لم يعثر المنظوميُّ على رغم الزمان الطويل والمكان المطلق ، إلا على خمسين منظومة فقط ؛ فاعتذر بقوله في مقطع مقدمته : " هذا جهدي أقدمه للقارئ ، ولا أزعم - على الرغم من المتابعة والسعي إلى التقصي - الإحاطة بالمنظومات النحوية إحاطة تامة ، وآمل أن يوفق غيري في متابعة ما شرعت فيه ، وإحياء هذا الجانب الهام من التراث النحوي " 46 .
وعلى رغم أنها غيض من فيض يحتاج استيعابه إلى طائفة من الباحثين ، استحسنت أن أرتبها كلها فيما يلي ، وأضبطها ، وأُجَدْوِلها ، وأعلق عليها ؛ عسى أن أوفق إلى الإضافة إليها :
م الناظم وفاته عدة منظومته الأمثلة منها تخريجها موضوعها المذكور
1 الخليل بن أحمد
الفراهيدي 175 293 5 عمودية كاملية
بائية مضمومة النحو
( أبواب كثيرة )
2 علي بن حمزة
الكسائي 189 - 3 عمودية رملية
عينية ساكنة النحو ( فضله )
3 أحمد بن منصور
اليشكري 370 أكثر من ألفين 3 مشطرة أرجوزة النحو والصرف
( أبواب كثيرة )
5 محمود بن حمزة
الكَرْماني 505 - 2 عمودية وافرية
عينية مضمومة الصرف
( موانع الصرف )
4 القاسم بن محمد
الحريري 516 375 5 مشطرة أرجوزة النحو والصرف
6 أحمد بن عبد العزيز
الشنتمري 553 - - - النحو
7 سعيد بن المبارك
ابن الدهان 569 36 1 طويلية النحو
( عويص الإعراب )
8 علي بن المبارك
ابن الزاهدة 594 - 2 عمودية طويلية
بائية مضمومة النحو
( عويص الإعراب )
9 علي بن سليمان اليمني
الحيدرة 599 8 2 عمودية طويلية
رائية مكسورة الصرف
( جموع التكسير )
10 الحسين بن أحمد
ابن خَيْران 600 - 1 أرجوزة النحو
11 سالم بن أحمد
المنتجَب التميمي 611 - - أرجوزة النحو
12 يحيى بن عبد المعطي 628 1021 15 أرجوزة النحو والصرف
( أبواب كثيرة )
13 يوسف بن إسماعيل
ابن الشواء الحلبي 635 - 1 كاملية الصرف
( الأفعال )
14 عثمان بن عمر
ابن الحاجب 646 - - - النحو
15 ناظم سنة 657
مجهول - 130 2 عمودية وافرية
كافية مفتوحة الصرف
16 محمد بن عبد الله
ابن مالك الطائي 672 - - قصائد وأراجيز -
17 قرابة ثلاثة آلاف - أرجوزة النحو والصرف
( أبواب كثيرة )
18 1002 9 مشطرة أرجوزة
19 حازم القرطاجني 684 217 2 عمودية بسيطية
ميمية مفتوحة النحو
20 محمد بن أحمد
ابن اللبّان 709 - - - النحو والصرف
( كثير من فوائد
التسهيل والمقرب )
21 محمد بن مصطفى
الدَّوْركي 713 - - - النحو والصرف
( نظم كافية ابن الحاجب )
22 محمد بن الحسن الخليلي 735 - 1 كاملية النحو
23 أحمد عبد القادر
ابن مكتوم 749 28 - طويلية النحو
( مواضع حذف
العائد على الموصول )
24 14 2 عمودية طويلية
رائية مفتوحة النحو
(مواضع الابتداء بالنكرة )
25 الحسن بن قاسم
المرادي 749 - - - النحو
( معاني الحروف )
26 عمر بن المظفر
ابن الوردي 749 150 3 مشطرة أرجوزة الصرف والنحو
( نظم لمحة أبي حيان )
27 محمد بن عيسى
السكسكي 760 - - - الصرف
28 يوسف بن محمد
السُّرَّمَري 776 162 3 عمودية بسيطية
لامية مفتوحة النحو
29 محمد بن محمد
ابن المِجرادي 778 71 2 عمودية طويلية
لامية مفتوحة النحو
( نظم الجمل وتلخيص قواعدها )
30 عبد الرحيم بن علي
الإسنائي 779 - - - النحو
31 أحمد بن منصور
الأُشموني 809 - - لامية النحو
32 عبد العزيز بن عبد العزيز المِكْناسي 880 قرابة ألف - - النحو
( أبواب كثيرة )
33 جلال الدين
السيوطي 911 قرابة ألف 7 مشطرة أرجوزة الصرف والنحو
(تلخيص ألفية ابن مالك وزيادة ،
