جناية تخريب أملاك الدولة (المادة (81) عقوبات وأحوال تطبيقها)
1 - كانت المادة (81 ع) في قانون سنة 1904 هي المادة (83 ع) وقد نقلت عن المادة (95) من قانون العقوبات الفرنسي، وقد عدلت العقوبة في قانون سنة 1904 لأنها كما ورد في تعليقات وزارة الحقانية كانت متناهية في الشدة وكان نصها في قانون سنة 1904 (كل من أحرق أو خرب عمدًا وبسوء قصد مباني أو مخازن مهمات أو نحو ذلك من أملاك الحكومة يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة).
ولما عدلت بالقانون نمرة (32) سنة 1923 حذف منها كلمة (أحرق) كما حذفت عبارة (بسوء قصد) اكتفاءً بكلمة (عمدًا).
2 - وقد وردت المادة (81 ع) تحت عنوان (في الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل) كما وردت في المادة (95 ع ف) المقابلة لها تحت العنوان المماثل بالقانون الفرنسي.
وظاهر من الرجوع إلى تعليقات وزارة الحقانية في سنة 1904 أن المادة المصرية منقولة عن المادة الفرنسية فقد جاء فيها (العقوبة المقررة في القانون القديم مأخوذة من المادة (95) المقابلة لهذه المادة من القانون الفرنساوي التي لا تنص إلا عن الضرر الحاصل باستعمال اللغم وظاهر أنها متناهية في الشدة).
3 - وفي القانون المصري فوق ذلك المادة (316) معدلة بقانون رقم (37) لسنة 1923 ونصها (كل من خرب أموالاً ثابتة أو منقولة لا يمتلكها أو جعلها غير صالحة للاستعمال أو عطلها بأية طريقة وكان ذلك بقصد الإساءة) يعاقب بالحبس أو الغرامة اللذين يختلف مقدارهما باختلاف قيمة الضرر الناشئ من الإتلاف ونوعه، ونص في الفقرة الأخيرة على أن (كل من ارتكب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرات الثلاث السابقة بواسطة استعمال قنابل أو ديناميت أو مفرقعات أخرى يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة).
وهي تقابل المادة (435 ع) فرنسي ونص الفقرة الأولى منها (وكذلك يكون العقاب تبعًا للأحوال المنصوص عليها في المادة السابقة - بالنسبة لمن يخربون عمدًا أو يشرعون في تخريب - بواسطة لغم أو مادة أخرى مفرقعة مباني أو مساكن أو قناطر..... وعلى وجه العموم أي منقول أو عقار مهما كان).
وفي إيراد التعبير على هذه الصورة ما يكفي للرد على ما قالته النيابة من أن المادة (435 ف) تقابل (223) عندنا فإن المادة التي تقابل (223) عندنا هي المادة (434 ف).
وقد جرى جندي بك عبد الملك في كتابه على اعتبار المادة (81) مقابلة للمادة (95) وعلى اعتبار المادة (316) جديدة مقابلة للمادتين (435 ف) و (437 ف).
4 - ولما كان نص المادتين (435) و (95) من القانون الفرنسي واحدًا فقد قام الخلاف بالنسبة للأحوال التي يطبق فيها كل من النصين، ويقول جارو في الجزء الثالث من مؤلفه طبعة خامسة بند (1237) ص (589) لو لم يوجد نص المادة (95) لوقع ما فيها من أعمال وجرائم تحت طائلة المادتين (434) و (435 ع) فكأن القانون وضع عقوبتين لعمل واحد، فكيف نحدد مدى تطبيق كل منهما.
وقد كان التساؤل لا ضرورة له قبل تعديل القانون في سنة 1832 الذي أنزل عقوبة المادة (435) إلى الأشغال الشاقة بدل الإعدام إذا كانت المساكن التي حصل تخريبها أو نسفها غير مسكونة وزادت أهمية الخلاف بعد ما حذفت عقوبة الإعدام من الجرائم السياسية والمادة (95) لورودها في باب الجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة في الداخل جريمة سياسية والمادة (435) جريمة عادية.
