دراسة حول جريمة القتل العمد والقتل الخطأ في القوانين العراقية القديمة والشريعة الإسلامية والفقه الجنائي والقوانين الوضعية وأحكام القضاء العراقي
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الجرائم الماسة بحياة الإنسان ونعني بها هنا جرائم القتل العمد والقتل الخطأ، من الجرائم المعروفة منذ أقدم العصور كما ان التشريعات في الوقت الحاضر تعالجها في العديد من النصوص ويقع على رأس الجرائم من حيث الخطورة وشدة العقوبة جريمة القتل العمد، حيث تصل العقوبة، إذا ما أقترنت بظرفٍ مشدد، إلى الموت، والسبب يعود إلى انها تعدم حياة الإنسان وتنهي وجوده،
فالإنسان هو أغلى رأسمال وان حياته لا تقدر بثمن وان هذه الجريمة، بالإضافة
إلى تهديدها للفرد، فهي تعكَّر أمن المجتمع وسلامه وتعَّرض مصالحه للخطر.
ولهذا فقد أخترناها موضوعاً لبحثنا المختصر والمتواضع هذا، مع الإحاطة
بأنواع جرائم القتل كالقتل العمد العادي والبسيط والقتل العمد المقترن
بظرفٍ مشدد ثم القتل الخطأ.
فالمبحث الأول، كان يستقصي جريمة القتل
في القوانين العراقية القديمة (أقدم القوانين) وتطبيقاتها القضائية لتبيان
المدنية المتقدمة التي كان يعيشها شعب هذا البلد العريق في وقتٍ كانت أوربا
عبارة عن قبائل بربرية جرمانية.
أما المبحث الثاني، فقد رأينا نظرة الشريعة الإسلامية لجريمة القتل العمد وشبه العمد والقتل الخطأ والجزاء المترتب عليها.
أما المبحث الثالث، فقد تابعنا جريمتا القتل العمد والقتل الخطأ في الفقه الجنائي الحديث.
أما المبحث الرابع، فقد أوردنا النصوص الوضعية التي حددت ماهية جريمة القتل العمد وجريمة القتل الخطأ.
وأخيراً، أوردنا في المبحث الخامس جريمة قتل عمد وتطبيقاتها في أحكام
المحاكم العراقية الصادرة حديثاً من محكمة التمييز مع الإشارة إلى جرائم
أخرى من هذا النوع.
وفي النهاية، أرجو أن ينال هذا البحث المتواضع استحسان كل من يطالعه، مع فائق الشكر.
بغداد – 29/11/2000
المبحث الأول
جريمة القتل في القوانين العراقية القديمة (أقدم الشرائع والقوانين في العالم)
مقدمة عن القوانين العراقية القديمة
تعد القوانين العراقية القديمة من أهم ما يميز حضارة العراق ويضعها في
مقدمة الحضارات الإنسانية الأصيلة، فالقوانين المكتشفة في العراق هي بحق
أقدم القوانين المكتشفة في العالم حتى الآن، فهي أقدم من القوانين
الإيرانية والحثية والإغريقية والرومانية والعبرية بمئات السنين إضافة إلى
ذلك فهي على درجة كبيرة من النضج والتنظيم(1).
أن أقدم الإصلاحات
الاجتماعية والاقتصادية المعروفة لدينا حتى الآن يعود تأريخها إلى القرن
الرابع والعشرين قبل الميلاد (2355 ق.م)، وهي إصلاحات (اوروكاجينا)
واوروكاجينا هو حاكم مدينة لكَش الذي تولى الحكم بعد انتهاء حكم سلالة لكَش
التي أسسها أور – نانشة بثلاث عشرة سنة (القرن الرابع والعشرين قبل
الميلاد)، لذا فان إصلاحات اوروكاجينا تعتبر من أقدم الإصلاحات الاجتماعية
والاقتصادية المعروفة حتى الآن ليس في العراق فحسب بل في جميع بلدان العالم
القديم(2)، بعد هذه الإصلاحات، ينسب أقدم القوانين المكتشفة إلى أور –
نمَّو مؤسس سلالة أور الثالثة السومرية (2113 – 2095 ق. م)، جاء بعده قانون
لبت عشتار (1934 – 1923 ق. م) والذي دوّن كسابقه باللغة السومرية، بعده
جاء قانون اشنونا الذي تم الكشف عنه في موقع تل حرمل القريب من بغداد ويُعد
أقدم قانون دوّن باللغة الأكدية ويعود تأريخه إلى ما قبل حكم الملك
حمورابي بفترة يصعب تحديدها وينسب القانون إلى مملكة (اشنونا) إحدى
الدويلات التي حكمت في منطقة ديالى في بداية العهد البابلي القديم وعاصمتها
(اشنونا) (تل أسمر حالياً) الواقعة على نهر ديالى شرقي نهر دجلة. أما
قانون حمورابي فيعد أكمل وأنضج قانون مكتشف حتى الآن فهو القانون الوحيد
الذي وصل بصيغته الأصلية في حين بقية القوانين كانت عبارة عن نسخ ثانية من
القوانين الأصلية، دوّن قانون حمورابي بالخط المسماري وباللغة الأكدية على
مسلة من حجر الدايوريت الأسود وضم ما يقرب من (282) مادة قانونية بهيئته
الكاملة إضافة إلى المقدمة والخاتمة وقد تم الكشف عن مسلة حمورابي عام
(1901 – 1902) في مدينة شوشة عاصمة عيلام وهي محفوظة الآن في متحف اللوفر
في باريس وقد نحت على الجزء العلوي من وجه المسلة نحت بارز يمثل اله الشمس،
اله الحق والعدالة، جالساً على عرشه وبيده عصا الراعي وخيط القياس الخاص
بالبناء وتحديد الأسعار يسلمها إلى حمورابي الواقف أمامه بخشوع، يبلغ
أرتفاع المسلة (225) سم وقطرها من الأعلى (165) سم ومن الأسفل (190) سم أما
قطرها من الوسط (60) سم(3).
أما بقية القوانين، فهي القوانين الآشورية القديمة والوسيطة والقوانين البابلية الحديثة(4).