحليب.
أكلة المسموطة
أما أكلة المسموطة فتعتبر دليلا وهوية تاريخية لسكان الأهوار، فهي واحدة من أشهر الأكلات، وانتقلت هذه الأكلة من المطبخ الأهواري إلى مدن شتى داخل العراق، وحسب باحثين ومهتمين بشأن الأهوار، فإن هذه الأكلة إرث سومري رافدي.
ويؤكد رعد الأسدي أن سكان المنطقة اعتمدوا الطريقة نفسها التي توارثوها عبر الأجيال في تجفيف السمك لفترات طويلة، ويطبخ في مناسبات خاصة، مثل شهر رمضان والعيد بشكل أكثر.
وطريقة إعداد الأكلة تتم من خلال تنظيف السمك بشكل جيد، ويوضع الملح في باطنه، ومن ثم يتم ربط بعضه البعض بخيط، ويوضع في مكان يتعرض لأشعة الشمس ليجف، ويستغرق تجفيفه نحو عشرة أيام، وعند طبخه يتم غسله وتنظيفه جيدا، ويوضع في قدر، ويضاف إليه الملح وبعض التوابل، ويوضع على نار هادئة، حيث يستغرق وقت الطبخ نحو 25 دقيقة.
ويختلف طعم المسموطة من سمكة إلى أخرى، وحسب الوقت الذي تستغرقه في التجفيف، ولعل أبرز تلك الأسماء "الشلك والشانك والحمري والخشني والسمتي والبني والكطان"، ولها جميعا مذاق خاص وشهي في مناسبات مدن الأهوار الزاخرة بالماء والسمك.