بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه. فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج، فكاتمهم ما يريد ...
قال ابن سعد في الطبقات: 3 / 35: (انتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وهو من حمير وعداده في مراد، وهو حليف بني جبلة من كندة والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، ويريحن العباد منهم. فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا لكم بعلي بن أبي طالب، وقال البرك: وأنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا وتواثقوا لا ينكص رجل منهم عن صاحبه الذي سمى ويتوجه إليه حتى يقتله، أو يموت دونه!
فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه. فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج، فكاتمهم ما يريد وكان يزورهم ويزورونه، فزار يوما نفرا من تيم الرباب فرأى امرأة منهم يقال لها قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم نهروان فأعجبته فخطبها فقالت: لا أتزوجك حتى تسمي لي، فقال لا تسألينني شيئا إلا أعطيتك! فقالت: ثلاثة آلاف وقتل علي بن أبي طالب! فقال: والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب، وقد آتيتك ما سألت.
ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي فأعلمه ما يريد ودعاه إلى أن يكون معه، فأجابه إلى ذلك، وبات عبد الرحمن بن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليا في صبيحتها، يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده، حتى كاد أن يطلع الفجر فقال له الأشعث: فضحك الصبح فقم، فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبيب بن بجرة، فأخذا أسيافهما ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي.... فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول لله الحكم يا علي لا لك، ثم رأيت سيفا ثانيا فضربا جميعا، فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمعت عليا يقول لا يفوتنكم الرجل وشد الناس عليهما من كل جانب، فأما شبيب فأفلت، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم فأدخل على علي فقال: أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا أولى بدمه عفوا أو قصاصا، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين!
وفي مناقب آل أبي طالب 3 / 95: وأما شبيب بن بجرة، فإنه خرج هاربا فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره، وأخذ السيف من يده ليقتله، فرأى الناس يقصدون نحوه، فخشي أن يعجلوا عليه فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السيف عن يده ففاته، فخرج هاربا حتى دخل منزله، فدخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره، فقال له: ما هذا؟ لعلك قتلت أمير المؤمنين! فأراد أن يقول: لا، فقال: نعم، فمضى ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله).انتهى.
وفي أنساب الأشراف للبلاذري ص 487: (فقدم ابن ملجم الكوفة وجعل يكتم أمره، فتزوج قطام بنت علقمة من تيم الرباب، وكان علي قتل أخاها، فأخبرها بأمره، وكان أقام عندها ثلاث ليال، فقالت له في الليلة الثالثة: لشد ما أحببت لزوم أهلك وبيتك، وأضربت عن الأمر الذي قدمت له! فقال: إن لي وقتا واعدت عليه أصحابي، ولن أجاوزه. ثم إنه قعد لعلي فقتله، ضربه على رأسه، وضرب ابن عم له عضادة الباب، فقال علي حين وقع به السيف: فزت ورب الكعبة.
الأشعث يتأكد من نجاح مؤامرته!
اتفقت الروايات على أن ابن ملجم من بني مراد، وكان عداده في كندة، أي تسجيل نفوسه ومسؤوليته الحقوقية والجنائية في كندة ورئيسها الأشعث بن قيس!
وأن ابن ملجم دخل الكوفة قبل شهر من اغتياله لأمير المؤمنين عليه السلام ونزل ضيفا عند الأشعث! واتفقت الروايات على أن الأشعث كان رجل معاوية الأول في العراق، وأنه عمل بكل قدرته لإنجاح مؤامرة ابن ملجم في قتل أمير المؤمنين عليه السلام وأشرك عددا من رجاله فيها! فهل يعقل أن لا يكون معاوية وراءها أو في مجراها؟! قال في مقاتل الطالبيين ص 20: (وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين أخبار يطول شرحها...). انتهى.
وقال البلاذري في أنساب الأشراف ص 496: (وبعث الأشعث ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي فقال: أي بني أنظر كيف أصبح الرجل وكيف تره؟ فذهب فنظر إليه ثم رجع فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه، فقال الأشعث: عيني دميغ ورب الكعبة). انتهى. (ومثله في طبقات ابن سعد: 3 / 144، وقال ابن الأثير في النهاية: 2 / 133: (ومنه حديث علي: رأيت عينيه عيني دميغ. يقال رجل دميغ ومدموغ إذا خرج دماغه). (ومثله في لسان العرب: 8 / 424، وغيره).
ولم يتهنأ الأشعث بقتل أمير المؤمنين عليه السلام، فقد هلك بعده بأيام يسيرة (تهذيب التهذيب: 1 / 313 وتاريخ دمشق :9/144) تاركا فرخيه جعدة ومحمد بن الأشعث، ليواصلا تآمر أبيهما على العترة النبوية، ويشتركا في قتل الإمامين الحسن والحسين صلى الله عليه وآله!
المصدر: كتاب جواهر التاريخ