الكتب السماوية بلسان عربي مبين
1- صحف آدم بلسان عربي
أزعم أنّ ترجمة النصوص المقدسة عند غير المسلمين إلى اللغة العربية حلمٌ لكل من أراد لكتبه الخلود، كما أنّ فيه إثراءً للغة العرب وتقويةً لها؛ إذْ ستصبح محجّة لأبناء اللغات الموشكة على الانقراض بعد أنْ غدت وعاءً لكتبهم ومن ثمّ لدينهم وحضارتهم وثقافتهم، كما أنه من المعلوم بالضرورة أنّ كثرة المتكلمين باللغة والاستكثار منهم يرسخ للغةِ وجودَها ويحقّقه، فأوسع اللغات انتشارا هي الأبقى والأطول عمرًا.
وإذا علمنا أن اللغة العربية هي اللغة الرابعة في العالم من حيث عدد المتكلمين بها وأنها لم تنل هذه المرتبة إلا بانتشارها على رقعة واسعة نوعا ما من الأرض بين شعوب شتّى تأكدنا من حاجتها إلى الانتشار ودعم ذلك بتبنيها لثقافات أمم أخرى وكتبها وحضاراتها، كما هو شأن اللغة الإنجليزية، لأن المرتبة الرابعة التي نفرح بها ليست في حقيقتها سوى 6,6 % من سكان العالم، في حين أنّ نسبة المتحدثين باللغة الإنجليزية ربع سكان العالم 25%، ومع هذا فاللغة العربية على ما أرجح ستكون آخر لغة تغادر هذا العالم.
وأعود إلى أهمية أنْ تكون اللغة العربية اللسانَ الناطقَ بالكتب السماوية، ذلك أنه سيحقق لها أنْ تغدو كُتُبًا خالدة لخلود العربية بخلود القرآن، فهي من أقدم اللغات السامية بل يقال إنها الأمّ لهذه اللغات، كما أنها من بين اللغات الساميّة ولغاتِ الأرض كُتِبَ لها البقاء والانتشار والاتساع والتوسع، وأنها هي الوحيدة المدوّنُ كثيرٌ من نصوصها كتابةً بدقّة ووضوح إذْ يبلغ عمرُ بعض المخطوط بها وبحروفها أكثر من ألف عام، ولعلّها هي الوحيدة التي يحفظ ملايين البشر نصوصَها بدقة عالية مع قِدَمِها وعُمْرها الضارب في أعماق التاريخ كالقرآن الكريم والشعر الجاهلي.
وخصائص اللغة العربية وميزاتها كثيرة تصعب على الحصر، ومن أهمها حضورها القوي في المنطوق والمكتوب لقرون عدّة متطاولة، وكثرة أصول كلماتها المجردة والمزيدة نسبة إلى غيرها من اللغات، وهي تزخر بثروة أسلوبية فيها جماليات جاذبة مضافاً إلى ذلك أنها لغة مموسقة يمكن أنْ تجد فيها الموسيقا في جلّ جملها وعباراتها بل إنّها لثرائها يمكن موسقتها والغناء بها من كثيرين من متكلميها، وهذا يعطي للنصوص قيمة جمالية ومعنوية تساعد على الإقبال على هذه الكتب.
كما أنها اللغة الوحيدة في العالم على ما أظن التي حكمتها قواعد كثيرة تضافرت فيها جهود علماء كثر لاستنباطها وجعلها سياجا حارسا للغة يبقيها محافظةً على جلّ خصائصها وقت نزول القرآن وعصور الاحتجاج مما أحكمَ نصوصها وضيق دائرة الانحراف والانزياح والتطور والتغيير في أصواتها وصرفها وتراكيبها ودلالة ألفاظها مع ربطها بالقرآن الكريم.
وهي اللغة الوحيدة التي يقدسها الملايين أداءً وكتابةً، فأداء الأصوات ينتقل جيلا بعد جيل دون تغيير، وعلى لهجات مختلفة محفوظة كلّها، المخارج والصفات هي هي ما عدا ما تغيّر مخرجُه أو صفاته على أنه انزياحٌ سببُه تعدّدُ اللهجات، ومع هذا فهو محفوظٌ أَنّى كان التغيير فيه.
