إحدى أقدم كنائس العالم... كنيسة القديس جورجيوس في مدينة إزرع السورية
يطلق عليها "ألف باء الفن المعماري، تعتد بها مراجع الهندسة المعمارية في العالم، "استشهد" فيها القديس جورجيوس "" Saint George سنة 303 م وبقي جثمانه فيها حتى سنة 1187، ولا تزال تحتضن بعضا من ذخائره، تبرّع بقبتها "الحالية" القيصر الروسي نيكولاي الثاني عام 1911.
كنيسة القديس جورجيوس "الخضر" في مدينة إزرع جنوبي سوريا، واحدة من أقدم كنائس العالم، وبحسب نقش على أحد حجارتها فقد بناها يوحنا بن ذيوموس أحد وجهاء إزرع سنة 515 ميلادية، وذلك مكان هيكل وثني كان مكرساً للآلهة "ثياندريت"، يعود تاريخ إنشائه إلى ما قبل الميلاد.
تكتسب كنيسة القديس جورجيوس أهمية أثرية كبيرة لكونها بقيت على وضعها الذي بنيت عليه حتى يومنا هذا، خلال حملة ابراهيم باشا عام 1840 وقصفه لبلدة إزرع بالمدفعية تضررت القبة الحجرية جزئيا، وفي عام 1893 ضرب المنطقة زلزال عنيف، فتهدمت القبة الأصلية القديمة، وظلت كذلك حتى تم ترميمها مطلع القرن الماضي، وقد تبرع القيصر الروسي نيكولاي الثاني بقبتها الخشبية الجديدة وذلك في عهد البطريرك غريغوريوس حداد الذي دشنها بنفسه سنة 1911، بحضور ممثل عن الكنيسة الروسية وممثل عن قيصر روسيا وممثلين عن السلطنة العثمانية وبحضور رجال دين وحشود كبيرة من أهالي حوران، وقد حافظت الكنيسة على رونقها حتى اليوم، ولا تزال القداديس والاحتفالات الدينية تقام فيها، وهي تحظى بمكانة خاصة عند كل طوائف الديانتين المسيحية والإسلامية في سوريا، نظرا لمكانة القديس جوارجيوس "الخضر" عند هذه الطوائف.
صورة نادرة للبطريرك غريغورس الرابع حداد ومعه ممثل الكنيسة الروسية وممثل القيصر نيقولا الثاني داخل الهيكل في كنيسة القديس جوارجيوس في إزرع عام 1911، يوم تدشين القبة والترميم وهذة الصورة اخذها المصور والمؤرخ الفرنسي بونفيس
تشير بعض المراجع إلى أن رفاة القديس جورجيوس نقل إلى هذه الكنيسة في القرن التاسع وظل مدفون فيها إلى أن هاجم إزرع سنة 1187 القائد البريطاني ريتشارد "قلب الأسد" الذي زار هذه الكنيسة وأخذ جثمان القديس جوارجيوس منها ونقله إلى جزيرة كريت، وقد اعترضت الكنيسة الشرقية على ذلك وعملت على إعادة جثمانه الى الشرق حيث أعيد إلى اللد في فلسطين وبقيت له ذخائر في الكنيسة المسماة على اسمه في إزرع.
أيقونة الكنائس البيزنطية
اكتسبت الكنيسة أهمية هندسية كبيرة حيث أدرجت في مراجع وكتب الهندسة المعمارية في معظم دول العالم باعتبارها تمثل المرحلة الأولى من مراحل البناء الديني في العصر البيزنطي، وعلى سبيل المثال أدرجها "فلتشر" في كتابه تاريخ الهندسة المعمارية الصادر عام 1961م، الذي يعد مرجعاً أساسياً لطلاب الهندسة في جميع أنحاء العالم.
وهي البناء الوحيد القائم حتى الآن الذي تتمثل فيه كيفية انتقال الكنائس من الطراز البازليكي المستطيل إلى الشكل المربع الذي تعلوه قبة من الحجر، قائمة على قاعدة مثمنة الشكل.
تقع كنيسة مار جورجيوس شمال شرق مدينة إزرع في درعا، وتعد أول كنيسة تبنى حسب الشكل المعماري المربع للقاعة الرئيسية للكنيسة بعد أن كانت الكنائس تبنى حسب الشكل المعماري المستطيل "البازيليك" وهذا الشكل يقوم على ثمانية أعمدة أوركائز.
