اللغة العربية والتحدي المستمر
د.أيمن أبومصطفى
اللغة العربية لغة اكتسبت الحياة المتجددة لارتباطها بنص متجدد بتجدد سياقات تلقيه، ألا وهو القرآن الكريم، فالقرآن الكريم ضمن للغة العربية بقاءها، وذلك بارتباط نهضة الأمة المسلمة بالأخذ به، ولن تستقيم لها الحياة ويُمكن لها إلا به "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" ونصر الله يكون بفهم مراده، وفهم مراده يكون بفقه اللغة العربية.
فاللغة العربية ليست مجرد قواعد ينضبط بها الكلام، وإنما هي حياة تسري بين الكلمات، يشعر أهلها ومتقنوها بعذوبة لفظها وجزالته، ويدركون روعة تعبيرها وأصالته، وهذا التناغم الواضح بين المعنى والمبنى هو ما أوقف الأقدمين والمحدثين مفكرين في دقائق نظمها وبدائع ترتيبها.
كانت عند أجدادنا مصونة الجناب، محفوظة المكانة، يرفعون أهلها فوق الأعناق، فينالون أعلى المناصب، ويجلسون في مجالس العظماء.
وزادت قيمتها بنزول القرآن بها، فارتبطت به، وارتبط بها، أمة لاتحسن سوى الكر والفر والحلب والصر، جافة الطباع، بعيدة عن المدنية والحضارة، تنقلب بهذا المنهج إلى خير الأمم، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتذوب به في المجتمعات المتحضرة، فتضبط به الأخلاق، وتجعل مع الحضارة المادية سموا أخلاقيا.
أمة لا تحسن صناعة ولا عمارة، لكنها أصبحت مقصد وقبلة أهل الصناعات والعمارات، جاءوا إليها راغبين في الإسلام، أو طامعين في ترويج ونشر بضائعهم، فأصهروا لغاتهم وأذابوها في لغتهم، فظهر التعريب والدخيل، وذلك من مظاهر طواعية لغتنا العربية.
فهي لغة تتجدد ولا تجمد، تحيا ولا تموت، تزداد صلابة بازدياد الهجوم عليها، فالذين يريدون لها أن تموت، إنما أرادوا ذلك لأنهم يعرفون أنها ليست مجرد لغة، وإنما هي حياة أو منهج حياة.
وبرغم ما ينفقونه من أموال لتغريب العرب، وبرغم ما يبذلونه من جهد لطمس هويتهم، إلا أن هناك أقواما يحرصون على أن يعيدوا لها مجدها، والعجب العجاب أن من هؤلاء من هم من غير العرب.
فقد وجدوا أن دينهم لن يستقيم إلا بها، فلم يرضهم أن يأخذوا من الجداول، فجاءوا إلى المحيط الأعظم، ينهلون ويستمتعون ويتضلعون، فأتقنوا فنونها، وكتبوا بحروفها الشعر والنثر.
فيا أبناء العربية أيقظوا الهمة، وعلموا أن عدوكم يتربص بكم الدوائر، ويحفر لكم الخنادق، ويضع لكم المزالق، فيعلي من قدر العامية، حتى يرتفع أهلها، فينالون الجوائز، ويرتقون إلى كبرى المناصب، وهم لا يحسنون كتابة ولا نطق جملة صحيحة.
فلا يفتننكم ذلك، فتظنوا أنكم أهل التجارة الخاسرة، فأنتم والله أهل الفخر والمجد والعزة والكرامة، ويكفيكم فخرا أنكم أكثر الناس علما وفهما وإدراكا لكلام الله تعالى.