ولو تأملنا شأن الكتابة فإنها مقدّسة لم يقبل جيل من الأجيال بديلًا عن رسم حروفها واتجاه الكتابة بها، وتشبيك حروف الكلمات وَفق نظام معيّن فلا تُكتبُ حروفًا مفرقة كل حرف على حِدَة، بل انكبوا على تطويرها رسما وضبطا وتنويعا للخطوط بحيث تتشكل بخطوط كلّ خطٍّ له سماتُ جمالٍ في غاية الحسن والبهاء، مع بقاء الحرف على أصله بحيث يمكن قراءته وإن اختلف نوع خطّه.
ومن مظاهر تقديس الكتابة حرصهم على أن يكتب القرآن بخط اليد لخطاطين بارعين ثمّ تقوم المطابع بتصويره كما هو ملايين النسخ.
جاء القرآن على هذه القواعد والقياسات وكذلك الشعر وكلام العرب فاستنبطت القواعد وتقبلها الناس بعجرها وبجرها؛ مما ساعد كثيرا على بقاء ذلك المستوى اللغوي الفصيح على الألسنة والعقول نصوصًا وفهما ونطقا.
وصحيح أنّ النحو التعليمي بوابةٌ ضيقة إلى اللغة الفصحى السائدة تلك العصور وإلى اللغة المتغيّرة عبر الدهور اللاحقة، ولكنّ هذه القواعد لم يندّ عنها من الشائع المتصل بالقرآن والشعر إلا القليل، أما ما تعدد من مستويات الفصحى، وما قلّ استعمالا أو شذّ أو شاع عند قبيلة دون أخرى إضافةً إلى ما ستتطور إليه فهو ثراءٌ لغويٌ لا حُدود لفوائده وثرائه ولا تحيط به القواعد ولا يلزم أنْ تحيط به.
لهذا وغيره كانت هي الأجدر بأنْ تكون الوعاءَ المتين الخالد القوي المتمكن زمانا ومكانا للكتب التي تُنمى إلى السماء حقيقةً انتماؤها أو ادّعاءً.
ومن التجارب المهمّة في إنقاذ كتابٍ يُؤمن كثيرون أنه سماويّ بنقله من لغته الأصل التي تيقنوا انقراضها، تجربة الصابئة المَندائيين عندما ترجموا كتاب ديانتهم الذي يقدسونه إلى العربية، وإسنادهم إلى الشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد صياغة الترجمة العربية باللغة الأدبية العربية لصحف آدم المسماة (كنزا ربّا) بمعنى الكنز العظيم [لعل الأقرب عندي أن تكون: كنز الربّ، ولكن لا فرصة لي للاقتراح لعدم معرفتي بلغة الصابئة] وقد نفّذ هذه الصياغة الأدبية صوتا في تسجيلات كثيرة، وزادوا على ذلك كتابة هذه الترجمة باليد من قِبَل خطاط كما يفعل المسلمون بالقرآن. وقد سجلوا اسم الخطاط، وهو: سالم أحمد الغاني.
أمّا المترجم فكان لجنة مترجمها الأول مسيحي عراقي خبير باللغات هو الأستاذ الدكتور يوسف قـوزيد. وشاركه أ د: صبيح مدلول السهيري.
أمّا الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد فهو عربيّ اللغة متمكنٌ أمكن منها بأكثرَ مِنْ تمكّنِ ملايين العرب أصلا وفصلا ولغةً، وزاد على ذلك عشقُه الشديد لهذه اللغة التي ملكت قلبه وعقله ولسانه حتى غدا شاعرا وأديبا عالي الكعب إلى سُهيل النجم اليماني.
ولا أجد حرجًا في التأكيد على أنّ فكرةَ حفظ الكتب المقدسة والتراث الذي تتعرض لغاتها للانقراض بلغات حيّة مستعملة كاللغة العربية ستفتح المجال رَحْبًا أمام كثيرين من أصحاب هذه الكتب لحفظ كتبهم وتراثهم.