التصميم الرائع الذي تنفرد به كنيسة القديس جاورجيوس في إزرع تم نقله إلى الكثير من الكنائس في العالم حتى أصبح نظام التقبب هو النظام المتبع والشائع في أغلب كنائس أوربا، وتقوم الكنيسة على مبدأ الجناح الوحيد المحاط برواق أو وفق مخطط مركزي دائري أو مضلع والحجر البازلتي هو العنصر الأساسي للأسقف والجدران والأرضية والأساسات، يتشكل سقف الرواق من ألواح حجرية قديمة، مرصوفة بطريقة محكمة بالغة الدقة، وتحتوي الكنيسة على ثمانية أقواس نصف دائرية داخل البهو يعلوها جدار يحمل القبة.
شكل الكنيسة الخارجي مربع، وفي الضلع الشرقي منها يبرز الهيكل، ويوجد داخلها شكل مثمن يعلو أمام كل ضلع من أضلاعه الثمانية عمود ضخم ذاو شكل فريد، وتحمل هذه الأعمدة فوقها كتلتي القناطر والسقف وكتلة القبة، ويوجد في كل زاوية من الزوايا الرئيسية الأربعة من الداخل حنية على شكل غرفة نصف دائرية، يحد كلا منها وفوق قطرها المنفتح على جسم البناء الداخلي قنطرة جميلة تعلوها نافذة مقوسة.
يبلغ طول الكنيسة /27.60/مترا مربعا وعرضها تسعة عشر مترا، ويصل ارتفاعها من دون القبة إلى عشرة أمتار ومع القبة إلى ستة عشر مترا.
على المدخل الغربي للكنيسة نقش بالكتابة اليونانية يقول:" إن ملتقى الأبالسة أصبح الآن منزلاً للرب السيد.. إن نور الخلاص يملئ هذا المكان الذي كانت تغطيه من قبل الظلمات، فالاحتفالات الكنسية حلت محل الطقوس الوثنية والمكان الذي كان مركزاً لخلاعة الآلهة تصدح منه اليوم تسابيح الرب".
إزرع احتضنت تلامذة المسيح
إزرع مدينة كنعانية شهيرة ورد ذكرها في رسائل (تل العمارنة) وفي النقوش اليونانية، ومنذ القرن الأول الميلادي انتشرت فيها الديانة المسيحية فبنى المسيحيون فيها عدداً من الكنائس التي لا يزال بعضها قائما حتى اليوم.
تقع مدينة إزرع شمال شرق مدينة درعا بمسافة 31 كم وهي مركز منطقة وفيها أسواق تجارية ومحطة قطار للسكك الحديدية الحجازية وهي بوابة اللجاة ومفتاحها، و فيها الكثير من الأوابد الأثرية القائمة كالقصور والمساكن والمساجد والكنائس.
كانت إزرع ذات شأن عظيم عبر التاريخ، فكانت عاصمة مملكة باشان (حوران) على زمن الملك عوج بن نون 870 قبل الميلاد، وكانت مدينة مسورة بسور عظيم ويتبع لها ستون بلدة ومزرعة وهذا ماذكر في التوراة بسفر التثنية واحد واثنين وثلاثة.
غزا هيرودس إزرع عام 14 قبل الميلاد ودمر أجزاء منها وارتكب مجازر وحشية بحق سكانها.
لإزرع أهمية دينية كبيرة فقد زارها وبشر فيها بالمسيحية "الأولى" إثنان من تلامذة السيد المسيح السبعين وهما (القديس يعقوب والقديس برثلماوس) وهذا مذكور في كتاب التذكار الجامع للقديسين الرسل السبعين.
وبحسب مراجع تاريخية فقد لجأ اليها القديس بولس الرسول بعد هروبه من دمشق وتسقف (ايفوردينوس) على إزرع وهو أحد رفقاء بولس الرسول وقد ازدهرت البلدة في العهد الروماني بعد ان أصبحت المسيحية دينا رسميا للدولة الرومانية، وأقيمت فيها الكنائس والأديرة مثل دير مار يوحنا وكنيسة سيرجيوس وكنيسة الناقوس ودير مار سمعان وكنيسة القديس جورجيوس النادرة وكنيسة مار الياس وغيرها، كما أن اسقف إزرع نونوس ترأس مجمع خلقدونية 451 ميلادية.
تعرضت البلدة للكثير من الحروب والغزوات حيث هاجمها ريتشارد قلب الأسد 1187 وسبقه الإمبراطور بالدوين 1142 وكذالك دخلها المغول بقيادة كيتا ومن ثم زارها الضاهر بيبرس ودخلها المماليك والعثمانيون وتعرضت البلدة للتخريب 1840 أيام إبراهيم باشا الذي قصفها بالمدفعية ومن ثم أصبحت مركزا للفرنسيين زمن الاستعمار الفرنسي، وجرت فيها معركة كبيرة بين الإنكليز والفرنسيين الموالين لحكومة فيشي 1941.