الناصرية .. المنتفك .. ذي قار
الناصرية .. المنتفك .. ذي قار
تاريخ ووطنية ورجولة
الناصرية ،المنتفق ،ذي قار،مسميات لبقعة أرض شهدت عبر التاريخ مواقف كبيرة ومهمة حتى أضحت حلقة وصل بين وسط العراق وجنوبه ،لا يختلف اثنان على عظمة وأهمية واقعة ذي قار عام 610 م ،حيث انتصر بنو شيبان بقيادة المثنى بن حارث الشيباني على الفرس أنذاك في معركة سميت معركة ذي قار ،في الوقت الذي كان بنو شيبان مجرد قبيلة ،والفرس دولة كبيرة مترامية الأطراف ،يتحدث المؤرخ الكبير المرحوم عبد الرزاق الحسني في كتابه العراق (قديما وحديثا) عن تلك الأرض التي شهدت عدة مسميات كما اشرنا ،منها لواء المنتفق،فيقول هناك عدة روايات في أسباب تسمية قبائل هذا اللواء بالمنتفق ،فمن المؤرخين من يرى ان (اتفاق) عمائر المنتفق الثلاث ” بني مالك وبني سعيد والأجود ” كان سببا لهذه التسمية،ومنهم من يرى أن جد بني المنتفق كان يحترش اليرابيع قبل الإسلام “اي يخرجها من نافقائها”على حين يقول أخرون ان هذا الجد كان يقيم في نفق “شبه مغارة” لشدة الحر فقيل لجماعته المنتفقة والرواية الأولى أكثر شيوعا ولعلها أكثر انطباقا على واقع التاريخ،فأن العمائر الثلاث المذكورة قد أجتمعت واتحدت في هذا السهل المنبســــط ،منذ زمن بعــــيد وقد ذكر إبن خـــــلدون في مقدمتة (ج2ص 302) ان بني عامر المنتفق قد خلفوا القبائل التي هزمت الفرس يوم ذي قار،وهم بطن من ربيعة بن صعصعة العدنانية .
إلى هنا إنتهى كلام المرحوم الحسني،وعلى المستوى الميداني فقد خرج من لواء المنتفق عدد مهم من رموز العراق على مستوى السياسة والفن ،منهم السياسي الكبير عبد المحسن السعدون الذي توفي عام 1929 م حين كان رئيسا للوزراء،والسياسي الكبير أيضا صالح جبر الذي توفي عام 1957م وقد كان قبل وفاته بسنوات قد إستلم منصب رئيس الوزراء،فضلا عن سياسين كبار أخرين منتمين لأحزاب عدة منها الحزب الشيوعي العراقي،وحزب البعث، وحركة القوميين العرب ،فضلا عن رموز عديدة من الاحزاب الاسلامية ،اما مايتعلق بالفنون بشكل عام فأن (الناصرية ) قد مدت العراق بأروع الفنانين من مطربين كداخل حسن وحضيري ابو عزيز وحسين نعمة وطالب القرغولي وغيرهم الكثير فضلا عن ممثلين كبار وشعراء قد غص بهم الشارع العراقي طوال العقود الماضية.
ساحة سياسية
والناصرية هي التسمية التي جاءت بعد تسمية المنتفق،وقد كان لظهورها على الساحة السياسية والإجتماعية حكاية لطيفة يتطرق لها استاذنا الحسني في كتابه أعلاه فيقول ” كانت ديار المنتفق اقطاعية تُقطع بأكياس معلومة على الزعيم السعدوني ” وكانت المشيخة للسعدون يومئذ” فأفرزت منها (السماوة) في سنة 1268هـ ــ 1851 م فجعلتها ملحقة بالحلة ثم حصلت مجادلة بين والي بغداد وشيخ المنتفق فسارت مفرزة من الجيش فأحتلت “سوق الشيوخ” في عام 1278هـ ـــ 1861 م . فلما كانت سنة 1286هـ ـــ 1869م عين مدحت باشا واليا على العراق ،وقد جيء به من أوروبا الى هذه الولاية النائية بغية الاصلاح والتجديد ،وكان مما ” قام به هذا الوالي في باب ادارة العشائر انه استقدم الى بغداد الشيخ ناصر باشا السعدون المتربع على مسند المشيخة وكان قد بقي من مدة مشيخته مدة قليلة فقدم الشيخ ناصر باشا في 21 ربيع الاول سنة 1286هـ ــــ 1869م فأبان له الوالي خطة التجدد التي يجب السير عليها فرغبّه في قبول تحويل المشيخة الى متصرفيه بالفعل لا بالأسم مع بناء حاضرة في أرجاء المنتفق تسمى الناصريةعلى إسمه وعدد له حسنات الإستقرار في موضع،والعدول عن الحل أو الترحال والسعي وراء ترقية الزراعة ،فتفرس الشيخ ناصر باشا في هذا الأمر ففقه وعلم وراء الاكمة ما وراءها وان وسائل المقاومة لاتجدي نفعا ،فانصاع للامر وعين متصرفا للمنتفق وأصبحت اراضي المنتفق واقطاعياتهم أراض أميريه تفوض إلى أل سعدون وغيرهم بموجب قانون الأراضي الذي ادخله مدحت باشا الى العراق في ايام ولايته .
