عروج الانبياء
دراسة مقارنة في ضوء الكتب المقدسة
يعتقد المسلمون بأن النبي محمد صلى الله عليه واله هو النبي الوحيد الذي عرج الى السماء حيث تقص الآية الاولى من سورة الاسراء جزء من الحدث (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ويوجد حديث مطول يتحدث فيه النبي عن رحلة عروجه الى السماوات و ما رأى فيها .
و لكن الملفت للنظر ان كتاب الكنزا ربا الخاص بالصابئة المندائيين يتحدث عن حدث مشابه مر به النبي يحيى عليه السلام.
حيث يحدثنا الكنزا ربا في القسم الايمن - الكتاب الخامس - الجزء الرابع عن رحلة العروج نحو السماوات التي قام بها (يهيا- بحسب التسمية الصابئية) بمعونة (ماندا إد هيي) وهو الملاك جبرائيل و لنقرأ ما سُطر في الكنزا ربا عن هذا الحدث (لما سمع ماندا إد هيي هذا اقترب من يهيا على ضفته ، دنا منه خالعاً عنه ثوبه في الاردن (يقصد نهر الاردن الذي كان النبي يحيى يعمد الناس فيه) جعل يخلع عنه ثوبه من اللحم والدم ويلبسه بدلاً من ذلك ثوباً من البهاء ثم غطاه بعمامة النور الطاهرة النقية.
ماندا إد هيي واصل سيره ميمماً شطر المقام الذي كله بهاء الى المقام الذي كله نور يصطحبه يهيا)
وهكذا يتكلم عن مراحل العروج و ما لاقى الاثنان في طريقهما من اجناس الملائك في مختلف السماوات حتى يصل الى القول (يهيا بلغ اخيراً ذلك المقام الذي كله بهاء المقام الذي كله نور ، يهيا وصل الى ذلك المقام بقوة ايمانه الذي لم يكن قليلاً بل على العكس انه كان كبيراً )
لا بد قبل ذلك الاشارة الى ان نفس الكنزا ربا يشير الى حدث العروج على انه رفع للنبي يحيى وليس عروج فقط ففي القسم الايمن - الكتاب الثاني- الجزء الاول- ١٥٣ يشير الى مجمل الحدث الذي فصلناه في الاعلى حيث يشير في المطلع (في اليوم الذي ينتهي اجل يهانا .....) ويقص نفس التفاصيل ، وسنعود الى الامر حين نضع تحليلات عن تلك العروجات.
و يحدثنا القرآن عن حالات عروج اخرى حصلت لأنبياء اخرين اذ يتحدث عن النبي إدريس عليه السلام فيقول ( وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا- و رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) الايات ٥٦-٥٧ من سورة مريم حيث يقال ان الله عز وجل رفعه اليه و انه ولم يمت.
من الواضح ان رفع النبي عيسى المسيح عليه السلام الى السماء هو موضع اتفاق المسلمين والمسيحيين رغم اختلافهما في تفاصيل الصلب و الدفن .
تنص الأناجيل على ان المسيح قام من بين الأموات ونفض اكفانه و أزاح الحجر عن مدخل قبره و انه ظهر لتلاميذه مجتمعين مرة و لمريم المجدلية وأخريات معها مرة أيضا.
في حين ينص القرآن على (وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً . بَلْ رَفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللَّـهُ عَزِيزاً حَكِيماً) الايات ١٥٦ -١٥٧ من سورة النساء فالاية تنص بوضوح على ان الله عز وجل رفعه اليه.
يتضح ان المعراج ليس حدثاً اختص به النبي محمد صلى الله عليه واله و ان بضعة انبياء عرجوا ايضاً الى السماء كما يبدو ان جبرائيل كان احد اهم اسباب هذا العروج حيث يظهر ذلك بحضوره في معراج النبي محمد والنبي يحيى كما ان الاناجيل تروي وجوده حيث ينقل انجيل متى في الاصحاح الثامن والعشرون ١-٢ (وبعد البت عند فجر اول الاسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الاخرى لتنظرا القبر ، و اذا زلزلة عظيمة حدثت لان ملاك الرب نزل من السماء و جاء و دحرج الحجر عن الباب وجلس عليه) .
يبدو كذلك ان معراج النبي محمد و عروج النبي يحيى عروجان روحيان و هو ما يظهر في قضية النبي يحيى حيث تشير كلمات الكنزا ربا ان (ماندا إد هيي) نزع عنه اللحم والدم وهو تعبير عن تجريد الروح من البدن كما يظهر.
اما بخصوص النبي عيسى فيظهر انه رفعه اليه بدناً و روحاً .
و يظهر ان حالة السمو الروحي التي يعيشها الأنبياء في حالات معينة أهلتهم إلى حصول العروج فالنبي محمد كان يعتزل في جبل ثور يتعبد ويتفكر في حين ان النبي يحيى اعتزل الناس ولبس المسوح و أخذ الناس يأتون اليه ليعمدهم حيث يسمى في الأناجيل ب(يوحنا المعمدان) .
وكذلك الامر بالنسبة الى عيسى المسيح الذي تعرض في اخر ايامه الى مشاكل كبيرة ومحاولات لقتله من قبل اليهود ويظهر من الاناجيل انه كان في اخر ايامه يصلي طيلة الليل .
وهكذا يظهر خطأ الاعتقاد بأن العروج مختص بالنبي محمد وأنها تجربة عاشها بضعة أنبياء قبله و مع ذلك يبقى الامر بحاجة الى تدقيق و بحث و دراسات مقارنة اكثر