استعد لمرحلة ما بعد النجاح
لا أدري لماذا ينتابني الشك كلما سمعت بخبر نجاح شخص في عمل ما، فاسأل نفسي: هل نجح حقاً؟ وإذا نجح فبأي ثمن؟ وفي أي سبيل سيصب نجاحه؟ والأهم من كل هذا، إلى أن سيقوده نجاحه هذا؟ أفكر مع نفسي هل الوصول إلى ما نسميه جميعاً النجاح، يعد نصراً للشخص الواصل أيضاً؟
تصوروا طالباً يتحمل الكثير من الصعاب فيتخطى كل منافسيه في امتحان دخول الجامعات ويقبل في فرع الطب وهو أصعب الفرع وأعلاها. يبارك له كل الأقرباء والأصدقاء ذلك، ويغبطه أترابه ويطرونه لأنه استطاع أن يصرع غول امتحان دخول الجامعات الرهيب بكل اقتدار. ولكن هل يعد حقاً شخصاً ناجحاً؟ وماذا لو كان كل طموحه إرضاء والديه وإسعادهم وتمكينهم من التفاخر والزهو لأن ابنهم قُبل في فرع الطب؟ وماذا لو كان بإمكان موهبته الحقيقية أن تتفجر في فرع آخر؟
ولنفترض أنه اختار هذا الفرع بكامل اختياره، فماذا لو كانت غايته من اختيار الطب المتاجرة بأرواح المرضى والإثراء على حساب عافيتهم؟ وماذا لو كان هذا الشخص عديم المسؤولية؟ هل سنسميه ناجحاً أيضاً؟ وأي صورة ستنطبع في أذهاننا عن مستقبله والحال هذه؟ لو كانت عبادة العابد وسيلة لتجارته في الدنيا أو خداع العوام، فهل ستكون له مكانة حقيقية في دنيا العبادة؟ واضح أن ظاهره الناجح لن يمهد السبيل إلى نجاحه في الآخرة. إن ثراء التاجر الموفق ظاهرياً لن يكفل له النجاح الحقيقي في الدنيا والآخرة إلا إذا استخدمه في السبيل الصحيح، فيعلم أن هذا المالك السيف ذي الحدين، قادر على تحقيق السعادة والنجاح الحقيقي له ولعائلته ومجتمعه، أو الانحدار به إلى قعر الحضيض. ولنتذكر ثراء تجار المخدرات الذين يشعلون المجتمعات بنيرانهم ويسلبون الحياة والكرامة من أناس أبرياء.
السياسي المحنك لا يستطيع القول أنه سلك سبيل النجاح بشكل صحيح إلا إذا كان له رصيد شعبي، وكان مبدئياً لا يبعده المنصب عن أهدافه الأولى، فيبقى وفياً لبلده ومجتمعه، ويتذكر دائماً أن الناس هي التي انتخبته، وربما سلبته اعتمادها في يوم من الأيام. إذا سعى هذا الإنسان بنية خالصة لصيانة مصالح البلد والشعب، فلن يستدرجه الجاه والمنصب إلى طريق الضلال والأنانية وعبادة الذات وسيبقى كما كان سابقاً، وعندها يمكن اعتباره سياسياً ناجحاً.
والرياضي لا يكون ناجحاً إلا إذا كان متحلياً بالأخلاق الحسنة والتواضع والمروءة والبطولة وحب الناس الذي يكمل مواهبه الجسدية والرياضية فيبني لنفسه قلاعاً متينة في قلوب الناس وعند الله عز وجل.
يجب إن لا ننسى إننا إذا أصبنا الذي نتوخاه لا نكون قد بلغنا نهاية الطريق، إنما وضعنا الخطوة الأولى في طريق النجاح، ولا نستطيع ادعاء النجاح بحق إلا إذا درسنا كافة جوانب الأمر ونواحيه، ونذرنا كل خطوة نخطوها في هذا الطريق الوعر خالصةً لوجه الله، وإلا لن يكون ما تمنيناه طويلاً إلا محض سراب.