يواصل استاذنا الحسني الذي الف كتابه أعلاه في نهاية الأربعينات الحديث عن الناصرية أنذاك،فيقول” وهكذا أتُخذت الناصريه مركزا لمتصرفيه لواء المنتفق وعُين ناصر باشا السعدون متصرفا على اللواء المذكور فلم تزل في تقدم وتوسع حتى أصبحت أبدع مدينة في العراق من حيث التخطيط الهندسي ونظام الابنية ومن حيث فسحة الشوارع واستقامتها فلما كانت سنة 1292هـ (1875م) فصل (لواء البصرة) من بغداد وجعل ولاية لوحده،فعين ناصر باشا المذكور واليا عليها .
ضفة يسرى
وتقوم مدينة (الناصرية) اليوم على ضفة الفرات اليسرى في موضع يبعد بالقطار عن جنوبي بغداد 387 كيلومترا وعن شمالي البصرة 214 كليومترا ويصلها بالسكة الحديدية الممتدة بين هاتين الحاضرتين فرع حديدي يمتد من أور وينتهي بالجانب الايمن من البلدة طوله 16كيلوا متر ويصل بين الجانبين جسر خشبي عائم وتقدر نفوسها ب 15.900نسمة .- هذا في الاربعينيات من القرن الماضي اي قبل ثمانبن عام- بيوتها الحديثة جميله وعماراتها القديمة تسير مع الزمن وشوارعها الرئيسية معبدة ومزفته ومرافقها العامة كثيرة ومختلفة ومن المنشأت العصريه فيها الثكنة العسكرية وهي جسيمة تقع ع الجانب الايسر من الفرات تجاه المدينة وبجوارها المطار ثم المستشفى الملكي وهو فخم يسع زهاء خمسين سريرا والحديقة العامة والمدرسة الاعدادية وكان نادي الموظفين ودار البلدية ودائرة البرق والبريد وثكنة الخيالة وقيساريتان جميلتان وسوق لبيع اللحوم ومحل كبير لوقوف السيارات هذا عدا المساكن الحديثة والفنادق العصرية وعدا المخازن والرياض والغياض” .
الى هنا إنتهى كلام المرحوم الحسني ،وفي العهد الجمهوري تم تبديل إسم المحافظة من محافظة الناصريه الى محافظة ذي قار وذلك في سبعينات القرن الماضي تيمنا بمعركة ذي قار المشار اليها أعلاه والتي انتصر فيها العرب على الفرس حيث جرت المعركة على تلك الارض وقد اصاب ذي قار التراجع حيث اهملت الخدمات بشكل عام اثناء الحصار على العراق في مرحلة التسعينات،وبعد التغير السياسي الذي حصل عام 2003 م ،لم تتقدم ذي قار كما كان يتمنى ذلك ابنائها الغيارى ،حيث عانت الأمريين شأنها شأن محافظات العراق الأخرى من الاهمال والتراجع وفقدان الخدمات الظرورية لإدامة الحياة ،ولذلك وغيره من الأسباب السياسية والاقتصادية المتمثلة بفقدان الاستقلال السياسي للعراق وسرقة امواله والتعدي الواضح والصريح على وجوده كدولة رائدة ،نهض أبناء ذي قار كما نهض أبناء بغداد والبصرة والنجف وكربلاء وميسان والسماوة والديوانية وواسط،منتفضين ضد السلطات التي ساهمت بضياع الوطن فكانت لهم مواقف عظيمة وكبيرة في ساحة الحبوبي حيث ارتفعت أصواتهم مدوية مطالبة بوقف التراجع وعودة الوطن والعيش بكرامة ،وقدموا من الشجاعة والاقدام ماتعجز الكلمات عن وصفه متلقين بصدورهم وقلوبهم وإراداتهم رصاص الجهات التي أرادت وتريد إسكات صوتهم صوت الحق والبطولة والاقــــــدام ،تحية للناصرية وهي تنجب ابناء بررة للعراق الكـــــــبير المُهاب ،وتحية لها وهــــــي تحتضن أبنائها وهــــــــم يقفون وقفة عز وشـــــــرف ورجولة دفاعا عن وطنهم الذي أصبح مهددا بالضياع ،وتحية أخرى مطعمة بالحب والاعتزاز والأمل لكل محافضات العراق التي تحمل على أراضيها رجالا ونساءً لم ولن يقبلوا بالذلة والتبعية .
رد مع اقتباس
