الصويرة العراقية … مدينة الزعيم المنسية
تقع مدينة الصويرة جنوب العاصمة بغداد وتبعد عنها (68)كم وتبعد عن محافظة واسط (128)كم وعن محافظة بابل (81)كم. وهي اليوم قضاء يتبع لمحافظة واسط . تتمتع الصويرة بهواء نقي وسماء زرقاء صافية وجوها معتدل بسبب كثرة المساحات الخضراء فيها والبساتين المحيطة بها ،وجوها مماثل لأجواء المنطقة الوسطى من العراق،وتعد الصويرة عروس محافظة واسط وأحد اقضيتها المهمة الواسعة، فهي تحتضن نهر دجلة بذراعيها وتكون أمامها شبه جزيرة (ربيضة ) الواقعة شرق دجلة امام المدينة.
تأسيس مدينةالصويرة
يقول مؤرخ الصويرة الحديثة السيد عبد المطلب الموسوي في كتابه (الصويرة حاضرها ومستقبلها) ؛”ذهبت هنا وهناك وسألت هذا وذاك وانغمرت في وسط من الشيوخ سائلا وباحثا ومنقبا عن تاريخ تأسيس الصويرة القديمة التي انشئت شرقي بدعة حمد واتضحت لي الحقيقة الكاملة بعد تدقيقها والتاريخ الصحيح بعد ذلك،ان الذين وجّهت لهم اسألتي ارشدوني الى رجل عاصر وجود الصويرة القديمة ونهايتها وبناء الصويرة الحديثة وبدايتها. ذلك الرجل الكبير الذي راينا ان ناخذ هذه المصادر منه هو (محمد بن سعودي) الذي بلغ من العمر مائة وثلاثة وعشرون عاما الذي قال عمري كان ثماني سنين عند بدء تأسيس الصويرة القديمة،وأضاف ان الصويرة القديمة عمرت خمس واربعين سنة ثم غرقت بعض بيوتها وانتقلوا الى الصويرة الحديـــثة،واذ عرفنا ان الصويرة الحديثة قد تأسست عام1314هـ أي ان عمر الصويرة الحديثة حتى عام 1382 بلغ 68 عاما فاذا ما اضفنا هذه الاعوام على الاعوام ال 45 التي عاشتها الصويرة القديمة حينئذ نتمكن من ان نحصر ونجمع عمر الصويرة القديمة والصويرة الحديثة في 113 سنة (حتى كتابة الكتاب) وبذلك نكون قد تاكدنا من ان الصويرة القديمة تاسست عام1269هـ يقابلها في السنة الميلادية 1852 م هذا هو التاريخ الهجري والميلادي التي تأسست فيها الصويرة القديمة ومن المرجح انها تاسست في السنة التي مات فيها الشيخ ( وادي الشفلح ) وهي سنة1271 هـ”.
كما يشيرعدد من الباحثين الى ان المدينة كان يطلق عليها اسم “الصيرة” وأن سبب تسميتها بهذا الاسم يعود الى ان اول قائمقام وهو (محمد بن المجيهيل ) قد اعطى صلاحيات الى (محمد الطعمة )وهو شيخ عشيرة وبدوره أمر أقاربه بنقل القصب والحطب والصريم وعملوا (صيره) اي (سياج) يسع للقائمقامية وللجندرمة وعلى هدا الاساس سميت المدينة بـ (الصيرة)، وبنيت دار للحكومة التي تتألف من قائمقام وجندرمة، ويبدو أن السكان قد استحسنوا هذا المسمى ولا زالوا يستخدمونه حتى يومنا ويطلقوا على مدينتهم اسم “الصيرة”. كما ان سبب تسمية المدينة الجديدة بـ”الصويرة” كان للتفريق في مراسلات البريد بين الصيرة والبصرة،وكما اشرنا سابقا فقد تأسست المدينة الجديدة سنة 1852م ولم يعترف بها رسميا الا عام 1884م اي بعد نشوئها بـ32سنة حيث نظمت بصورة قضاء وسجلت في سلمانت بغداد (الجريدة العثمانية الرسمية لولاية بغداد ) وبقيت مرتبطة مع بغداد اداريا مدة 41 سنة حيث انفصلت عنها والحقت بالكوت عام 1937م .