وأخذ (جارو) يستعرض الآراء التي أبديت في هذا الصدد، ففريق من الشراح يرى أن المادة (95) تنطبق على الأملاك العامة والمادة (435) على الأملاك الخاصة، وقد فنَّد جارو هذا التقسيم الذي قد تكون له قيمته التاريخية، وبنى جارو تفنيده لهذا الرأي على اعتبارات متعلقة بالتشريع الخاص بالجرائم السياسية وتشريع 1892 الذي أدخل على المادتين (434) و (435) تعديلاً بالنسبة لجرائم الفوضويين حيث نص فيه على حماية الطريق العام والخاص ومن رأيه أنه لا يصح كذلك الأخذ بالرأي القائل بالرجوع إلى الباعث على ارتكاب الجناية القائل بأنه إذا كان الباعث سياسيًا طبقت المادة (95) وإذا كان عاديًا طبقت المادتان الأخريان، لأن هذا التقسيم يصادر النظرية الفرنسية القائمة على أن الصفة السياسية لجريمة من الجرائم لا تتحدد تبعًا للبواعث التي دعت إلى ارتكابها.
ثم قال جارو (يجب أن يلاحظ أن المادة (95) وردت في الباب الذي يعاقب على أعمال الحروب الأهلية والفتن، وعلى ذلك فالقانون يفترض أن انفجار اللغم هو حادثة من حوادث الحرب الأهلية ووسيلة من وسائلها ففي هذه الحالة - وفيها فقط - تعد الحادثة معاقبًا عليها بالمادة (95) وتعتبر جريمة سياسية) أما المادتان (434) و (435) فتطبقان - دون بحث عما إذا كانت الأملاك عمومية أو خاصة - على كل عمل من هذه الأعمال يرتكب منفردًا مهما كان الباعث عليه
à tout fait du même genre commis isolément, quel qu’en fut le mobile. Il est dans l’opinion la plus générale qui permet de séparer les cas d’applications de ces textes paralleles (Garraud III p. 590).
5 - ويرى جارسون أيضًا هذا الرأي في تعليقه على المادة (95) ص (22) بند (9) وما بعده ويقرر أن المادة (95) تطبق في حالة ما ينفجر لغم وتخرب أملاك الحكومة أثناء حرب داخلية مسلحة.
وحين يعتبر عملاً من أعمال الدفاع العسكري أو عملاً من أعمال الحرب، وتطبق المادتان الأخيرتان من غير تمييز بين أملاك الدولة وأملاك الأفراد - إذا حصل انفجار اللغم كحادثة فردية مستقلة منعزلة بصرف النظر عن الباعث لدى المتهم.
6 - والآن وقد انتهينا من استعراض رأي الشراح الفرنسيين الذي يمثله جارو وجارسون وهو الرأي القائم على اعتبار الجريمة المنصوص عليها في المادة (95 ع) جريمة حرب أهلية ومظهرًا من مظاهرها، نعود إلى نص المادة (81 ع) ومكانها من القانون المصري فنجد أن كل المسوغات التي سوغ بها الشراح الفرنسيون رأيهم هذا متوفرة في مصر، فمكان المادة (81) من القانون وورودها في الباب الخاص بالجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل بين جنايات الاعتداء على حياة الملك أو ولي عهده، والشروع في قلب دستور الدولة أو شكل حكومتها بالقوة من عصابة مسلحة وتأليف عصابات لمهاجمة السكان، بليغ في دلالته.
وفي هذا الصدد يقول جارو في كتابه جزء ثالث ص (559) بند (1210)
Il faut voir, dans ces textes (arts. 95 ets.) leprincipe même qu’ils consacrent, celui d’une protection contre des complots et des attaques tendant au renversement du Gouvernement.
على أن نفس لفظ المادة (81) حيث تنص على تخريب مبانٍ أو مخازن للذخائر مما يجعل تفسير الشراح الفرنسيين أكثر انطباقًا فتخريب مخازن الذخيرة والمباني عمل ملحوظ فيه مهاجمة الحكومة كحكومة للتغلب عليها بالقوة.