وفي الخط)
34 زين الدين بن علي
العاملي 966 - - - النحو
35 أحمد بن أبي بكر
النسفي 1007 - - - النحو
36 أبو السعود بن علي
القسطلاني 1033 - - - النحو
( مسوغات الابتداء بالنكرة )
37 محمد بن صالح الغزّي 1035 قرابة ألف 1 أرجوزة الصرف والنحو
( أبواب كثيرة )
38 عبد الرحمن بن عيسى
المُرْشدي 1037 500 - أرجوزة الصرف
39 علي بن عبد الواحد
السِّجِلْماسي 1057 - - - النحو
40 الصرف
41 علي بن محمد
الأُجهوري 1066 قرابة ألف - - الصرف والنحو
( أبواب كثيرة )
42 علي بن أبي بكر
ابن الجمّال 1072 - - - النحو
( مسوغات الابتداء بالنكرة )
43 محمد بن سعيد
السّوسي 1090 - - - النحو
44 عبد الله بن محمد
الشبراوي 1091 50 2 عمودية بسيطية
لامية مكسورة النحو
( قواعد العربية )
45 أحمد بن علي
السُّنْدوبي 1097 - - - النحو ( الحال )
46 خلف بن عبد المطلب
الحويرزي ( من أبناء القرن الحادي عشر) - - - أرجوزة الصرف
47 عبد الرحيم بن محمد
الطُّواقي 1123 - - - النحو
( مسوغات الابتداء بالنكرة )
48 حسن بن محمد العطار 1250 57 1 طويلية النحو
( قواعد الإعراب )
49 يوسف بن عبد القادر
البِرْناوي
(من علماء القرن
الثالث عشر) - - - - النحو
( قواعد الإعراب )
50 أحمد بن محمد البنّاني 1340 - - أرجوزة الصرف
[11] على رغم تعديد كثير من الناثرين لمتونهم المنثورة ، اكتفى أغلب الناظمين بمنظومة واحدة ، إلا ابن مالك ، وابن مكتوم ، والسجلماسي ؛ فلكل منهم منظومتان أو أكثر .
أما أولهم فقد خص بابا من علم الصرف ، بمنظومته المشهورة " لامية الأفعال " 47 ، التي طوى المنظومي ذكرها في تضاعيف قوله : " نظم ابن مالك صاحب الخلاصة الألفية ، قصائد وأراجيز عدة ، نكتفي بالوقوف عند ( الخلاصة الألفية ) لأنها أشهرها " 48 - وكانت جديرة بالذكر فيما سماه المنظومات الغير الألفية . ثم صنع في أبواب كثيرة من علمي النحو والصرف ، منظومة طويلة في ثلاثة آلاف بيت ، ثم منظومة مختصرة منها إلى ثلثها .
وأما ابن مكتوم ففي كل من منظومتيه باب من علم النحو غير الذي في الأخرى .
وأما السجلماسي فمنظومته الأولى في علم الصرف والثانية في علم النحو .
وبفهم تلك الدواعي يظل صحيحا اكتفاء الناظم دون الناثر ، بمتن واحد ، وكأنه يستفرغ فيه عادةً ، وُسْعَهُ ، بحيث لا يجد ، أو لا يحب أن يجد ما يقوله .
[12] وعلى حين تكاثرت المنظوماتُ والقرونَ ، خلت منها القرون الأول والثالث والخامس ، واختلّت مسيرتها بالقلة الظاهرة في القرنين التاسع والعاشر . أما خلو القرون الأولى فمن علامات النشأة وأحوال الجِدَّة ، وأما قلة حظ القرنين التاسع والعاشر ، فمما يحتاج إلى مراجعة .
[13] وإذا أغضينا للمنظوميِّ عن إغفاله الاستشهاد ببعض أبيات المنظومات الغائبة ، من مثل منظومة الشنتمري 49 ، ومنظومة الدوركي 50 - لم نغض له عن فعله ذلك بالشاهدة ، من مثل منظومة ابن الحاجب 51 ، والمرادي 52 ، مهما تكن معرفتنا بها ؛ فهو مما يعين المتلقي على تصورها ، ولن يكلفه شططا ، فضلا عن أنه عمل أصيل في التأريخ العربي للعلوم من قديم إلى حديث .
[14] ولقد منعتني مشكلة الفقرة السابقة ، من تخريج بعض المنظومات في علم العروض ، أو من إتمام تخريجها ، ولكنني استطعت أن أقف على هاتين السمتين العروضيتين التاليتين :
الأولى : أنه غلب على المنظومات بحر الرجز ( مستفعلن × 6 ) ، ووليه بحر الطويل ( فعولن مفاعيلن × 4 ) .
