قوة الردع في قوانين الوظيفة العامة في العراق
تشكل الوظيفة العامة في كل دول العالم ركناً مهماً من اركان بناء الدولة وتربية مواطنيها على قيم الفضيلة والانضباط الذي لا مفر منه أبداً لصناعة الأجيال المُعَوَل عليها كثيراً. ولم يعرِف التأريخ الإنساني في سِفرِهِ أن حضارةً عَلَّت من دون أن يكون في ذلك دور بارز للموظف العمومي، ووصف الموظف العمومي في البعض من دول المعمورة لا يعني بالضرورة (الموظف الحكومي) ففي الدول الرأسمالية التي شيدت إمبراطوريات مالية وصناعيةٍ، يتولى القطاع الخاص إدارة شطراً واسعاً من مضامير تقديم الخدمة العامة، وفي العراق ألأمر يختلف كثيراً حيث الوظيفة العامة تسببت في ارجاع العجلة ألإنمائية عقوداً الى الوراء، في الوقت الذي بقيت به التشريعات التأديبية الوظيفية، ضعيفة في ردعها بمضماريه الخاص والعام، وبعد العام ٢٠٠٣ تراجع الردع تشريعياً بقوتهِ كثيراً ودليلنا في ذلك (قانونَيْ التضمين..١٢لعام ٢٠٠٦.. و..٣١لعام٢٠١٥)، وبعد هذه المقدمة السريعة، أقول ،أصدر المشرع العراقي، القانون رقم ١٤لسنة١٩٩١المعدل بالقانون رقم ٥لسنة٢٠٠٨، مستمراً بإدارة شؤون الوظيفة بالتكافل ..مع قوانين اخرى..(التقاعد الموحد رقم٩لسنة٢٠١٤..الرواتب رقم٢٢لسنة٢٠٠٨المعدل..الخدم ة المدنية رقم٢٤لسنة١٩٦٠المعدل).. من دون الانتقاص من دور بقية التشريعات العراقية الأخرى التي تنهض حيثما يقتضيها الحال، والقانون موضوع البحث يعد قانوناً مجدياً وناجعاً ومجزيا ويجمع بين الإجراءات الموضوعية الى حد ما والإجراءات ألشكلية واجبة الاتباع من قبل السلطة التأديبية في تأديب تابعيها، برغم أن السلطات التي منحها القانون الملغي (انضباط موظفي الدولة رقم ٦٩لسنة١٩٢٦) كواحد من تشريعات رتبت وأدارت شؤون الوظيفة العامة في العراق، والذي يفرض عقوباته حسب حجم المخالفة وجسامتها، كانت أوسع بكثير، عرف القانون رقم (١٤ لسنة١٩٩١ المعدل)الموظف العمومي بأنه(كل شخص عهدت اليه وضيفة داخلة في الملاك العام الدولة) وعرف رئيس الدائرة(وكيل الوزارة أو المحافظ أو المدير العام وأي موظف آخر يخوله الوزير صلاحية فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون )وهي (لفت النظر والانذار وقطع الراتب لمده لا تتجاوز خمسة أيام والتوبيخ)وبموجب توصيات تحقيقية مسببة، وقد يتراءى للجنة التحقيقية ان الفعل المخالف من الجسامة بما يحتاج لفرض عقوبة أشد فعلى رئيس الدائرة أو الموظف المخول إحالة الأوراق التحقيقية الى الوزير لدراستها والبت بشأنها، وَمِمَّا درج عليه الحال في اغلبه فإن الوزير سيذهب مذهب رئيس الدائرة أياً كان لأنه ألأقرب للفعل والمخالفة والحيثيات. وقد ثار الجدل عالياً بين مجالس المحافظات بعد تشكيلها والمحافظين في أحقية رئيس مجلس المحافظة بوصفه مديراً عاماً وذا سلطة رقابية بموجب القانون رقم٢١ لسنة٢٠٠٨ المعدل في التحقيق مع أي من موظفي دوائر الدولة في الرقعة الجغرافية للمحافظة، ليستقر في عرف إداري نراه صحيحاً أسهمت قرارات مجلس شورى الدولة في تأسيسه ،هو أحقيته بتشكيل اللجان التحقيقية بموجب القانون