7 - تقول النيابة في مذكرتها أن اشتراط حصول التخريب في زمن هياج أو فتنة أو حرب داخلية شرط زائد على نص المادة (81) وتخصيص لعموم هذا النص بغير مخصص وفرض قيد جديد، وأن المشرع المصري كلما عنَّ له في صدد جريمة من الجرائم أن يقيدها بهذا القيد فإنه ينص على ذلك صراحة كما نص في المادة (143) على أن كل من أتلف في زمن هياج أو فتنة خطًا من الخطوط التلغرافية.
ونسيت النيابة أن المشرع إنما وضع عبارة (في زمن هياج أو فتنة) في المادة (143) لأنها وردت في باب ليس خاصًا بالجرائم التي تحصل في زمن الهياج والفتن والحروب الداخلية، ولو أن هذه المادة وردت في الباب الثاني الذي وردت فيه المادة (81) لما احتاج الشارع إلى وضع هذا القيد.
8 - أما الاحتجاج بالاعتبارات العملية التي ألجأت الشراح في فرنسا إلى تفسير المادتين (95) و (435) هذا التفسير والقول بأنه لا محل له عندنا فمردود عليه، إذ أن المادة (316) معدلة بنفس تفسير النيابة تشمل ما يحصل في زمن الهياج والفتنة وهي تتناول كل ما تتناوله المادة (81 ع) والمادة (316) لا تشترط إلا أن يكون الشيء الذي حصل تخريبه غير مملوك للمتهم ولم تقيدها بأي قيد من شأنه أن يجعلها قاصرة على أملاك الأفراد، والعقاب في المادتين مختلف فأي المادتين يطبق والحالة هذه إذا حصل تخريب لملك من أملاك الدولة، هل توقع عقوبة المادة (81 ع) مهما كان الضرر الحاصل ولو كان مقصورًا على تخريب باب في مصلحة من المصالح فيقضى بالأشغال الشاقة المؤبدة بينما يقضى بالأشغال الشاقة المؤقتة ولو كان التخريب حاصلاً بواسطة استعمال لغم لنسف عمارة كبرى أو مستشفى مملوكين للأفراد، أم أن وجود هذين النصين وهما على هذه الحالة من الخلاف يقتضي وضع فوارق تحدد أحوال انطباق كل من المادتين.
9 - على أن استشهاد النيابة بالمذكرة الإيضاحية للمادة (316 ع) قد يحمل على الظن بأن المادة (81) قد أصبحت منسوخة بهذا التعديل الأخير لما ورد في المذكرة الإيضاحية من عبارات الفتنة والاضطراب خصوصًا وأن القوانين الحديثة تتجه نحو إلغاء المادة المقابلة للمادة (95 ع) فرنسي لشذوذها ولما توجده من صعوبات في التطبيق (راجع جارو نمرة (2) تحت هامش ص (589) جزء ثالث حيث يقرر أن القانون البلجيكي حذف المادة المقابلة لها).
وعلى أقل الفروض فتعتبر المادة (416) هي المادة الواجب تطبيقها بالنسبة لتخريب أملاك الدولة ولو كان حاصلاً زمن هياج وفتنة.
10 - مغزى تعديل سنة 1923
على أنه يخيل إلينا من ناحية أخرى أن المشرع بالتعديل الذي أدخله على المادة (316) في سنة 1923 جعل جريمة تخريب الأملاك بواسطة استعمال مفرقعات جريمة خاصة ورتب لها عقابًا خاصًا، وبهذا أخرجها من متناول المادة (81 ع) والظاهر أنه تأثر في ذلك بالتشريع الفرنسي الصادر في 1892 ومن المتفق عليه أن هذا التشريع يسري على الأملاك العامة والخاصة على أن الرأي الذي تقول به النيابة ينتهي بنا إلى الإقرار بوجود مادتين تعاقب كل منهما بعقوبات مختلفة عملاً واحدًا، وهذا الرأي بصرف النظر عن عدم معقوليته يلزمها ببيان الأحوال التي تطبق فيها كل من المادتين ومع شعور النيابة بضرورة وضع فارق عملي يهتدي به القاضي في تحديد الأحوال التي تطبق فيها كل مادة إلا أنها هربت من ذلك هروبًا ظاهرًا حيث قالت في ص (10) من مذكرتها (ولا تذهبن بالباحث رغبته في التوفيق بين نص المادة (81) وبقية نصوص مواد الإتلاف في القانون إلى تقيد المادة (81) باشتراط وجود دافع خاص لدى الجاني كباعث سياسي أو غرض سياسي) فمهمة التوفيق بين النصوص المختلفة مهمة متعينة على القاضي في الحالة التي نحن بصددها لأنه أمام نصين قانونين متعلقين بجريمة واحدة وكل منهما يطبق عقوبة مختلفة، فمتعين عليه أن يوفق بين هذين النصين حتى يعرف أيهما يطبق وليست هذه الحالة كحالة انطباق عدة أوصاف مختلفة على فعل واحد، بل أن الفعل هنا موصوف بأنه تخريب لملك من أملاك الدولة ومعاقب بمادتين تقرران عقوبتين متغايرتين.