جاء في أحد مواقعهم، وقد راجعته على مقدمات وكلمات كتبت في بداية كتابهم الكنز العظيم:
"الدّيَانة الصَّابِئِيَّة هي إِحْدَى الدِّيانَات التُّوحِيديّة الشّرقيّة، وتُعد هذهِ الدِّيانة المُوحدة أول وأقدم الدِياناتِ والشَّرائع السَّماوية وتعتبر واحدة مِن الدِياناتِ الإبرَاهِيميّة الكريمَة، وتتميز هذه الدِّيانة السَّمَاويّة بِتعَاليمِها الصُّوفيّة التّوحِيديّة الحَنيفيّة السّمحة التي تدعو لِلإيمانِ بِالإلهِ الوَاحد الأحد وأنبيائهِ ورُسلهِ وكتبهِ وملائكتهِ واليّوم الآخر؛ ويتبعُ الصَّابِئُون شريعة أنبياء الله آدم، وشيت بن آدم (شيتل بر آدم)، وأنوش بن شيت، ونوح، وسام بن نوح، وإدريس (دنانوخت)، وإبراهيم، وزكريا، ويحيى بن زكريا (يحيى يهانا) عليهم أزكى السَّلام، ويجمع كِتَاب الصَّابئة المُقدَّس مُصْحَف جِنْزَا رَبَّا، گِنْزَا رَبَّا: جِنْزَا رَبَّا، أي: الْكَنْزُ العَظِيم الصُّحُف التي أنزلها الله سُبحانه على أنبيَائِهم الصَّابِئَة".
وهذه مقتطفات من مقال للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد عن ترجمة كتاب (كنزا ربّا) يكتب فيه عن هذه التجربة الواعدة التي عمد إليها الصابئون المندائيون لحفظ كتابهم المقدّس من ناحية ولربط مغتربي الصابئة بلغتهم العربية التي تكلم بها أجيال وأجيال من الصابئة منذ الفتح العربي، وقد نشر هذا المقال في صحيفة الزمان العراقية في 15/ فبراير/ 2015:
بدأ الشاعر مقاله بخبر نصّه:
احتفل الصابئة المندائيون عام 2001 بصدور كتابهم المقدس بحضور رئيس المجلس الوطني آنذاك الدكتور سعدون حمادي ورعاية الرئيس الروحاني الأعلى للصابئة المندائيين في العراق ...
ثمّ قال:
"أقام الصابئة المندائيون في معبدهم "المندى" أكبر احتفال عرفه تاريخهم المعاصر بمناسبة صدور الترجمة العربية لكتابهم المقدس "الكـنزا ربّـا" – الكنز العظيم – بعد أكثر من خمسة آلاف سنة من الانغمار في غياهب المجهول.
لقد بقيت الديانة الصابئية – وهي أولى الديانات الموحدة في التاريخ – سرّاً لا يعرفه إلا أهله، وإلا القلّة من المهتمين بالديانات القديمة، والعارفين باللغة الآرامية، ذلك أنّهم – ولخمسة آلاف سنة - ظلوا يمارسون طقوسها بلغتهم المندائية، التي هي إحدى بنات الآرامية الأربع: العربية، والسريانية، والعبرية، والمندائية. ولم يجدوا طوال هذا الزمن من حاجة إلى ترجمتها، لمعـرفة أبناء الطائفة بلغتهم من جهة، ولعدم ملاءمة ظروفهم للإقدام على هذا العمل.
وحـدث الحدث الكبير.. واجتمعت كل الدوافع.. وتهيأت كل الظروف المواتية لكي يقدموا على هـذه الخطوة الكبيرة، والنقلة الحاسمة في حياتهم:
كان أول الدوافع أن أبناء الطائفة ما عادوا يعرفون لغتهم، ولا يتكلم بها منهم إلا نَفَرٌ قليل، فصاروا لا يعرفون عن دينهم إلا ما يسمعونه من رجال الدين.