أما غلبة الرجز فمشهورة مفهومة مما سبق أن أوردته لابن معط في ألفيته ، ومن بيان الأخفش أن العرب : " يستعملونه كثيرا ، وإنما وضع للحداء ، والحداء غناؤهم وكلامهم إذا كانوا في عمل أو سوق إبل " 53 ، الدال على أصالة غلبة الرجز على العرب ، حتى ليكادون يتكلمون به في بعض مواقفهم اليومية .
ولكن ابن معط ذكر في تفسير اختياره للرجز ، أنه ييسر للحافظ الحفظ ، فقال :
" لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ حِفْظَ النَّظْـمِ وَفْقُ الذَّكيِّ وَالْبَعيدِ الْفَهْمِ
لا سيَّما مَشْطورُ بَحْرِ الرَّجَزِ إِذا بُني عَلى ازْدِواجٍ موجَزِ " 54 .
والظاهر المعروف في ذلك أنه ييسر للناظم النظم ، بما يتيح من وجوه الزحاف والعلة 55 .
أما تلوُّ الطويل ، فلغلبته على الشعر القديم المستمرة زمانا طويلا 56 ، في إبان غلبة الرجز السابقة ؛ فكأن الناظم يطاول به الشعراء ، ويدعي فيهم .
الأخرى : أنه غلب على القافية التعديد ، الذي يفهم من دلالة " مشطرة " ؛ فالتشطير بناء عروض القصيدة على تنسيق الأشطر اثنين اثنين ، أو ثلاثة ثلاثة ، أو أربعة أربعة ، أو أكثر ، بحيث تتوالى فيها قوافي طوائفها مؤتلفة الداخل ومختلفة الخارج - ويلمح من دلالة " أرجوزة " ؛ فلا نعرفها في المنظومات إلا مشطرة 57.
ولقد كان المزدوج ( ذو الأشطر المنسقة اثنين اثنين ) أول وجوه ذلك التعديد حدوثا ، بإقدام الوليد بن يزيد الخليفة الأموي عليه ، حين أخرج منه خطبته للجمعة ، مستهلا :
" الْحَمْدُ للهِ وَليِّ الْحَمْدِ أَحْمَدُهُ في يُسْرِهِ وَالْجَهْــدِ
وَهْوَ الَّذي في الْكَرْبِ أَسْتَعينُ وَهْوَ الَّذي لَيْسَ لَهُ قَرينُ " ،
ثم أقدم عليه بشار وبشر بن المعتمر وأبان اللاحقي وأبو العتاهية وابن الجهم وابن المعتز وغيرهم ، ولئن ذكروا أن بشارا عبث بما فعل ، لقد جد به غيره " اختيارا لباب من الشعر يتسع لمعاني الخطبة ، على ما بها من قيود لو اجتمعت إلى قيود الشعر المنظوم على أصول القصيدة لوقف ذلك حائلا بينها وبين القيام لما جعلت فيه " 58 . وليست أبواب علم النحو ببعيدة من الخطب ؛ فلا ريب في أنه جانب آخر من تيسير الناظم على نفسه ، ولا سيما أن هذا المزدوج نفسه ، هو ما شطرت به أراجيز المنظومات .
[15] وغلبت على موضوعات المنظومات أبواب النحو الخالص ، ثم أبواب النحو والصرف كليهما معا ، ثم أبواب الصرف الخالص ؛ فدل ذلك على أن الغالب على المنظومات النحوية العربية ، أن تُصْنَعَ للمبتدئين ؛ فإنه لما كانت أبواب علم الصرف عند علمائنا القدماء أدق بحثا ، وعند المتعلمين أثقل وطأة ، درجوا على تأخيرها عن أبواب علم النحو ، على رغم علمهم ببداهة تقدمها عليها ، قال ابن عصفور : " كان ينبغي أن يتقدم علم التصريف على غيره من علوم العربية ؛ إذ هو معرفة ذوات الكلم في أنفسها من غير تركيب ، ومعرفة الشيء في نفسه قبل أن يتركب ، ينبغي أن تكون مقدمة على معرفة أحواله التي تكون له بعد التركيب ، إلا أنه أخر للطفه ودقته ؛ فجعل ما قدم عليه من ذكر العوامل توطئة له ، حتى لا يصل إليه الطالب ، إلا وهو قد تدرب ، وارتاض للقياس " 59 .
[16] وإذا نحينا الموضوعات المجهولة ، غلبت على المنظومات موضوعاتُ الباب الواحد، ثم موضوعات الأبواب الكثيرة ، ثم موضوعات الأبواب القليلة .
وعلى رغم ما يمكن علمَ المجهول من قلب التفاسير ، أرى فيما سبق ، دليل صدور مثل هذه المنظومات عن النزعة الفنية التي ذكرتها فيما سبق ؛ فعندئذ يتناول العالم اللغوي الباب ، كما يتناول الفنان الشاعر الغرض .