بعد تحول ابن الفنان هشام سليم من الابنة "نورا"(18 عاماً) إلى الابن "نور" سنسلط الضوء على ماهية اضطراب الهوية الجندرية أو الجنسية؛ هل هو مرض أو مشكلة صحية؟ الجواب في السطور الآتية:

تقدم هيئة الخدمات الصحية البريطانية ( NHS ) تعريفاً لاضطراب الهوية الجنسية Gender dysphoria بأنه حالة غير سوية يعاني فيها الشخص المصاب من الانزعاج والضيق والكرب بسبب إحساسه بعدم وجود توافق بين جنسه البيولوجي الذي ولد فيه وبين رغبته الشديدة في الانتماء إلى الجنس المغاير مع شعوره الدائم بأنه مسجون داخل جنس ( جيندر) ليس جنسه، ولكن شروط هذا الخلل الطبي لا تكتمل إلا في حال وجود شعور مستمر وإلحاحي وحقيقي لدى المريض في الانتقال إلى الجنس المغاير، وهذه الحالة طبية وتختلف تماماً عن حالة الشخص الطبيعي الذي يرغب في تغيير جنسه لأسباب غير مرضية وربما سعياً للحصول على مزايا الجنس الآخر دون وجود أية مبررات طبية تستدعي ذلك.
هكذا يحدد جنس المولود
عادة ما يتم تحديد جنس المولود اعتمادًا على مظهر الأعضاء التناسلية الخارجية عند الولادة حيث يطلق عليه اسم يتناغم مع جنسه ويمضي بالحياة على هذا المنوال، وهذا ما يحدث لعموم الناس حول العالم، ولكن ثمة استثناءات قليلة يرفض فيها هذا الشخص جنسه ويشعر بأنَّ هذه الأعضاء الجنسية لا تمثله، وأنَّ ثمة خطأ ما قد حدث وأبعده عن الجنس الحقيقي الذي ينتمي إليه، ويمكن أن يسبب له هذا الشعور بمعاناة مؤلمة ومتاعب نفسية ترافقه طوال حياته؛ وهذه مشكلة طبية معترف بها عالمياً، ولها أسبابها العلمية المعقدة التي لا علاقة لها بالمرض العقلي .

ما هي أولى علامات اضطراب الهوية الجنسية؟

أولى العلامات تظهر في سن مبكرة
يمكن للأم أن تلاحظ العلامات الأولى لمرض اضطراب الهوية الجنسية Gender dysphoria عند الطفل في سن مبكرة جداً مثل حالة الصبي الذي يرفض ارتداء ملابس الصبيان، ويصرُّ على لبس الفساتين أو إنه يكره المشاركة في ألعاب رفاقه ويلجأ إلى ألعاب البنات مثل الدمية باربي التي يهتم بها، أو إنه يصرُّ على التبول جالساً مثل البنات. وكذلك الحال مع البنت التي تصر على لبس السروال وتطلب قص شعرها مثل الصبيان وتحاول ممارسة ألعابهم التي لا تناسب تكوينها الجسماني، أو تتبول وهي واقفة وتتخيل أن لديها عضواً ذكرياً. ومعظم هذه السلوكيات تقتضي الانتباه والملاحظة ولكنها لا تثير المخاوف لأنها جزء من المراحل الطبيعية لنمو الطفل. ولكن الأمر يختلف تماماً عندما تستمر هذه السلوكيات خلال مرحلة الطفولة وتتفاقم عند الوصول إلى مرحلة البلوغ مع شعور هؤلاء الأبناء بأنهم محصورون في أجسام لا تعود لهم وتنتابهم رغبة قوية في تغيير جنسهم والتفكير في التخلص من العلامات الجسمانية التي تشير إلى جنسهم البيولوجي مثل ظهور شعر الوجه وخشونة الصوت بالنسبة للصبيان ونمو الثديين ونزول الدورة الشهرية بالنسبة للبنات .


ما أسباب ظهور اضطراب الهوية الجنسية؟

الهرمونات قد تكون سبب الاضطراب
ينتشر هذا الخلل في كل أنحاء لعالم وهو أكثر ظهوراً بين الذكور؛ حيث تصل نسبة الإصابة به إلى حوالي 1 من بين كل 30,000 من البالغين الذكور، و1 من بين كل 100,000 من البالغات الإناث. وما يزال السبب العلمي للإصابة به غير واضح بصورة دقيقة في بعض الأحيان. ويرى العلماء أنَّ أحد الأسباب التي تؤدي إلى ظهوره هي وجود خلل في عمل الهرمونات التي تعمل على تطور الجنس البيولوجي في الدماغ وفي الأعضاء التناسلية، مما يتسبب في اختلاف الإشارات المتبادلة بينهما. كما أنَّ وجود هورمونات إضافية في جسم الأم ربما نتيجة تعاطي بعض الأدوية قد يؤدي إلى ظهور هذه المشكلة لدى الطفل، أو قد يعود السبب إلى وجود خلل في عمل الهورمونات داخل الرحم، أو وجود تضخم خلقي في الغدة الكظرية يؤدي إلى إنتاج مستوى عالٍ من الهورمونات الذكرية في جسم الجنين الأنثى إضافة إلى أسباب أخرى معقدة ومتداخلة ما بين الفسيولوجية والنفسية والبيئية.
ما هي مسؤولية الأهل وأولياء الأمور؟
لابد من وجود وعي كامل لدى الأهل بضرورة اللجوء إلى العيادات المتخصصة بوقت مبكر من أجل إخضاع الصبي أو البنت للتقييمات العلمية التي يشارك فيها اثنان أو أكثر من المتخصصين. وقد يتطلب الأمر حضور عدة جلسات بفارق زمني غير قصير بين الواحدة والأخرى مع اللقاء بمقربين من الشخص المريض لمعرفة مدى إصراره ورغبته الحقيقية في تغيير جنسه وشعوره الإلحاحي بعدم تطابق جسمه مع ما يشعر به والعمل على دراسة وضعه التشريحي والصحي والنفسي والتخفيف من حدّة هذه المشاعر المؤلمة؛ لأنها قد تؤدي ببعض المرضى اليائسين إلى التفكير بالانتحار. وترى هيئة الخدمات الصحية البريطانية أنَّ لكل حالة علاجاتها الفردية حسب درجة الإصابة؛ لأنَّ بعض الأشخاص يكتفون بلبس ثياب الجنس المغاير أو تغيير قصة الشعر أو القيام ببعض السلوكيات الظاهرية تشبهاً بهم وهنا يأتي دور العلاج النفسي المدروس. ولكن الأمر يختلف لدى الآخرين الذين يرغبون في تعاطي الهورمونات أو إجراء جراحات معقدة لتغيير الوضع التشريحي لأعضائهم التناسلية بما يطلق عليه (تصحيح الجنس) ولكن الخبراء في هيئة الخدمات الصحية البريطانية ينصحون بالتريث ودراسة الأمر من كل جوانبه واستنفاد العلاجات النفسية كافة قبل اللجوء إلى الجراحة التصحيحية؛ لأنَّ ما بعد هذه العمليات ليست مثل ما قبلها ولا يمكن بأي حال العودة إلى الوضع السابق في حال الرغبة في ذلك.