ثانوية الزعيم .. عبد الكريم قاسم يتبرع بأرضه لبنائها
لقد تبرع رئيس الوزراء العراقي الزعيم عبد الكريم قاسم الذي قضى طفولته في مدينة الصويرة والتي تتحدر منها والدته ،وآلت له بعض الاملاك التي ورثها عن عائلته ومنها اربع قطع اراض،تبرع بها وهو في سدة الحكم لتصبح تحت تصرف الدولة، اذ جاء في وثيقة التبرع ما نصه؛”يسرني جدا ان اضع تحت تصرف ابناء الشعب الدور والأملاك المسجلة بأسمي في الطابو المثبتة ارقامها في هذه الرسالة وهي دور سكنية في قضاء الصويرة كانت تعود الى والدي واقاربي، وقد قضيت فيها ايام طفولتي ودراستي الاولى حتى الصف الرابع.ان هذه الدور تشكل بمجموعها ساحة واحدة تحاط بالشوارع من جهاتها الاربع وتقع مقابل نهر دجلة،واني اهبها الى الدولة وارغب ان يستفيد منها ابناء الشعب في الجمهورية العراقية الخالدة بشرط أن يجري توحيد هذه الاملاك والدور بقطعة واحدة تأخذ رقم التسلسل 2 / 1 / 1 وهي رقم الدار التي سكنتها ايام طفولتي مع والدي واهلي في الصويرة، وان يتم توحيدها وتسجيلها بأسمي ثم توهب الى الدولة وتسجل نهائيا بأسم وزارة المالية وتهيأ لأستفادة ابناء الشعب منها كمدرسة ثانوية للبنات على ان ينشأ مقابلها بأتجاه نهر دجلة حديقة ملائمة. ارجو سرعة الاستفادة منها وفقا لما يقرره مجلس الوزراء بشأنها واعلامنا “.وقد ولدت فكرة بناء مدرسة ثانوية للبنات لدى الزعيم نتيجة خلو مدينة الصويرة من مدرسة ثانوية للبنات حينها حيث كانت الطالبات يتلقين دروسهن في بناية القائممقامية .
وقد تم فعلا بناء ثانوية اطلق عليها “ثانوية الزعيم للبنات “في مدينة الصويرة التي تم افتتاحها في عام 1961 واصبحت احد العلامات المهمة هي والمكتبة العامة التي بنيت مقابلها والتي ربط بينهما نفق يمر تحت الشارع العام.وقد كتب استاذ العمارة العراقي د. خالد السلطاني عن هذه المدرسة ؛”عمارة مبنى ثانوية الزعيم للبنات في الصويرة (1961) تظل الحدث المميز في مجمل خطاب “عمارة الضواحي” لمصممها المعمار العراقي قحطان عوني نظرا لعمارتها الفريدة التي تغوي بقراءة نقدية، قراءة خاصة على ما يسمى بالنقد التناصي”.
تاريخ وأثار مدينة الصويرة
لقد ضمت مدينة الصويرة آثار ومقامات وأضرحة لبعض الأنبياء والأولياء، الى جانب الآثار السومرية والبابلية وغيرها. ويمكن ملاحظة ذلك من الُلقى التي عثر عليها الأهالي تحت أطلال التلال المنتشرة هنا وهناك، عن طريق النبش العشوائي، لعدم وجود سلطة تحمي هذه المتروكات.
ومن الشواهد المهمة في الصويرة مقام النبي شيت(ع)،ويقع في الشمال الغربي من قضاء الصويرة، في منطقة ” السَمْرَة ” ويقال ان هذا المقام هو (خطوة) ويقصد بها أن النبي شيت (ع) مَرَّ من هنا وصلى بهذه البقعة.كما يوجد في الصويرة مقام اخر هو مشهد نبي الله ابراهيم الخليل (ع)،و يقع هذا المشهد في منطقة آثارية تدعى ” تل العقير” على بعد (51 كم) الى الجنوب من بغداد، وشمال غرب منطقة الصويرة، وشمال شرق مدينة جْبَلَة، بالقرب من ” أطلال كوثا ” المعروفة في المنطقة بأسم حبل ابراهيم.
