المشروعية
" هي صفة كل ما هو مطابق للقانون". وهو مبدأ اساس للتصرف الاداري . حيث تتوافر الضمانات الاساس للفرد وحيث لا تستطيع الادارة بموجبه العمل الا طبقا للقانون. وهذا يعني ان تصرفات الاجهزة التي تتكون منها الدولة، وعلى وجه الخصوص الاجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية لا تتمتع بحماية القانون ولن تكون لها اية قيمة، ما لم تكن متوافقة مع قواعده النافذة، حيث ترسم هذه القواعد حدود التصرف الاداري وان اي تجاوز لهذه الحدود من قبل الادارة يضعها في دائرة المساءلة ويعرض تصرفها الىالاخطار، بمعنى اخر فانه " لا يجوز للادارة ـ والا كانت مخالفة للقانون، ومنتهكة لاحكامه ـ ان تقوم باي عمل قانوني او مادي الا على وفق القانون وبتخويل منه وعلى وفق الاجراءات الشكلية المحددة فيه تحقيقا للأهداف التي يتوخاها"
وما نعنيه ( بالقانون) هو معناه الواسع، وهو بهذا المعنى يشمل اغلب القواعد " وليس كلها في كل حال" متى ما كانت عامة ومجردة وأيا كان مصدرها دستوريا أو تشريعيا او عرفيا او قضائيا او اداريا . وهذا ما يجعل من مصطلح المشروعية مرادفا للتنظيم القانوني، وان كان بعض الفقهاء لا يقر بالتعريف الواسع للقانون من حيث كونه مصدرا للمشروعية كالفقيه الذي يحدد خضوع الادارة للقوانين الشكلية فقط.
إن خضوع الادارة للقانون قد يدفع الى الاعتقاد بانها لا تتميز بنظام يختلف من هذه الناحية عن الافراد، الذين يخضعون هم ايضا اليه الا ان المراحل التاريخية التي مرت بها الدولة تؤكد ان لا صحة لمثل هذا الاعتقاد فالدولة اولا كانت فوق القانون هذا من ناحية؛ كما ان الحكومة كانت متحللة من اي خضوع للقواعد وهي لم تصل الى مرحلة خضوعها للقانون الا بعد تحويلها من (دولة بوليس) الى (دولة قانون) من ناحية اخرى.. فمبدأ المشروعية لا يعني خضوع الادارة لقواعد خارجة عنها حسب بل هي الى جانب ذلك تخضع لقواعد تضعها هي بنفسها كالانظمة ولمبادئ صادرة عن قاض من عالم الادارة نفسه هو القاضي الاداري، واخيرا فان تدرج القواعد القانونية يولد تدرجا في السلطات العامة التي تختلف من حيث خضوعها لمبدأ المشروعية بعضها عن بعضها الاخر وهذا ما يجعل لكل من هذه السلطات محتوى متميزا من القواعد القانونية التي تخضع لها.
ان مبدا المشروعية لا يعني مجرد خضوع الادارة الى قواعد خارجية بل هو ايضا شكل من القواعد النفسية ـ مثلاـ ان تضع نصب عينيها تحقيق المصلحة العامة ومن البديهي إدراك ان تحقيق هذا الهدف مسألة لا تدخل ضمن القواعد الخارجية المفروضة على الادارة.
مصادر المشروعية
مبدأ المشروعية، بوصفه علاقة بين قواعد محددة وبين النشاط الاداري يدفعنا الى ان نتساءل عن مصادر هذه القواعد فهذه المصادر ـ وهي مصادر القانون والمشروعية معا، على اختلاف تدرجاته ـ هي التي ينبع منها ما يلزم الادارة من قواعد وان تجاوزها او تصرف على خلافها بما يعرض العمل الاداري سواء كان قانونيا أم ماديا الى اللامشروعية ثم الى البطلان. وجريا مع المفهوم الواسع للقانون، فان قواعد هذا الاخير قد تنبثق عن مصادر مدونة او غير مدونة كما انها تتدرج فيما بينها من حيث قيمتها وقوتها الامر الذي يعطي مبدأ المشروعية عنصرا جديدا من الفعالية والحركة.
و في ضوء ما سبق ذكره سنتناول موضوع مصادر المشروعية على النحو الآتي: "المصادر المدونة" للمشروعية ثم "مصادرها غير المدونة".
المصادر المدونة
تقع المصادر المدونة في مقدمة مصادر المشروعية، وهي تنحصر في القوانين الدستورية ثم المعاهدات والاتفاقات الدولية، تليها القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية في الدولة ثم الانظمة التي تصدر عن الادارة بموجب السلطات الممنوحة لها، وهذا ما سنتناوله هنا بالشرح تباعا.