وسماع وتدوين أقوال المخالفين ، وإحالة محضر التحقيق وتوصياته للمحافظ للمصادقة عليها من عدمها بوصفه رئيس السلطة التنفيذية في المحافظة وتخضع لإدارته التنفيذية كل مؤسسات الدولة العاملة فيها بموجب القانون رقم ٢١ لسنة٢٠٠٨ المعدل أنف الذكر، ولرئيس مجلس المحافظة سلطانه التام في التحقيق والمصادقة على توصيات اللجان التي يشكلها هو بحق أي من موظفي ديوان المجلس دون غيرهم لارتباطهم به وبمؤسسته ذات الشخصية القانونية المستقلة، أما فيما يخص الوزير، المحافظ؛ بكونه ذا سلطان تام بمعاقبة اي من موظفي دوائر وزارته ( دوائر محافظته) ممن هم أدنى من وظيفة مدير عام بأي من العقوبات الحصرية المندرجة في متن( م٨ )من القانون رقم (١٤لسنة١٩٩١المعدل)،بإجراءا ت يراها هو مناسبة تدور بين تشكيل لجنة تحقيقية بموجب (م١٠) أو دون ذلك في حالات وضوح المخالفة وعدم الحاجة للتحقق من وقوعها أو في حالات الإقرار بها قبل البدء بإجراءات تشكيل اللجنة التحقيقية، وفي العناوين الاعلى(مدير عام فما فوق) يكون حقه مقيد وحصري بالعقوبات (لفت نظر، إنذار، قطع راتب)ليكون قراره باتاً وملزماً، ويتولى الوزير، المحافظ ،سلطة المصادقة على توصيات اللجنة التحقيقية كما تولى أمر تشكيلها وله بالتأكيد حق الاعتراض على أي من الإجراءات وقبول أو رد التوصيات كلآ أو جزءا، ويمتد سلطان الوزير، المحافظ لأبعد من ذلك بكثير ليمارس دور إلزام الموظف العمومي الأقل وظيفة منه لجبر الأضرار الناجمة عن خطئه أو إهماله في أداء واجباته الوظيفية ومن خلال لجان التضمين التي أعطاه المشرع حق تشكيلها، وكما ورد في( القرار رقم ١٠٠لسنة١٩٩٩الملغي بالقانون رقم ١٢لسنة٢٠٠٦ الملغي بالقانون رقم٣١لسنة٢٠١٥والنافذ حاليا) وأقول في عجالة أن التشريعات الثلاثة أعلاه ، تراجعت قوة إلزامها في تسديد الموظف المحكوم بقراراتها بحسب ما وردت به من تسلسل زمني، أما في قوة تحصيلها لدين الدولة فهي تساوت لأنها جميعاً تخضع من لم يسدد لأي سبب كان لقانون تحصيل الديون الحكومية رقم ٥٦لسنة ١٩٧٧،وقانون التضمين النافذ (رقم٣١لسنة٢٠١٥) أخضع الوزير، المحافظ لأحكامه في ما لم يكن ذلك موجوداً في سابقه( رقم١٢ لسنة٢٠٠٦)، و هو يكلف الموظف المحكوم بقرار إداري قطعي بتسديد كامل مبلغ الضرر صفقة واحدة وبخلافه يتقدم بطلب للوزير المختص ( المحافظ) لتقسيطه لمدة لا تزيد على خمس سنوات مقابل كفالة شخص ضامن وبهذا الشأن كان القانون الملغي
( رقم١٢ لسنة٢٠٠٦)يشترط لتقسيط المبلغ كفالة عقارية لعقار تزيد قيمته أو تساوي مبلغ الضرر المحكوم به، وليس كفالة شخص ضامن، وأسقط القانون النافذ حق الطعن القضائي بقرار الوزير ، المحافظ، التضميني في اتجاه يحسب على المشرع العراقي ،وقد نظمت المادة 10 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام آلية تشكيل اللجان التحقيقية ( على الوزير أو رئيس الدائرة تأليف لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة والاختصاص على ان يكون أحدهم حاصلا على شهادة جامعية أولية في القانون) تتولى التحقيق تحريرياً مع الموظف المخالف المحال اليه