وكان الدافع الثاني ابتعاد المغتربين من أبناء الطائفة حتى عن لغتهم العربية، بالإضافة إلى ابتعادهم عن أجواء طقوسهم المندائية.. والشعور المتنامي لدى مثقفي المـندائيين، والمسؤولين في مجالس طائفتهم، بضرورة المحافظة على ارتباط هؤلاء المغتربين بدينهم، وبوطنهم، وبلغتهم العربية... ولن يكون ذلك إلا عن طريق ترجمة كتابهم المقدس إلى اللغة العربية ليشدّهم إليه".
ثمّ قال:
استغرق العمل قرابة ثلاثة أعوام: عامين قام خلالهما أكبر أساتذة الآراميات في جامعة بغداد بترجمة الكتاب ترجمة حرفية من لغته الأم – المندائية – إلى اللغة العربية، مقارنين ترجمتهم بتراجم أخرى للكتاب كانت قد سبقتهم إلى الألمانية والإنكليزية.. معتمدين على أوثق مخطوطتين للكتاب المقدس بلغته المندائية. ولمدة عام وأربعة أشهر عكف [الشاعر عبد الرزاق، يتحدث عن نفسه بضمير الغائب] على صياغة الترجمة بأبهى ما وصلت إليه لغته العربية العالية من فخامة.
ثمّ أورد نصّ كلمته في هذه المناسبة:
نصّ كلمتي في الاحتفال:
كلُّ كتابة صعبة حين يكون كاتبها جاداً.. ولكن، قد يخفف من صعوبتها أن يكون كاتبها صاحبها.. أي أن تكون كتابته من بنات أفكاره، ذلك أنه يملك عندئذ مساحة فسيحة للحركة فيها.
ويصعّـبها أن يكون الكاتب ناقلاً قولَ غيره، ترجمةً، أو اقتباساً، أو تضميناً.. لأن ذلك يفرض عليه محـدودية كبيرة في التصرف، والتزاماً أدبياً وأخلاقياً في النقل.. والتـزاماً علمياً مسؤولاً أيضاً. فكيف إذا كان القـائل هو الله سبحانه وتعالى؟.. وإذا كان القول قد وقع بلغة أخرى؟.. ثم، إذا كان قد مضى عليه آلاف السنين، ووضع موضع كثير من التساؤلات؟!
يوم عرضت عليّ اللجنة العليا لترجمة كتابنا المقدس "كنزا ربّـا" مبارك اسمه، أن أتولّـى إعداد الصياغة الأدبية لترجمته، اعتذرت عن النهوض بهذه المسؤولية الكبيرة. اعتذرت بكثرة مشاغلي، وبصعوبة وخطورة ما أنا مقدم عليه. وحين عاودت اللجنة عرض الأمر عليّ بعد زمن – وكنت قد فكرت خلال ذلك بالأمر سائلاً نفسي: إن كنت أنت تتهـيّب ذلك يا عبد الرزاق عبد الواحد.. فمن سيقدم عليه ؟ – قـبلت المهمة، على صعوبتها، وعلى خطورتها، وعلى عظم المسؤولية فيها قبلتها لسبب قد يبدو غريباً: لقد خشيتُ من المستسهلين والمتساهلين. خشيت أن يخرج هذا الكنز المقدس إلى العالم بعد آلاف السنين من التساؤل، والترقب، والشك، وحتى الاتهـام.. خشيت أن يخرج بشكل يبّـرر كل تلك التساؤلات.. لذا كان علىّ أن أقبل التكليف.. وقبلته!
ليلـتها، بدأ في حياتي عهد جديد. لست أقـول ذلك مبالغةً، ولا إثـارةً.. ولا منّاً على الكتاب وأهله، بل هم الذين يمنّون علىّ أنْ كلفوني بهذه المهمة التي صارت شرف عمري كله.. ومجـد كتابتي كلها.
وشـرعت بقـراءة الترجـمة. مـراراً قرأت الكتاب، وأنا أحاول أن أجد المنفذ الإبداعي للدخول إليه, أمـا المنفذ الروحي فأنا أملكه بحكم كوني إنساناً مندائياً عاش مناخ الطقوس المندائية، وترعرع فيه منذ يوم ولادته.