الدستور
تاتي القواعد الدستورية في مقدمة مصادر المشروعية وذلك لانها تعد اسمى من جميع القواعد الاخرى التي تخضع لها الادارة. والسبب في انها تنشأ وتنظم السلطات العامة وتحدد دائرة اختصاص كل منها وتبين كيفية ممارسة هذه الاختصاصات، كما انها تقرر حقوق والتزامات الافراد وحرياتهم واخيرا فانها هي التي تضع الاساس الذي يقوم عليه البناء الاجتماعي والاقتصادي في الدولة.
لكل هذا فالادارة لابد وان تخضع بداهة لهذه القواعد والا تعرض تصرفها الى الالغاء، كما لو قامت الادارة بتنفيذ قانون بامر رجعي من دون نص يسوّغ ذلك فقرارها سيكون مستحق الالغاء بسبب النص الدستوري الذي يحرم تبيطق القانون باثر رجعي، ما لم يقرر القانون ذلك بنص خاص.
القيمة القانونية لإعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير:
ترتبط بالدستور نصوص اخرى تتطلب منا معرفة قيمتها القانونية كاعلانات الحقوق وما تتضمنه مقدمات الدساتير [الديباجات] من مبادئ عليا. ان مسالة القيمة القانونية لاعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير كانت محل جدل واختلاف كبير بين الفقهاء، اذ لم يكن هناك اتفاق حول ما اذا كانت تلك النصوص تملك قوة النصوص القانونية. ومن ثم فان خرقها من قبل قرار إداري يؤدي الى بطلان هذا الاخير.
وغالبا ما تسجل الدولة، على اثر ثورة وقيام نظام جديد يختلف عن سابقه من حيث الاسس والمبادئ، قيم المجتمع الجديد ونظمه في وثيقة رسمية يتعرف الشعب من خلالها على فلسفة النظام الجديد وما يثبّت له من حقوق وما يفرضه عليه من واجبات، وذلك لربط جسور الثقة والاستقرار بين السلطة الجديدة والشعب، ومع ذلك تظل تلك الوثائق تثير هي الاخرى مسائل تتعلق بقيمتها وقوتها القانونية بين مصادر المشروعية الاخرى.
وعلى كل حال فانه يمكن تلخيص الاراء التي تناولت هذه المسالة كما يلي :ـ
1ـ يرى جانب من الفقه بان لمقدمات الدساتير واعلانات الحقوق قيمة قانونية تسمو على النصوص الدستورية، بوصفها تتضمن الاسس التي تشيد عليها هذه النصوص وبهذا فهي ملزمة للسلطة التأسيسية التي تقوم بوضع الدستور، ومن باب أولى فهي ملزمة للسلطات المؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
2ـ بينما يساوي جانب اخر من الفقه بين النصوص الدستورية وبين مقدمات الدساتير واعلانات الحقوق بسبب ورودها عن ذات المنبع الا هو ادارة السلطة التاسيسية.
3ـ ويميز جانب ثالث بين القواعد القانونية التي تحتويها اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير، فالقاعدة الملزمة لسلطات الدولة اذا ما كانت قابلة للتطبيق المباشر وهي ليست كذلك اذا ما اقتصرت على مجرد توجيهات او اتجاهات فلسفية او برنامج عمل يراد ادراكه وتحقيقه.
4ـ ومن الفقهاء من يجرد اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير من اي قوة الزامية وينكر عليها ان تكون لها قيمة قانونية فهي برأيهم لا تبدو ان تكون مجرد امال وطموحات لواضعي الدستور ولا تتضمن سوى مبادئ فلسفية و سياسية اكثر منها قانونية محددة. ومن ثم لا تعد قواعد قانونية منشئة لمراكز قانونية واضحة المعالم، ظاهرة الحدود، ومن ثم لا تكون مقيدة للسلطات التي ينشئها الدستور ولا يكون لها ازاء هذه السلطات سوى قيمة ادبية.
موقف مجلس الدولة الفرنسي:
خضع موقف مجلس الدولة الفرنسي من مسألة القيمة القانونية لاعلانات ومقدمات الدساتير والمبادئ الواردة فيها الى تطوير كبير، حيث لم يعط مجلس الدولة هذه المبادئ في البدء، قيمة النصوص القانونية المكتوبة وان كان يعترف لها بنوع من الالزام بوصفها اما قواعد عرفية غير مكتوبة او مبادئ قانونية عامة. الا ان موقف مجلس الدولة ـ كما يبدوـ قد تغير منذ قضية Candamine في 7 حزيران 1957. حيث اعترف لاول مرة بالقيمة القانونية للنصوص الواردة في اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير. بوصفها مصدرا لقواعد قانونية مكتوبة لها بذاتها قوة الزامية قانونية، ويترتب على مخالفتها من جانب الادارة بطلان ما تصدره من قرارات للمخالفة لها.
ولكنه على الرغم من أنَّ مجلس الدولة قد وصل الى اقرار القيمة القانونية لاعلانات الحقوق و مقدمات الدساتير والزاميتها فقد كان هذا التردد للمجلس السبب الذي دعا بعض فقهاء القانون العام الى تحديد مرتبة هذه النصوص