كذلك نحن لم نذهب إلى إدخال الباعث السياسي في تقديرنا بل بالعكس نحن نقول بوجوب الأخذ برأي جارو وجارسون وكل منهما يستبعد الباعث والغرض ويحدد دائرة البحث في نوع العمل وهل هو جزء من أعمال تكون حربًا أهلية، أم هو عمل مستقل لا دخل له بغيره فكل الاعتراضات التي ساقتها النيابة على مسألة الباعث السياسي لا محل لإيرادها هنا.
نخرج من هذا البحث إلى أن ما وقع من المتهمين إنما ينطبق عليه المادة (316) فقرة ثالثة معدلة لا المادة (81 ع).
ثانيًا: ركن سبق الإصرار - وسلطة محكمة النقض في الرقابة عليه
11 - عن ركن سبق الإصرار واستبعاده وطعن النيابة في ذلك.
تحدد قضاء محكمة النقض والإبرام في هذه المسألة بالحكم الصادر في 24 أكتوبر سنة 1932 (محاماة سنة ثالثة عشرة رقم (181) ص (276) حيث قالت (إن الترصد وسبق الإصرار هما من الظروف المشددة والبحث في وجود أيهما وعدم وجوده داخل تحت سلطة قاضي الموضوع مثل العناصر الأساسية التي تتكوَّن منها الجريمة تمامًا وللقاضي أن يستنتج توافر أي منهما مما يحصل لديه من ظروف الدعوى وقرائنها ومتى قال بوجوده فلا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك اللهم إلا إذا كانت تلك الظروف والقرائن التي بينتها (لا تصلح عقلاً لهذا الاستنتاج).
وقد قالت محكمة الموضوع في حكمها تحت عنوان (عن التطبيق القانوني) ( وأما ظرف سبق الإصرار فغير متوفر إذ أن إعداد القنبلة ووضعها تحت الشريط وإشعالها لا يكون سبق الإصرار على القتل الذي كان نتيجة احتمالية لانفجار القنبلة).
فالمحكمة هنا استبعدت ركن سبق الإصرار بالنسبة لجنايتي القتل والشروع في قتل الخفيرين بناءً على أن نية قتلهما لم تكن متوفرة لدى المتهمين وإنما كانت النية محصورة في انفجار القنبلة لتعطيل القطار، وإذا كان القتل قد حدث بعد ذلك فإنما كان ذلك نتيجة احتمالية للفعل الذي أراده المتهمان وقصداه بالذات.
وهذا البيان الذي ورد في الحكم - في ذاته - بيان معقول واستنتاج يسيغه المنطق فلا يمكن أن تجد النيابة فيه محلاً للطعن، ولذلك فإن النيابة بنت طعنها على ما جاء قبل ذلك من الأسباب خاصًا بما أثبته الحكم من توفر نية القتل والشروع في القتل بخصوص الخفيرين، وهذه مسألة موضوع بحث خاص في النقض المرفوع من المتهمين سنناقشها في محلها ومتى ثبت لمحكمة النقض أن محكمة الموضوع أخطأت في إثبات ركن النية وتعمد القتل سقط استنتاج النيابة.
وسلم الحكم من الطعن عليه في مسألة استبعاد ركن سبق الإصرار.