أعـترف الآن أنّ هذا المنفـذ النفسي، الروحـي، كان هو دلـيلي.. وكان هو مـرشدي، ومفجّـر الإبـداع في كل جملة من جمل الكتاب أعدتُ صياغتها، متحسساً بأنامل روحي طريق الدخول إليها، ومعابر التواصل بين مفرداتها.. بين كل تلك الغيوم البيض المعطّـرة.. وغلائل الغموض اللذيذة، والمثيرة، والتي كانت تظـلّل الكلمات، مُخـبّئة فيها – بقـدسية باهرة – كنوزَها العزيزة.
لقد كان علي أن أركض وراء مساقط الكلمات لا الكلمات نفسها.. وأن أبحث في ظلال الحروف لا في أضويتها التي كانت تـعشي البصر في كثير من الأحيان.
أعترف مرة أخرى أنّ مندائيتي هي التي أخذت بيدي وسط مهرجان النور هذا. لقد أحسست أن منداد هيّي [هو لفظ الجلالة عندهم كما قرأت في أحد مواقعهم، ولعله صفة الله: الحَيّ] كان معي، ولم أكـذّب هذا الإحساس لحظة واحدة.
في إحدى الليالي كنت منحنياً على الورق في مكتبتي ست ساعات متواصلة دون أن انتبه إلى أنني لم أقف، ولم أتحرك من مكاني، وحين وقفت فجأة ترنحت وأوشكت على السقوط، فاتكـأت على سياج مكتبتي، ونظرت من نافـذتها العريضة المطلة على مجرى دجلة أمامي، وهتـفت بكل كـينونتي دون صوت: يا منداد هيي.. أمهلني فقط حتى أنجز كتابك هذا، ولحظة أنتهي منه تجـدني جاهزاً للذهـاب معك.. وسالت الدموع غزيرة على وجـهي!.
هذه المعـاناة الهائلة هي شـرفي.. وهي كنزي العظيم. سـنة وأربعة أشهر.. وبمعدل خمس ساعات في اليوم.. دون توقف، ودون انقطاع.. لم أشرك بالكتاب شيئاً: لا كتبت شعراً، ولا دراسة، ولا قرأت شيئاً خوف أن يختـلط بمناخ الكتاب ما يثـلّم رؤيتي فيه.
أتعـلمون أيها السـادة: سألت نفسي مرة: تفقس بيضتان.. يخرج من إحداهما فرخ بط، ومن الأخرى فرخ دجاج.. مَـنْ ألهم الأول أنه يستطيع العوم فيركض إلى الماء ويلقي نفسه فيه؟. وأخاف الثاني من الماء فهرب منه لأنه لا يحسن العوم فيه؟ كان ذلك دلـيلي في كـتابتي! انه ميراثي المندائي عـبر آلاف السنين.. به كنت ألتقط لآلئ الكنزا ربا، غائصاً في مياهها. لم تكن تحملني على أمواجها مقدرتي الأدبية وحدها، بل هذا الحسّ المـندائي بالمعنى.. حسّ فرخ البط وهو يركض إلى الماء.. وحسّ فرخ الدجاج وهو يهرب من الماء!
لست أدعي أن ما فعلته كان معجزةً. الكـتاب هو المعجزة. وكل ما فعلته أنني وضعته عربياً بين يدي أهله ومحبيه.. وبوضعه كذلك، وضعت نفسي موضع الرضا عن نفسي، أنني أنجـــزت في حـياتي شيئاً يعـتز به أولادي، وتعتز به طـائفتي حتى آخر إنسان فيها".
انتهى ما نحتاجه من مقال الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ممّا يشرح لنا كيف يمكن أن نرتقي بالنص المترجم إلى مستوى رفيع في اللغة المترجم إليها، وما يجب أن يتوافر لدى المترجم أو صائغ الترجمة من معرفة وعمق في اللغتين المترجم منها والمترجم إليها، مع الصَّبْر والتصبّر, والأمانة والصدق والإخلاص.