وبعد طول الغياب ! خرجت في الصباح الباكر مشياً علي الأقدام في جولة طويلة مررت من خلالها بإحدي فرعي نهر النيل
جلست تحت شجرة معمرة منذ مئات السنين ،عريضة الجذع شاهقة الإرتفاع ومتشعبة الأفرع تلقي ظلالها في هدوء علي رفيق عمرها نيلها الخالد وعلي منبتها لتُلطف جفاف روحي المشتاقة لها وكأنها استشعرت قدومي إليها قبل أن أنوي المجيئ ولعل إستشعارها ذاك كان مناديا لي وها أنا لبيت النداء!
تستقي جذورها من رفيقها ما يلزمها لإستمرارية حياتها حتي الآن وكأنها بالأمس فقط زُرِعت ! جلست وحدي في ظل تلك الوارفة أتلذذ برائحة الندي ومداعبة شعاع ضعيف للشمس لي من بين أفرع حلوتي المعمرة أتمعن النظر لماء النيل الصافي وأسماكه الصغيرة التي سرعان ما شعرت وجودي لتثب من الماء معلنة لي سرورها لعودتي ولتسترق نبضات قلبي بتلك الوثبات وكأنها تخبرني بحنينها لي وكأنها تريد أن تقول لي (( أين كنتي !؟ لما كل هذا الغياب !؟ )) كم أسعدني شعوري بنداء حلوتي الشامخة وإشتياق رفيقها وأسماكه وشمسه لي فما كان مني إلا أن أبادلهم وأعلن عن شدة إشتياقي وحنيني إليهم وسعادتي بوجدي برفقتهم .
واسترجعت الكثير من الذكريات التي رسمت بدورها إبتسامة سعادة غمرت قلبي قبل وجهي ولكن سرعان ما تسبب هاتفي في قتل تلك اللحظات بإتصال أحد أبنائي ( أمي أين أنتي !؟ )) خرجت بألم من رحلة سعادتي ، كم كان جمييييلاً حواري والطبيعة الخلابة عن مدي اشتياقنا وسعادتنا بجميعنا
وقررت العودة لبيتي واولادي وفِي طريقي استرجعت هذا الحوار الممتع بيني وبين النيل وصغيراته لأدخل مسرعة لكوخ تلك السعادة الغامرة وارتسمت مرة أخري ابتساماتي
م