أما منطقة ” كوثا ” فإنها عبارة عن تلال تقع شمال ناحية جبله التابعة حالياً لمحافظة بابل، غير أنها كانت تتبع ادارياً الى قضاء الصويرة.وقد أُشير الى هذا المزار في كتاب (مراقد المعارف) لمؤلفه محمد حرز الدين، ج1: ص25 ،وجاء به؛”وهاجر ابراهيم مع أبويه الى بابل وأقاموا في قرية “كوثي رُبى”، وكان فيها نموه ونشأته، وفيها صار ينكر على النمرود وقومه، حيث اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله تعالى، وهنا رماه النمرود بالنار التي أعدها، وقد جعلها الله برداً وسلاماً”.
وربما كان مرقد السيد تاج الدين(رض) من أهم المراقد في الصويرة،وهو سيد من الاشراف من نسل الرسول الكريم عاش في حقبة دولة المغول الاليخانيون في العراق حوالي 710 هـ ، وتروى سيرته على ان السيد تاج الدين كان من أبرز علماء عصره في امور الدين والدولة، فولاه السلطان (اولجانيود) نقابة الاشراف،وقد أنتهت حياته قتلاً، كما ذُبِحَ نجليه أمامه قبل قتله،بتحريض من يهود منطقة الكفل.وسبب قتله كما تروى سيرته، انه كان قد ابتنى مسجداً قرب مشهد النبي ذو الكفل (ع)، وبذلك امتنع على اليهود طريق الزيارة، فتربصوا له وكادوا له لدى السلطان ودبروا أمر قتله نهاراً جهاراً، بأمر السلطان الذي قتله شَرَّ قتلة في المكان الذي فيه المقام.وكانت بناية المرقد في ناحية الحفرية التابعة لقضاء الصويرةعبارة عن غرفة بسيطة في البداية ثم شملتها الرعاية لاحقاً وازيحت الغرفة وشيدت على القبر قبة عالية، وتوسعة للفناء فصار صحناً كبيرا.
كما يوجد في الصويرة بقايا المعبد المجوسي الكبير الذي يعرف محليا بـ ”جَباب النار ” أي مؤجج النار وهو بقايا لبناء غير واضح المعالم، بسبب عوامل التعرية التي أكلت أركانه، ويقع على ربوة تشبه التل، الى الجنوب الغربي من مدينة الصويرة، والى الغرب من ناحية الشحيمية.التابعة لقضاء الصويرة ،اما ابرز التلال المحيطة بمدينة الصويرة فهي تلال غرب الصويرة، وأبرزها تل الثابتي، تل الجُبَيل، تل أمدينه، تل الجحيشيات، تل الطواكَيات، تل المتثالثات، تل أُم النار، تل العقير، تل كوثي،وكل هذه التلال هي تجمعات اثرية غير مفهرسة وغير مدروسة ولم تتم فيها عمليات تنقيب نظامية حتى الان.
سكان الصويرة.. خليط عراقي متجانس
قبل ان تبنى هذه المدينة كانت ارضها مراحا لأبل عشائر زبيد لخلوها من الحشرات التي تنفر منها الجمال،كما استوطنتها قبائل “شمر طوكة” عند هجرتها من شرق الفرات الاوسط في القرن الثامن وبقيت رابضة فيها مدة طويلة ثم عبرت نهر دجلة حيث استوطنت في محلها الحالي على طول نهر دجلة جنوب بغداد. كما سكن الصويرة ولا زالوا بها عشيرة بني عجيل التي هبطت اليها من شرق الجزيرة العربية من مناطق البحرين حيث تفرقت هذه العشيرة واستوطنت الاردن وسوريا والعراق. اما ابناء الصويرة الحاليون فقد تنوعت اصولهم بعد انشاء المدينة في منتصف القرن التاسع عشر ،فأكثرهم من مدينة الحلة وقسم من بغداد وبعض المدن الاخرى التي هاجرت عوائلها لسبب او لآخر واستقرت في الصويرة .
ونتيجة الاهمال الذي تعانيه المدينة اليوم نسمع صوت اهالي الصويرة وهم ينادون بأن مدينتهم التي ربت للعراق زعيماً أقل مايقال عنه انه كان وطنيا شريفا زاهداً غير فاسد، مدينة ميزانيتها من اقوى ميزانيات الاقضية العراقية وأهلها تشكيلة طيبة من مختلف الطوائف العراقية من سنة وشيعة وكرد متصاهرين ومتحابين، فيها إمارة زبيد ومشايخ شمر وبني عجيل، ومع ذلك فهي من اقل مدن العراق حصولا على الخدمات والاهتمام الحكومي،فالى متى تبقى مدينة الزعيم تعاني الاهمال والنسيان؟.